في الأسى السوري والثورة المباركة

أحمد ملحم الجرباء

في الأسى السوري والثورة المباركة

( قد تطول الأعمار لا مجد فيها

ويضم الأمجاد يوم قصير)

أحمد ملحم الجرباء

أهلنا في سوريا الكرامة والعزة ، أهلنا في حوران ، درعا الأبية وما جاورها من مدن البطولة ، أهلنا في حمص العذية ، أهلنا في حماة الباسلة ، أهلنا في إدلب الصابرة ، أهلنا في رستن البطولة ، أهلنا في جسر الشغور المنيعة ، أهلنا في جبل الزاوية ، أهلنا في معرة النعمان ، أهلنا في الزبداني ومضايا والمعظمية ودوما وحرستا ، أهلنا في الساحل المجاهد ، أهلنا في اللاذقية وبانياس وجبلة بلد القسام ، أهلنا في دير الزور والجزيرة ، في القامشلي وعامودا والدرباسية ، أهلنا في المدن والأرياف والقرى في سهول بلاد الشام المباركة وجبالها ، يا من سجلتم سطور ملحمة من البطولة والتضحية والفداء والبذل والعطاء ستظل حديث التاريخ إلى أن تقوم الساعة ، وملحمتكم من علاماتها ، لكم تحية إكبار ، ولشهدائكم المجد ، ولجرحاكم الأجر والشفاء العاجل بإذن الله.

كلما هممت بالكتابة إليكم تلعثمت الكلمات ، وفرّت الأفكار ، وتلاشت المعاني ، فكل كلام نكتبه هو أدنى من شعاراتكم وهتافاتكم ، وكل فعل نفكر فيه هو أدنى من دماء شهدائكم وجرحاكم ، وكلّ ألم يقض منا المضاجع هو أدنى من آلامكم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، إليه نلجأ وبه نستعين ، هو وحده الناصر والمعين ، فما خاب من لجأ إليه ، وما ندم من استعان به ، فهنيئاً لكم نصره وتثبيته .

الوحش الأب والوحش الابن

يقول الإمام / علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أشقى الرّعاة من شقيت به رعيته ) فما أشقى الوحش الأول وما أشقى الوحش الثاني ، إن جاز لنا أن نعتبرهما من الرعاة المشمولين بقول الإمام ، وما أشقانا بهما ، فقد ولغ الشقيان الشقيقان ( حافظ ورفعت ) في دمائنا على مدى عقود ، ليتركا المهمة من بعدهما للشقيين الشقيقين ( بشار وماهر ) فتباً لهم وتباً لمهمتهم القذرة .

إن من يتحدث في الشأن السوري عليه أن يكون دقيقاً في استخدام المصطلحات لتكون الألفاظ مطابقة لمعانيها ومدلولاتها ، فمن يتحدث عن نظام حاكم في سوريا يخطئ في المصطلح ، ويتجنى على الحقيقة ، فالطغمة الحاكمة في سوريا منذ الوحش الأب إلى الوحش الوريث هي خارج كل الأنظمة والقوانين والدساتير ، منفلتة من كل إطار شرعي ، بل هي خارج الزمن والتاريخ ، فقدت الإحساس البشري بل هي لم تمتلكه في يوم من الأيام  لا أقول المشاعر الإنسانية فهي أبعد ما تكون عن ذلك  وعاثت في الأرض فساداً وإفساداً ، فتكت بالشعب الأبي المقهور على مدى نصف قرن بأشدّ أنواع الفتك وأبشعها، قتلت على الشبهة ، ونكبت على الظن ، وعذبت للتجربة ، وشردت للأذى ، ومثلت للتشفي ، ومارست كل أنواع الموبقات والأحقاد في حق الوطن والمواطن .

وغدت سوريا  بكل عظمتها وتعدد مكوناتها ، وتاريخها الضارب في عمق الزمان  إضافة لفظية لاسم القائد الفذ ( سوريا الأسد ) ، وغدا أهل سوريا في ظل الهزيمة والصلف الأسديين أسرى لرعونة الحاكم ونزواته ، ليسوا بالأموات ولا بالأحياء ، كما وصفهم الشاعر الكبير بدوي الجبل ( الذي عاصر في أيامه الأخيرة بداية الصناعة الحثيثة والعجلى للصنم الأول ) في قصيدته الشهيرة (من وحي الهزيمة ) التي تعرض بسببها لمحاولة اغتيال بائسة ، وهذه القصيدة هي سجل صادق للمأساة التي حلّت بالشعب السوري وما زالت مستمرة بحكم الوراثة والتوريث ، وفيها استشراف لما ستؤول إليه الأحوال وبشارات بالعودة إلى خيارات الشعوب .

