وإن جُلِد ظهرك وأُخِذ مالك

وإن جُلِد ظهرك وأُخِذ مالك

م. بلال حرب

[email protected]

هناك فئة من الناس تأبى إلا أن تلعب دور الضعيف المهزول, كون هذا الدور يريحها من أعباء المسؤولية، ويبعث في نفسها راحة الضمير، فتنام قريرة العين، ويزداد هذا الشعور شعور التهرب من تغيير الواقع يقينا عندهم إذا قولبوه بميزان الشرع، واتكؤا عليه.

وأقوى ردة فعل قد يتخذونها إزاء مجريات الأمور, أن يهز أحدهم كتفيه ثم يمضي, ولا يلقي لما يحصل بالا, وكل مايجري لا يستثيره طالما أنه بعيد عما تحت قدميه. وهذا نموذج ينطبق تماما مع حال المنافقين الذين أبوا الخروج مع النبي الكريم في غزوة الخندق, معللين أن بيوتهم ستصبح عورة ومستباحة لكل أحد أثناء غيابهم عنها, وشبيه بهذا النموذج من يرفض الخروج على الوالي الظالم أو الحاكم الفاجر الذي لا يرقب في مؤمن قرابة ولا ذمة, ثم يأتي بأحاديث تتفق مع دخيلة نفسه, ظنا منه أنه بهذا العمل قد أرضى ربه ورسوله, ومن جملة هذه الأحاديث ما صدرنا به عنوان المقال, وهذا جزء من حديث طويل رواه مسلم وغيره من حديث حذيفة.

فتمسك به من تمسك بيده اليمين ورفع عقيرته بيده الشمال وهو يشعر بالفخر، لأنه الوحيد الذي يسبح ضد التيار والحارس الأمين للسنة الشريفة وحتى يروج أكثر لبطولته يبدأ بسرد الآيات التي تقول "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" فالحق معي فقط ورأي فقط هو الصواب ومن خالفني فهو على الباطل "فماذا بعد الحق إلا الضلال".

لقد أنكر الإمام  الدارقطني هذه الزيادة التي رواها الإمام مسلم في صحيحه، حيث قال أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة  بن اليمان، فقال هذا مرسل. فالحديث إذا منقطع, ولوكانت صحيحة كما يراها الإمام النووي وغيره, فلا بد من تأويلها إما بالمبالغة في طاعة ولي الأمر، وهذا مردود  بالنصوص النبوية والآيات القرآنية التي تحرم الظلم وتدعو إلى مقاومته وصده، لا سيما قول النبي الكريم "من قتل دون ماله فهو شهيد" وغيرها, وإما أن تُأول بالصبر على جوره ريثما يتوفر عنصري: القدرة والتمكن, عندئذ نجابه هذا الطغيان, وهذا مقبول، ولنا في ذلك سلف في خروج الإمام الحسين على يزيد بن معاوية وفي وقوف عبدالله بن الزبير ضد، ظلم ولاة بني أمية، حتى أن الأمام أبا حنيفة الذي لا يقبله كثير من المحدثين بحجة ضعف حفظه للحديث لدرجة أن ابن خلدون يقول في مقدمته " أن أبا حنيفة لم يحفظ سوى سبعة عشر حديثا". وهذا زور وبهتان عليه رحمه الله، ,فمسند أبي حنيفة فيه من الأحاديث الكثيرة والصحيحة أكثر من مسند الشافعي ومع ذلك لا يرتضيه كثير من أصحاب الحديث لا لشيء إلا لأنه كان يرى جواز الخروج على الحاكم الظالم خلافا لهم.

إن زرع أفكار الخنوع والركود والإستسلام وتثبيط الهمم وما سواها في نفوس الشعوب كيلا تطالب بحقوقها سيجرها إلى التفنن في إتقان المظهر وإغفال الجوهر إذ إرادتها قد مسخت. وإفشاء ثقافة الحرية واستخراج الحق ولو من فم الأسد من ناحية شرعية سيقربنا أكثر من فهم فلسفة الإسلام وهذا ما نبحث عنه.