وجبة عشاء تركية

وجبة عشاء تركية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

سألني جاري هل تقبل مني طعاماً إن أرسلته إليك ؟

وهو يعلم أني أسكن وحيداً , فقلت له لاتكلف نفسك , لأنني أجيد فن الطبخ ,فمنذ تسع سنوات وأنا أطبخ لنفسي

فقال سأرسل لك وجبة عشاء تسمى عند الأتراك (دولما ) وعندنا محشي متنوع  .

ومن عادتي عندما أشعر بالجوع وخصوصاً في المساء , يحصل عندي شبه انهيار في جسمي , ولا يمكن أن يعود لطبيعته إلا بعد تناول الطعام , وعلى مايبدو يصبح هبوط حاد في سكر الدم .

ولكن الوجبة تأخرت والجوع ينهش معدتي وأخذ جسمي يرتجف والعرق البارد يتصبب من جبهتي بسبب الجوع , وعندما يئست من قدوم الوجبة الساخنة , تناولت بعض الطعام وارتاح جسمي وارتاحت معدتي , ولكن الوجبة لم تأت, فلو انتظرت قدومها حتى الآن , لكانت قد وزعت على قبري أو عن روحي , لينعم بها مسكين جائع انتظر موتي , ليأخذ وجبة كانت مخصصة لي قبل دفني .

فكم منا انتظر وجبة تركية , والبعض الآخر فضلها أوروبية وأمريكية , ومنهم من قال هي عربية ,ومنهم من انتظر الوجبة الأخيرة المغموسة بالدم , حتى يمل الكلب منها ويترك لهم قسماً من نثراتها .

وعلى الطرف الآخر عندنا نهر كبير متدفق , نبعه من الجنوب من سهل حوران والذي سار في طريقه حتى وصل أقصى الشمال مشكلاً نهراً كبيراً متدفقاً صافي المياه عذب الطعم , كلما مر من منطقة تتوافد عليه روافد ممتدة من الساحل إلى البادية , لم ينتظروا وجبة غذاءٍ مستوردة , ولا مشروباً غازياً ولا جنياً , قالوا من هذا الماء العذب نرتوي , ومن خيره نأكل , وبناء جسمنا الناشيء من هذه الأرض الطيبة , سيحطم كل قوى الشر القادمة من الغرب او الشرق ومن كل الجهات , سيجرف هذا النهر الهادر السفن الايرانية والقواعد  الروسية وشبيحة اللات والقرود وغيرهما  .

ويبدو أن دمشق وحلب قد يئستا من الانتظار , وقالوا طعام ريفنا هو بناء أجسادنا وغذاء أطفالنا وجمال طبيعتنا , وكل غذاء يأتينا من عندهم طازج في رونقه لايمسه لعوب ولا غش ولا سوس .

وبهذا سفق اكتملت الوجبة , وقريباً سنرى صانعيها يتحلقون حولها ولكنها متنوعة بطبق شهي في كل مكان فيه وضعت حرة من بلادي مهارتها فيه , فخرج منظراً يقول للجميع فمهما أكلت فلن تشعر بالتخمة أبداً, فماء النهر هذا عندما يختلط فيه يصبح قطعة من الآيس كريم في يوم من أيام الصيف الجميل.