 ليت بشار الجعفري قرأ شيئأ منها في مجلس الأمن ليتأكد المجلس من النعيم الأسدي الذي يرفل بحلله الشعب السوري ، أو ليته يهمس بها بإذن ابنته ( شهرزاد ) لترسلها لشهريارها لعله يعقل شيئاً منها :

أغرور على الفرار؟! لقد ذاب حياء من الغرور الغرور

جَبُنَ القادة الكبار وفروا وبكى للفرار جيش جسور

هُزِم الحاكمون، والشعب في الأصفاد، فالحُكْمُ وحده المكسور

هُزِم الحاكمون، لم يحزن الشعب عليهم، ولا انتخى الجمهور

وانس عطر الشآم ، حيث يقيم الظلم تنأى .. ولا تقيم العطور

ثم أملى الطغاة أن يبغض النور علينا ويعشق الديجور

نحن أسرى، ولو شَمَسْنا على القيد لما نالنا العدو المغير

نحن أسرى، وحين ضيمَ حمانا كاد يقضي من حزنه المأسور

كل فرد من الرعية عبد و من الحكم كل فرد أمير

نحن موتى! وشرّ ما ابتدع الطغيان موتى على الدروب تسير

نحن موتى ! وإن غدونا ورحنا والبيوت المزوَّقات قبور

نحن موتى ! يسر جار لجارٍ مستريباً: متى يكون النشور

بقيت سبّة الزمان على الطاغي ويبقى لنا العُلى و الضمير

اشتراكية ؟! وكنز من الدرّ وزهو ومنبر وسرير

اشتراكية تعاليمها: الإثراء والظلم والخنا والفجور

اشتراكية ! فإن مرّ طاغ صف جند له ودَوّى نفير

كلّ وغد مصعر الخدّ لا سابور في زهوه ولا أزدشير

نهبوا الشعب، واستباح حمى المال جنون النعيم والتبذير

كيف يغشى الوغى ويظفر فيها حاكم مترف وشعب فقير

مزقوه، ولن يمزق الشعب، فالشعب عليم بما أرادوا خبير

حكموه بالنار فالسيف مصقول على الشعب حدّه مشهور

محنة العُرْبِ أُمَّةٌ لم تهادن فاتحيها وحاكم مأجور

هتكوا حرمة المساجد لا جنكيز باراهم و لا تيمور

قحموها على المصلين بالنار فشِلْوٌ يعلو وشِلْوٌ يغور

أمعنوا في مصاحف الله تمزيقاً ويبدو على الوجوه السرور

فقئت أعين المصلين تعذيباً وديست مناكب و صدور

ثم سيقوا إلى السجون، ولا تسأل، فسجانها عنيف مرير

يشبع السوط من لحوم الضحايا وتأبى دموعهم و الزفير

مؤمن بين آلتين من الفولاذ دام، ممزق، معصور

هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات عطر وفي الأسارير نور

هتفوا باسم أحمد فالسياط الحمر نعمى وجنة و حرير

طرف أتباع أحمد في السماوات وطرف الطاغي كليل حسير

ارجعوا للشعوب يا حاكميها لن يفيد التهويل والتغرير

صارحوها.. فقد تبدلت الدنيا وجدّت بعد الأمور أمور

لا يقود الشعوب ظلم وفقر وسباب مكرر مسعور

والإذاعات! هل تخلعت العاهر؟ أم هل تقيأ السكير؟!

صارحوها.. ولا يُغَطِّ على الصدق ضجيج مزور و هدير

واتقوا ساعة الحساب إذا دقت فيوم الحساب يوم عسير

يقف المتهمان وجهاً لوجه حاكم ظالم وشعب صبور

كل حُكْم له  وإن طالت الأيام  يومان: أول و أخير

وعلى ذكر بشار الرئيس وبشار الدبلوماسي واستشهاد الأخير ببيت نزار الذي انتزعه من سياقه انتصاراً لسميّه بشار على العرب والجامعة العربية :

 دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

فهو استشهاد غير موفق ، إذ القصيدة فيها ذكر لحزيران ، وآل الأسد جميعاً لا يطيقون سماع اسم هذا الشهر لما له في ذاكرتهم من ظلال داكنة تختلط مع المعاني الناصعة المدعاة للممانعة والصمود التي تعايشهم ويعايشونها في نومهم وصحوهم ، في حلّهم وترحالهم ، ويحتفظون دوماً  لما تمليه عليهم هذه المعاني  بحق الرد الهادئ والرصين على اعتداءات المعتدين بالوقت المناسب والطريقة المناسبة :

 أدمت سياط حزيران ظهورهمو فأدمنوها وباسوا كفّ من ضربا

 سقوا فلسطين أحلاماً ملونة وأطعموها سخيف القول والخطبا

أما كان الأجدر به أن يمارس دور ابنته ( شهرزاد ) في توعية القائد الملهم ويقرأ لسيده قصيدة نزار التي تصور الحال أدق تصوير :

منذ أن جئتُ إلى السّلطة طفلاً

 لم يقل لي مستشار القصر كلا

 لم يقل لي وزرائي أبداً لفظة كلا

 لم يقل لي سفرائي أبداً في الوجه كلا

 إنّهم قد علّموني أن أرى نفسي إلهاً

 وأرى الشّعب من الشّرفة رملاً

 فاعذروني إن تحوّلت لهولاكو جديد

 أنا لم أقتل لوجه القتل يوماً

 إنّما أقتلكم .. كي أتسلّى

لعله يكفّ عن التسلية بقتلنا وقتل أطفالنا والتمثيل بهم أحياء وشهداء ، ويبحث عن تسلية أخرى خارج حدود وطننا الحبيب.

صناعة الصنم

( تألّه الفرد حيناً ثم عاصفة          هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا )

يقول نزار آغري : ( الطّغاة لا يهبطون من السّماء بل يظهرون رويداً رويداً بقدر ما يكثر المتزلّفون ويتصاغر المتملّقون من حولهم ) نعم ، إنها نظرية صحيحة في الصناعة المحلية للطاغية ، التصفيق الحار في مجالس الشعب الملفقة ، والغفلة الحادة للمواطن المشغول بلقمة العيش ، والانسياق الأعمى وراء الشعارات المضللة ، وتصديق الدعاوى الكاذبة ، كلها عوامل تساعد في صنع الطغاة ، ولكنّ الصنم الذي احترقت سوريا وتحترق اللحظة كلها مدناً وقرى وسكاناً ( أطفالاً ونساء وشيوخاً وشباباً ورجالاً عزلاً ) بأفاعيله وأفاعيل الأصنام التي تناسلت منه ليس صناعة محلية على الإطلاق ، هو صناعة من طراز خاص ، قام عليها صناع مهرة ، أصحاب مهنة عريقة في تضخيم الأقزام ، وتقريب الأغراب ودمجهم في الشعوب التي يراد لها أن تقاد ، كلفت شعبنا جزءاً عزيزاً من وطنه ، وقلعة من قلاع صموده ، وسوراً يحمي حدوده ( الجولان السليب ) ، ونالت من كرامته وحريته ولقمته وأمنه على مدى عقود ، وآن لهذه الأصنام أن تتحطم.

 ( يسومنا الصنم الطاغي عبادته         لن تعبد الشام إلا الواحد الأحدا

 وجه الشآم الّذي  رفّت  بشاشته         من  النعيم لغير الله ما سجدا )

