المؤامرة الكونية والانفجار السوري العظيم

بدر الدين حسن قربي

المؤامرة الكونية والانفجار السوري العظيم

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

إذا عرفنا أن أكبر فراعنة التاريخ مع كل حساباته واحتياطاته وفتكه وقتله، كانت نهايتُه على يد طفل ألقته أمه في اليمّ أملاً أن تُكتب له الحياة، فالتقطه آل فرعون من حيث لم يحتسبوا ليكون لهم عدواً وحَزَناً، فإن أكبر الأنظمة الفاشية في العصر الحديث كتبت نهايته على يد باقة من ورود أطفال درعا عندما قام ضابط أمن اسمه عاطف نجيب، كل إمكاناته أنه عُتلّ شاذ،ّ ومريض زنيم، ولص مجرم، بإشعال قشة في أكوامٍ يابسة من قمع السوريين وقهرهم وإذلالهم لعشرات السنين، فجرت ثورة في سوريا كلها، يوم لم يثنه عن التوحش في تعذيب الأطفال قطرةٌ من رحمة أو لَحْسة من إنسانية، فصب عليهم سوط عذابٍ، أوقعه في شر أعماله من حيث لم يحتسب، وكان قدراً مقدوراً، أن لكل ظالم يوم، ولكل طاغية نهاية

ولئن أخْرَج فرعونَ من التاريخ طفلٌ اسمه موسى، فإن فراعين النظام السوري كانوا محتاجين تسعة عشر طفلاً تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثانية عشر من مدرسة الأربعين الابتدائية في درعا، ليخرجوهم من التاريخ والجغرافيا، اعتقلتهم أجهزة الأمن قبل عام في 27 شباط/فبراير 2011، كانوا قد كتبوا على جدران مدرستهم وداخل فصولهم شعاراً ملأ أسماع الناس وأخذ بعقولهم، ويرونه على شاشات الفضائيات يُرَدّد في ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، الشعب يريد إسقاط النظام.

اعتقال هؤلاء الأطفال ونقلهم إلى دمشق، دفع بأولياء أمور الأطفال إلى مقابلة رئيس قسم الأمن السياسي في محافظة درعا ابن خالة بشار الأسد لحل مشكلةٍ موضوعُها أطفال ليس أكثر من ذلك.  ولكن إصراره على عدم الحل بل غطرسته وبذاءته وقباحته وتألهه في معاملتهم، وطلبه نسيان أولادهم وإنجاب غيرهم، ولئن كانوا عاجزين عن ذلك فهو وجماعته جاهزون نيابة عنهم.  وهو جواب وضع الأهل في طريق مسدودة، وجدوا المخرج منه في تظاهرتهم الأولى يوم 15 آذار/مارس والتي وافقت دعوات للتظاهر في نفس اليوم في أماكن أخرى خصوصاً دمشق.  ثم كانت مظاهرتهم التالية في 18 آذار/ جمعة الكرامة، والتي واجهت قمعاً دامياً من قبل قوات الأمن والحرس الجمهوري الذين تم نقلهم بطائرات الهليوكبتر من دمشق، وأوقعت عدداً من القتلى في المتظاهرين، مما أجّج لهيب الاحتجاجات والتظاهرات، وجعل منها مركز الزلال أو الانفجار السوري العظيم الذي امتد ليشمل عدداً من المدن والبلدات، والتي كانت بدأت تظاهراتها للتو فكان تسونامي مظاهرات غير متوقّع عمّ أنحاء سوريا.

مواجهة السلطة القمعية لمظاهرات درعا السلمية في جمعة الكرامة ومابعدها بالقتل وسفك الدماء بات وقود الانتفاضة السورية اليومي، ففي كل يوم ضحايا وشهداء، وفي اليوم التالي تشييع الجثامين ثم القتل من جديد مع إصرار النظام على القمع وسفك الدم البريء، ومع تطور القتل والتظاهرات في درعا تحديداً ومن مسجدها العمري الكبير مركز الثورة غدت محط أنظار الأخبار العالمية عن الثورة السورية وإشعال التظاهرات في عموم سوريا تأييداً وتضامناً معها.

وإنما في كل ماحصل كان الضخ الإعلامي السوري أنها مؤامرة خارجية كبرى على النظام، ومن ثم اعتمد ذلك مبرراً للتوحش في القمع والقتل والاعتقال والتعذيب والتشريد حفاظاً على مقاومته وممانعته.  ولكن لئن كنا نعتقد يقيناً أن المؤامرات على بلادنا لم ولن تتوقف، وهي ليست جديدة بل ممتدة في الزمان والمكان من قبل ومن بعد، فإنه من العسير أن نوافقه دجله وإفكه لنتصور أن أصحاب المؤامرة والمتآمرين هم من أقنع ابن خالة بشار بفعل مافعل من فواحش التعذيب وقلع أظافر الأطفال واعتقالهم الذي كان كان يمكن أن يطول، لولا الثورة العارمة التي أدت لإطلاق سراحهم على دفعات إلا واحداً مازال متعتقلاً، وإنما بعد فوات الأوان وانفجار البركان.

إن نظاماً قامعاً متوحشاً يرتكب أفظع الجرائم بمواطنه المقهور، وعامله البئيس، وموظفه التعيس، ومثقفه المضطهد وشعبه الجائع والممتهن، ثم يثور بركان جماهيره على السادة والكبراء بعد طول صبرٍ ومعاناة لعشرات السنين، لسنا بحاجة لنجوب شرق الأرض وغربها لاستدعاء مؤامرة لتفسير هذا الكم من الغضب الساطع لشعب مسحوق يدعو ربه أن ينام ثم يستيقظ فلا يرى من نظامه فرداً، ويتمنى لهم صاعقة تأخذهم أخذة واحدةً ولا تبقي منهم أحداً.   

لاشك أن اعتقال أطفال وتعذيبهم سيبقى فاصلةً تاريخية مهمة في معركة السوريين من أجل حريتهم وكرامتهم، أبطالها ورود درعا ورياحينها في مواجهة أعتى أنظمة القمع في العالم، وستمضي عشرات السنين يتحدث عنها السورييون قبل أن تستريح في كتب التاريخ.