الثورة المتحركة والمجلس الساكن

الثورة المتحركة والمجلس الساكن

د. فارس الكياخي

مركز الشام المعاصر للدراسات

أي عمل حركي يحتاج إلى قيادة فكرية واضحة المعالم معروفة النهج تتمتع بدرجة عالية من الثقة بين أطياف من تمثله ,لذا وجب أن يكون للثورة السورية وخصوصاً بعد أن قطعت شوطاً كبيراً في مقارعة نظام من أكثر الأنظمة مراوغة ودموية, وجب أن يكون لها قيادة سياسية حرة الحركة ،وحرة الحركة تعني أن تكون هذه الواجهة السياسية في الخارج.

إن فكرة تشكيل المجلس الوطني كانت حاجة ملحة ومطلب متكرر نادى به ثوار الداخل كي يكتمل العمل الميداني الداخلي بالسياسي الحرة الحركة في الخارج ،ليقوم هذا الأخير بنقل حقيقة ما يجري على الأرض السورية الملتهبة إلى المجتمع الدولي ويصبح الصوت المعبر عن أوجاع المذبوحين بآلة القتل المنفلتة من جميع القيم البشرية, كما أنه سوف يقوم مقام البديل عن النظام الحالي لتجنب الفراغ الذي قد يخلفه سقوط النظام الحالي وإسقاط الذريعة التي يتذرع بها أصحاب مقولة عجز المعارضة عن تقديم البديل الحقيقي عن النظام القائم, بهذا كان عليه أن يقدم كياناَ مرحب به من قبل الخارج  ومقبول من قبل الداخل ،أي ينال شرعيته من الشارع الثائر ويلاقي التراحب من قبل المجتمع الدولي على أنه قائد لمرحلة الثورة ويحمل رؤية مستقبلية تؤسس للمرحلة الانتقالية.

إن الثورة السورية التي فاجئت النظام فأحالته كالخفاش الذي اشرقت عليه الشمس دون سابق إنذار فهو يتحرك على غير هدى ،هي أيضاً أحدثت ارتباكاً في تحركات المعارضة الخارجية التي لم تكن أعدت عدتها وهيأت الأدوات اللأزمة كي تتعامل مع حالة بهذا الحجم ،أعني أن المعارضة- سوى بعض التكوينات التي قد تكون وضعت بعض الرؤى لسوريا جديدة – لم تمتلك بنيات متماسكة ومتناغمة في الحركة بالقدر الذي يسمح لها أن تنتج مشروعاً وطنياً كاملاً, هذه الحالة من فوضى المعارضة والتي ظهرت جلياً مع بدأ الثورة أدت إلى تأخر الحراك السياسي الخارجي عن الميداني الداخلي رغم الجهود المخلصة من قبل بعض تشكيلات المعارضة ذات التوجهات الاسلامية التي تعتبر الأكثر نضجاً في التعاطي مع النظام نتيجة الخبرة الطويلة في مقارعته, إلى جانب بعض الشخصيات الوطنية ذات المشارب المختلفة.

هذا الحالة لم تكن نتيجة عقم في الوضع السوري بل نتيجة طبيعية لممارسات النظام التي أدت الى تصحر في الارض السورية على متختلف الأصعدة الفكرية والسياسية والثقافية وحتى شبكة العلاقات الإجتماعية ليجعل من المجتمع السوري حالة متأخرة عن الركب العالمي وقوقعة مغلقة تجاه تيارات التغيير وشتات متناقض غير متصالح مع بقية مكوناته.

في حين أن الثورة أستطاعت أن تضخ الدماء في عروق شبكة العلاقات الإجتماعية الفتية من خلال الحراك الشبابي سواء في الداخل والمتمثل بالمظاهرات السلمية التي أظهرت درجة عالية جداً من التنظيم ورقي في الشعارات التي طالبت بالوحدة الوطنية بين جميع مكونات المجتمع ونبذ الطائفية والعرقية, وكذلك الأمر بالنسبة للمجموعات التي أخذت على عاتقها حماية العزل من هجمات قطعان الشبيحة ومن شابحهم, وكذلك كان حال الحراك الشبابي الخارجي الذي لعب دوراً حيوياً في المجال الإغاثي والدعم الإعلامي.

لكن التصلب وقلة المرونة التي أصابت جسم المعارضة التقليدية جعل من وضعها حالة متأخرة عن مجارات الحراك الشبابي لهذا السبب لم تكن مواقف المعارضة منسجمة فيما بينها بالقدر الكافي الذي يمكنها من قيادة الحراك الثوري النشط بل قد تكون في بعض مواقفها من المثبطات المعطلة لتسارع الحركة وإن كان جانب من ذلك نتيجة طبيعية في ظل الحالة السورية وتحت هيمنة نظام متعدد الأذرع والأرجل قد يستطيع من خلال هذه الأذرع أن يتسلل إلى جسم المعارضة ويحدث حالة من الفوضى قد تظهر على السطح على شكل اختلافات جوهرية في طرق التوصيف والحل, لكن هذا لاينفي وجود بعض الشخصيات والهيئات ذات الارتباطات الخارجية أو المشاريع  التي لاتخدم بناء سوريا حرة موحدة.

إن تشكيل المجلس الوطني في ظل تراكب تعقيدات الحالة السورية التي فرضها نظام الأب والأبن لم يكن بالمهمة السهلة ،لذا فإن الجهات التي تصدت لهذه المهمة بذلت الكثير حتى تستطيع أن تصل بالمعارضة إلى وحدة حال على شكل مجلس وطني.

طبيعة الحالة الثورية المتحركة والمتغيرة تفرض على أي مكون يقودها أن يكون دائم التجديد والتطوير، إذ أنك لن تستطيع أن تكون ثابتاً على سطح متحرك ،بل ينبغي عليك كي تستمر في ثباتك وقيادتك أن تكون في تغيير دائم, لذا من مخاطر ثورات الربيع العربي وكونها ثورية شعبية ولسيت ثورات أديالولوجية أو ثورات تتبع رموز فائقة الـتأثير ، أنها تحرق كل ما تقدمه إليها إن طالت فترة مكوثه على هذا الصفيح الساخن, ومن هنا يجب أن يكون للمجلس ورافديه رصيد احتياطي من النخب والكفاءات التي يجب استبدالها كلما تطلبت الحاجة لذلك حفاظا على الكفاءات الوطنية من التلف والتشويه, أما أن تلقي بجميع أوراقك في حالة بهذا الشكل من التعقيد ،أرى أنه ليس من الحكمة في شيء.

المطلوب الآن من المجلس الوطني  حسب زعمي أن يعيد تجديد نفسه وبشكل متواصل وإن تطلب الأمر بعض الغربلة للتخلص من الحمولة الزائدة وتحرير الجسم من بعض الأعباء التي قد تعيق تسارعه وتحديث الرؤية السياسية  وتغيير على مستوى الهيكلية القيادية وتنشيط فعالية المكاتب والهيئة المختلفة التي تعمل تحت لواءه كي يستطيع هذا الكيان المهم الاستمرار بقيادة الثورة السورية.