الأصنام والأطفال

( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) آل عمران

أحبابي : حمزة الخطيب وإخوانه وأخواته ، شهداء ملحمة الفداء ، لا أتمكن من كتابة أسمائكم ، فأسماؤكم في سجل الخلود ، أرواحكم في حواصل طير خضر في ظل العرش ، أنتم في نعيم الجنة عند كريم مقتدر ، اتخذ منكم شهداء ، فأي تكريم هذا التكريم ، وأي اصطفاء هذا الاصطفاء ، فهنيئاً لكم هذا التكريم ، والمجد في الدنيا والآخرة لمن أنجبوكم ، والفخر لنا أن عشنا في عصر مررتم به كراماً مسرعين قبيل التحاقكم بنزلكم التي اختارها لكم بارئكم ، حتى أن بعضكم لم ينتظر إلى أن يتخذ اسماً دنيوياً ، أو يعرف أماً ، أو يقبّله أب أو شقيق ، ما أعجزنا عن مجاراتكم ، يدك المرفوعة بإشارة النصر يا حمزة نغمض عليها العين ونفتحها ، يدك المرفوعة يا ولدي أخافت دباباتهم ومدافعهم وصواريخهم ، جعلتهم يفقدون صوابهم ، كيف لشعب استعبدوه بالحديد وبالنار ينجب مثل حمزة ، ما أضعفنا ونحن نتخلى عن دورنا لكم ، كان علينا أن نقوم بما قمتم به من سنين ، وما كان لنا أن نحملكم أوزارنا وضعفنا وحبنا لهذه الفانية ، لكنها الحظوظ يا ولدي ، حظوظكم في السماء ، وحظوظنا في الطين ، إني أتلمس لي حظاً في مخاطبتكم يا ولدي فقد جمعتم بين شرفين لا يعلو عليهما شرف ، شرف الطفولة وبراءتها ، وشرف الشهادة وقدرها ، ثم زدتم عليهما شرف البطولة التي أصبحتم سادتها بلا منازع ، بصدوركم العارية  إلا من البراءة التي لم تعرف الضغائن والأحقاد  تلقيتم أبشع ما يلقاه إنسان على وجه هذه الأرض ، بلا ذنب اقترفتموه ، ليس لكم ذنب ، ذنبكم الوحيد أنكم عشتم في عصر بشار ، وفي بلد اغتصب السلطة فيه أب لبشار وأعاد اغتصابها بشار ، ثق يا ولدي حمزة ، لو أن الوحوش التي افترست جسدك الطاهر عرفت معنى الإنسانية ما احتجزتك ، ولو أنها عرفت معنى الطفولة ما آذتك ، ولو أنها متت إلى البشر بصلة ما مثلت بجسدك ، لو أنهم عرفوا معنى الشهادة وقدر الشهيد ما مكنوك من نيلها ، لو أنهم بشر ككل البشر لأطعموك حلوى ، وقالوا لك كلاماً يقوله الناس للأطفال في مثل هذه الأحوال ، وأعادوك إلى بيتك راضياً وهم راضون ، لو أنهم بشر يا ولدي لكنهم .. لكنهم ..

 ( ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها          أفض  بركات  السلم  شرقاً ومغربا

وصن ضحكة الأطفال يا ربّ  إنّها          إذا غرّدت في موحش الرّمل أعشبا

ويا  ربّ  حبّب  كلّ طفل فلا يرى          وإن لجّ  في  الإعنات وجهاً مقطبا

وهيّىء  له  في كلّ  قلب  صبابة          وفي  كلّ  لقيا  مرحباً  ثم مرحبا )

الجيش الحر

تحية إجلال وإكبار للمجاهد الكبير البطل المقدم حسين هرموش فك الله أسره  إن كان حياً  ورفعه إلى عليين إن كان قد نال الشهادة ، وتحية للقائد المجاهد البطل العقيد رياض الأسعد وإخوانه الأشاوس من ضباط وصف ضباط وأفراد الجيش السوري الحر ، سدد الله رميكم ، وجعل شرف تحرير سوريا على أيديكم النظيفة وأيدي الشباب المجاهدين في التنسيقيات ، خالد أبو صلاح وأمثاله من شباب تفخر بهم الدنيا ، بعون من الله وحده.

إلى الغارقين في الوهم للتذكير ( مختارات من تراثنا )

·        أيّها النّاس ، إنّي قد ولّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على حقّ فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فسدّدوني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم ، ألا إنّ أقواكم عندي الضّعيف حتّى آخذ الحقّ له ، وأضعفكم عندي القويّ حتّى آخذ الحقّ منه . أبو بكر الصديق

·        اقترب أحدهم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وقال له : اتّق الله يا عمر ، فاعترضه أحد الصّحابة زاجراً إيّاه وقائلاً له : أتقولها لأمير المؤمنين ؟ ! هنا ، قال عمر : دعه .. فالويل لكم إذا لم تقولوها .. والويل لنا إذا لم نسمعها .

·       يروى أن الامام أبا حنيفة كان جالساً عند الشاطئ فجاء غلام واقترب من الماء فقال له الإمام أبو حنيفة : احذر ياغلام أن تسقط في النهر، فقال له الغلام : بل احذر أنت يا إمام أن تسقط ! فنظر اليه أبو حنيفة متعجباً.. فأكمل الغلام: أنا اذا سقطتُ فغلام سقط في النهر ومات ! ولكنك إذا سقطتَ.. سقط العالم خلفك ، فزلّة العالِم زلّة العالَم..!