الافتتاحية

الافتتاحية

د. عطية الوهيبي

الحمد لله تعالى الذي أعز المسلمين بالجهاد في سبيله، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين وإمام الأنبياء المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيصدر هذا العدد وثورة شعبنا السوري المباركة تدخل شهرها التاسع، يسطر أبناؤه الأبرار كل يوم أروع الصفحات وأنصعها في أسفار الخلود، بعد أن ثار كالبركان على نظام استبدادي غشوم ظلوم كنود حقود حكمه خمسة عقود بالنار والحديد، نظام تفنن في القتل والإرهاب والطغيان، غريب الوجه واللسان عن هذه الأمة، باع الأوطان، وهدم بيوت الرحمن، ومزق القرآن، وأذاق الشعب كل ألوان البطش والتنكيل والهوان، وارتكب المجازر الرهيبة والمذابح الرعيبة التي يشيب لهولها الولدان (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير).

إنها ثورة شعب مسلم جسور غيور على نظام خؤون كفور، قدح زنادها أشبال حوران وأبناؤها الشجعان، فانتقلت شرارتها، وازداد أوارها وامتد لظاها إلى اللاذقية وبانياس وجبلة والبوكمال والقورية وجسر الشغور وتل رفعت والشحيل والقامشلي والحسكة وغرزت الراية في حمص عند أحفاد سيف الله المسلول فكانوا أهلها وأبناء بجدتها، وساندتهم دمشق وحلب وإدلب ودير الزور، وشملت هذه الثورة المباركة كل محافظة ومدينة وقرية وبيت في سوريا، وما ذكرناه من أسماء هو كمثال وليس للحصر شملت هذه الثورة كل سوريا، سورية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، سورية الجهاد والفتوحات، موطن الهدى والفداء والنور لتحرق نظاماً أسس على الكفر والخيانة والغدر والخنا والفجور، وعلى الشنآن والولاء للشيطان وقوى الظلم والطغيان والعدوان (فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً).

لم يبق في سوريا الحبيبة دار إلا هب أهلها الخيار متوشحين بالعزيمة والإرادة والإصرار يخطون  ملاحم العز والنصر والفخار، ويتشوقون إلى يوم أغر محجل ميمون، تشرق فيه على سوريا شمس الحرية بعد أن استعبد النظام أهل الديار، وعاملهم عبيداً أرقاء وتجاهل أنهم سادة أحرار، وأنهم أهل البلاد والقرار (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).

لقد جن النظام وأزلامه وأركانه وأقزامه فأجلبوا بالطائرات والدبابات والمدرعات ومدافع الميدان والصواريخ والأسلحة الثقيلة يدمرون المدن والقرى والأرياف، ويهدمون المساجد، ويقتلون عشرات الألوف، ويعتقلون مئات الألوف، ويشردون مئات الألوف، فلم يزد بطشه وإرهابه شعبنا إلا مضاء عزيمة وقوة شكيمة، وهيهات هيهات أن تفلح أساليب البطش والقمع والتقتيل، والاعتقال والتشريد والتنكيل في كسر إرادة هذا الشعب الأبي النبيل الأصيل الذي اختار الموت في الميدان على حياة الذل والاستعباد والهوان ذياداً عن دينه القويم، ووطنه الكريم، وتاريخه العظيم:

تسيل على حد الظباة نفوسنا=وليست على غير الظباة تسيل

وإنا لقوم لا نرى الموت سبة=إذا ما رآه خائن وعميل

وفي كل يوم تشرق شمس يقدم الشعب السوري فلذات كبده، وخيرة رجاله، وصفوة أبنائه شهداء أعزة كراماً في المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية، يواجهون القنابل والمدافع وقذائف الدبابات والطائرات بصدورهم العارية إلا من إيمانهم العميق بالله تعالى وارتباطهم الوثيق بدينهم وأمتهم ووطنهم وفهمهم الدقيق لطبيعة الصراع الذي يخوضونه مع نظام تعود الإرهاب ودرب عليه ومرد، ويودع الشعب شهداءه الذين ينسجون بدمائهم حلل النصر وأكاليل الغار ويعاهدهم على المضي في الدرب الذي ساروا عليه (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).

لأنه يعلم علم اليقين أن باب الحرية يدق بالأيدي المضرجة بالدماء، وأن الشرف الرفيق تحميه الجماجم والأشلاء ودماء الشهداء التي تراق على جوانبه صباح مساء

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى=حتى تراق على جوانبه الدم

ويعلم أن دماء هؤلاء الشهداء نور ونار، نور لأنهم في الداجيات، ومصابيح في اللزبات والملمات، ونار تحرق عروش الجبابرة والطغاة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، عند الله رب الأرض والسماوات (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون).

فصبراً صبراً يا شعبنا الجسور، وامض في ثورتك المجيدة ووثبتك الحميدة وانتفاضتك العتيدة، فإن النصر مع الصبر، واليسر مع العسر، (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) ولن يغلب عسر يسرين.

والله تعالى مولانا ولا مولى لهم، وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ولنا النصر والعز والفخار، وللطواغيت الهزيمة والخيبة والعار بإذن الله.

وأنتم يا أبناء أمتنا الإسلامية الأبية كونوا لإخوانكم عوناً ومدداً وردءاً وسنداً، فأنتم خير أمة أخرجت للناس، فأروا الله منكم من النصرة والتأييد ما يشكره لكم ويزين به صحائف أعمالكم، وأروا أعداء الله ما يرهبهم ويغيظ صدورهم.

واعلموا أن المعركة هي معركة الشعب السوري ومعركتكم ونصره نصر له ولكم فالعدو واحد والمصير واحد (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

اللهم نصرك ومددك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين