كذبة أبريل

د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد بن سعد الشويعر

يتعمد بعض الناس في شهر ابريل على سبيل المزاح أحيانا، أو على سبيل المداعبة، ونشر المقالب بين الناس، إما تندرا أو تغفيلا، أو مزج ذلك بنواح أخرى من اساليب الحياة، وقد يكون من بين تلك الحالات ماله حدان، فالظاهر المزاح، كما يحصل بين الناس اقتراناً بهذا الشهر، فإن كشفت الحالة أصبحت من الأكاذيب التي يجد لها مقترفها تفسيراً، بأنه في شهر أبريل، وهذه من أكاذيبه التي لا شيء فيها، وما هدف القائل من وراء ذلك إلا توثيق الصلة الأخوية بإزالة الحواجز، وإن لم تكشف عن ذلك الأمر، واعتبره مكسباً، حيث يصبح الأمر حقيقة راسخة.

والباطن منبعث من القناعة التي تهدف لأمور من وراء الكذب، فكم سمعنا عن سرقات حصلت لدى بعض الناس، ومن بعض من يعدونهم أصدقاء، وكم قيل لنا أو قرأنا عن آثار سيئة تركها هذا التقليد، سلوكياً وخلقياً واجتماعياً.

وكذبة إبريل، عادة نشأت في بلاد الغرب، من منطلق يرتبط تاريخياً بهذا الشهر، الذي هو من أشهر الرومان، وهو الشهر الرابع من سنتهم الشمسية.

 وفي تتبع الكتب التي تهتم بالعقائد، وما طرأ على الديانات من دخائل، نرى الغربيين خاصة من كتاب ومؤرخين، يتحاملون على رجال الكنيسة، وما يفرضونه على المجتمع عندهم من أمور، فضلا عن تشكيك بعضهم في صحة الديانة النصرانية لمخالفتها ما يمليه العقل، وما تتطلبه الحياة الحاضرة، ولذا كثر نقاد كتابهم المقدس، وصحة روايته وصدقها، يقابل ذلك جهود قوية لإثبات الأسس التاريخية للديانة النصرانية، وصراعهم هذا يتسم بالكذب كل من جانبه ليؤصل ما قصد إليه. يقول ديورانت عن هيرود الأكبر: كانت أخلاقه مثالاً من أخلاق عصره الذي أنجب كثيراً من الرجال الذين كانوا أذكياء لا أخلاق لهم، قادرين لا ضمير لهم، متحدثين لا صدق عندهم، شجعاناً مجردين من الشرف، فلقد كانوا صورة مصغرة من أغسطس في بلاد اليهود.

كما كانت أسس الصراع بين اليهودية والنصرانية، ورجال الدين فيهما تنطلق من قاعدة راسخة في الكذب، ولذا حرّكت الحرب الأهلية في فرنسا هذه الجذور، فصارت ثورة أوروبية ضد تسلط رجال الكنيسة وسلطتهم، ورجال محاكم التفتيش.

أما في الإسلام فقد جاء في مصدر التشريع في عقيدة الإسلام، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقت للكذب، وأن الله لا يحب الكاذبين، وأنه من علامات النفاق، حيث أبانت شريعة الإسلام – كما جاء في القرآن الكريم – سوء عاقبة المنافقين، وأنهم في الدرك الأسفل من النار، ولا نصير لهم، لأنهم يكذبون، ويفترون على الله، ويخادعونه وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

وتبرير كذبة أبريل ما هو إلا موسم يريدون منه، تنشيط هذه العادة، وترسيخها لدى الناس، وحماية ما يصدر عنهم من أغاليط وافتراءات، ولتعويد الآخرين هذا المنهج الذي أنكره مفكروهم.

والمسلم مأمور بعدم التساهل في الصغائر لأنها تجر إلى الكبائر، ومأمور بالابتعاد عن أعداء دينه ومنهجهم، لأن ذلك يجر إلى محبتهم وموالاتهم، ومأمور بأن يعرض كل ما يعترضه على مصدري التشريع في دينه، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما خالفهما يجب نبذه، وما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو قبيح والشاعر يقول:

كل الكبائر مبداها من الصغر           ومعظم النار من مستصغر الشرر