مفهوم البذل عند الإمام البنا

الحلقة الثالثة

مفهوم البذل عند الإمام البنا

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

إذا توفر مفهوم التنفيذ ، فهو الطريق للنجاح على العقبات  وتخطي التحديات ، التي لا يذللها إلا البذل الصادق والعمل المتواصل ، لذلك فإن مفهوم التنفيذ هو الذي يسلمك إلى مفهوم البذل ، وعليه كانت علامة النجاح على التحديات في مفهوم البذل ركني التضحية والطاعة :

أولاً : ركن التضحية

 بأنواعها المختلفة  : مثل التضحية بالنفس والتضحية بالمال والتضحية بالأوطان والتضحية بالنفيس والغالي والتضحية بالأرحام والتضحية بالمنصب  ، والتضحية بالوقت ، هي أحد ركني مفهوم البذل ، في مواجهة الصعاب والعوائق والتغلب عليها ، هكذا أدرك عبد الله بن رواحة هذا المفهوم  في بيعة العقبة الثانية ، حينما  قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. قال: فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك؟ قال : الجنة. قالوا: ربح البيع، ولا نقيل ولا نستقيل.

وقد حدد الإمام في إيجاز ما أراده بركن التضحية من أنها حياة الدعوة وعلامة نجاح الجهاد  ، وأنها مأجورة ومن حرمها فهو آثم ، فقال :

( وأريد بالتضحية : بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية. وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه. ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل، والثواب الجميل.. ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم. قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة - 111. وقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) التوبة - 24 . وقال تعالى: ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ) التوبة -  120 ، وقال تعالى : (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً ) الفتح – 16 ، وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : ( والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ).

ثانياً : ركن الطاعة

يقول الإمام البنا : " وأريد بالطاعة : امتثال الأمر وإنفاذه توًا في العسر واليسر والمنشط والمكره، وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:

التعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الدعوة والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى، إلى غير ذلك من الوسائل العملية ، وكل شعب الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة، وينظمها القانون الأساسي، وتشرحها وسائل الإخوان وجريدتهم، والدعوة في هذه المرحلة عامة.

ويتصل بالجماعة فيها كل مَن أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها، وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.

التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة- في هذه المرحلة- صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة، وتنظمها رسالة المنهج سابقًا، وهذه الرسالة الآن.

والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا مَن استعد استعدادًا تامًا حقيقيًا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.

التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ.

ولذلك يقول الشيخ محمد الغزالي : ( والجماعة التي لا يحكمها أمر واحد أو التي تغلب على أفرادها وطوائفها النزعات الفردية النافرة ، لا تنجح في صدام ،  بل لا تشرِّف نفسها في حرب أو سلام. والأمم كلها - مؤمنها وكافرها - تعرف هذه الحقيقة ، ولذلك قامت الجندية على الطاعة التامة) فقه السيرة .

يقول الإمام البنا : ( والأخ الذي له أساليب خاصة به. وينظر إلى القيادة نظرة أقران، ولا يصغي لأرائها إلا قليلا ، فإن الاعتماد عليه مخاطرة مهما بلغ من الصلاح ، لأنه حينئذ يغري الجماعة بصلاحه ويفرقها بخلافه ) مذكرات الدعوة والداعية ص 94 . ا