بابا عمرو في قبضة الاحتلال!

بابا عمرو في قبضة الاحتلال!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في مطار باريس وقف السيد نيكولاي ساركوزي رئيس جمهورية فرنسا يستقبل صحفيين فرنسيين جريحين تم تهريبهما من مدينة حمص السورية المحتلة إلى لبنان ومن ثم إلى باريس .

وقفة الرئيس الفرنسي لاستقبال اثنين من المواطنين الفرنسيين العاديين تصنع مفارقة مع موقف الرئيس بشار الأسد المرفوض من مواطني شعبه الذي يتجاوز عشرين مليونا . الأول يحافظ على كرامة اقل مواطن في بلاده ، ويحرص على كرامته وسلامته داخل فرنسا وخارجها ولو كان في بلاد الواق واق ، مصيبا أو مخطئا ، برئيا أو مذنبا ، حتى يؤمن له حياته ووجوده وقبل ذلك كرامته . والرئيس المرفوض شعبيا بشار يحرص على سفح دماء شعبه وقتل كل من تسول له نفسه الإعلان عن رفض حكمه الطائفي المستبد الغشوم ، والتعامل مع الجماعات والمدن والقرى الثائرة على حكمه الدموي بالمدرعات والمدفعية والدبابات والطائرات ، مع الحصار الذي يمنع الماء والغذاء والدواء وترك الجرحى والمصابين ينزفون حتى الموت !

الرئيس الطائفي المرفوض شعبيا حاصر حي بابا عمرو في مدينة حمص الشجاعة لمدة سبعة وعشرين يوما ، أحكم فيها الحصار على المواطنين البسطاء ، وظل يقصف الحيّ وسكانه بكل وسائل الدمار التي يملكها جيش المقاومة والممانعة(!) حتى استطاع آخر الأمر أن يحتل الحي بعد انسحاب المقاومين المدافعين عن حياة الناس ، ثم تجري مفاوضات بين الصليب الأحمر والجيش السوري البطل (!) لإدخال الأدوية وإخلاء الجرحى والمصابين ونقلهم إلى المستشفيات للإسعاف ، والعلاج .

بعض الناس يتصور أن الصراع مجرد صراع بين حاكم مستبد فاشي يملك من أجهزة القمع والدمار ما يدعم به حكمه الإجرامي الظالم ، ولكن الحقيقة تكشف أنه حكم طائفي مجرم لا يتغيا مصلحة شعب ، ولا مستقبل أمة ، فلا هو حريص على أن يواجه العدو التاريخي للأمة ، ولا هو معني ببناء وطن .. إنه مشغول بتثبيت حكم الطائفة النصيرية التي تسمى خطأ علوية ، وتمثل أقل من عشرة في المائة لإذلال الأغلبية السنية وقهرها ، وتحويلها إلى خدم وعبيد ، ولا بأس أن يستخدم مع أعوانه وأنصاره في لبنان وبعض البلاد العربية حكاية المقاومة والممانعة ليضحك على الناس ويحاول إقناعهم بأنه يدافع عن الأمة العربية ، ويحرر جزءا محتلا من سورية اسمه الجولان مضى على احتلاله أكثر من أربعين عاما ، ويسعى لمساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم الذي طرد من أرضه وتعبئتها بغرباء لا يستحقونها .

من يقرأ التاريخ يجد أن الطائفة النصيرية ( العلوية ) التي تحكم سورية الآن ، خانت الأمة العربية الإسلامية في زمن الحروب الصليبية ، وفي أثناء غزو التتار للعالم الإسلامي ، وقامت بالانحياز للعدو الفاجر ، وتخلت عن شعبها وأمتها ، مما دفع الإمام ابن تيمية إلى محاربة جموعها ومعاقبتهم على خيانتهم ومساعدتهم للغزاة ، ولم يكتف بذلك بل أصدر رسالتين مهمتين تكشفان خيانة الطائفة ، وفساد معتقداتها الدينية ، وعدم انتمائها إلى الشيعة أو العلويين ( المنتسبين إلى على بن أبي طالب ) ، ويصل إلى تكفيرهم صراحة ووضوح ، مع الدعوة إلى الحذر منهم ومقاتلتهم كلما جنحوا إلى الخيانة أو القتال . 

وفي التاريخ الحديث انحازت الطائفة الخائنة إلى المستعمرين الفرنسيين ، فأقامت لهم فرنسا عام 1920 دولة العلويين ، إلى جانب دويلات أخرى لبعض الطوائف الخائنة في لبنان .

وفي حرب 1967م ، انسحب وزير الدفاع السوري النصيري حافظ الأسد الذي صار رئيسا للجمهورية السورية بانقلاب عسكري باسم حزب البعث من هضبة الجولان قبل سقوطها بأربعة وعشرين ساعة ، وكان من الممكن الدفاع عنها بكتيبة مشاة نظرا لطبيعتها الجغرافية – كما أخبرني اللواء الركن العراقي محمود شيت خطاب يرحمه الله ، وقيل يومئذ إن الأسد حصل على مبلغ تافه نظير انسحابه وخيانته للأمة وللوطن .

وتكرر الأمر نفسه في حرب رمضان ( أكتوبر 1973) مما أثر على الجيش المصري في سيناء ، وأنتج ما عرف بالثغرة في منطقة السويس ..!

إن بشار الأسد يعيد إنتاج المرحلة الصليبية بالخيانة والجريمة ، وأظنه لن يتجاوب مع كوفي عنان أو الجامعة العربية أو الأمم المتحدة ، ولكنه سيتجاوب مع طرف واحد فقط ، هو الشعب السوري المسلم الذي سيقاوم الحرب الطائفية بكل ما يستطيع ،وسيهزم منطق القوة والخيانة ، ولا أظنه – بعد أن أسقط الخوف – سيركع أمام المدرعات والدبابات التي يقودها الطائفيون النصيريون الخونة ، ولن يصدق الناس مزاعم الشيخ حسن نصر الله الذي كشف عن وجهه الطائفي حين كرر الاسطوانة المشروخة عن المقاومة والممانعة ، فالنظام الذي ينتج الحروب الصليبية باع سورية منذ زمان إلى السادة اليهود الغزاة ، وهو ما أفصح عنه النصيري رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد ، وقد فصلته في مكان آخر ، ولم ولن يطلق رصاصة واحدة في الجولان المحتل .. لسبب بسيط وهو أنه قبض الثمن !

يمكن القول إن الحكومات التي تحترم كرامة مواطنيها مثلما فعل نيكولاي ساركوزي تنتصر دائما ولو كانت كافرة ، أما الحكومات التي تهدر كرامة مواطنيها وتسحق وجودهم المعنوي والمادي فلن تنتصر أبدا ، ولو جلست في المسجد الأموي وجاءت بالمنشدين في المولد النبوي ، ورفعت الشيخ البوطي على المنبر ليكذب على الله ورسوله والمؤمنين ، ومعذرة يا بابا عمرو ، فقد تآمر عليك العالم وكثير من الحكام العرب وحسن نصر الله وبعض القوميين في بلادنا !