إلى المعارضة السورية

بعد البكرة كانت المسننات...

زهير سالم*

[email protected]

حين نتحدث عن سورية المستقبل نجمع على نكاد نجمع على أننا نريدها دولة حديثة. ووصف حديثة هنا ليس وصفا جماليا من طراز قولهم  ثوري  وتقدمي. كلمة حديثة هي مصطلح دلالي يشير إلى مرحلة في تطور بناء الدولة في سياق الحضارة الإنسانية. ولكلمة ( دولة حديثة ) دلالاتها الاصطلاحية المتعلقة، بتركيبة الدولة، ومؤسساتها وسلطاتها ومصادر شرعيتها وطريقة إدارتها وآلية اتخاذ القرارات فيها، ومناط الاستحقاق  لمنظومة الحقوق والواجبات لكل الذين يستظلون بظلها..

ولقد حلمنا لفترة طويلة – على طريق حلمنا بالدولة إياها - ببُنية معارضة تكون ظلا للدولة الحلم. حلمنا ببُنية للمؤسسة الحديثة، بتركيبها وأساليب إدارتها، وطريقة اتخاذ القرار فيها. مؤسسة تعتمد حركة المسننات المتعانقة يقوم فيها السن الصغير بدوره ووظيفته.

 بانطلاقة الثورة السورية المنتصرة – إن شاء الله - ببركة دماء شهدائها.  وبتقدم جيل من الشباب السوري إلى المشاركة في تحمل مسئولية الموقف المعارض، استبشرنا بغبطة لا حدود لها. فها هنا جيل جديد، جيل من الشباب، الأكاديمي والمثقف والمنتمي إلى العصر بمعطياته. حيث الكثير من أبناء هذا الجيل درس في جامعات العالم الحديث، وعمل في أطر مؤسساته، وطالع أو تابع أحدث ما كتب في تطور الفكر السياسي، وبناء الدولة الحديثة، وتجاوز في متابعاته أطروحات عصر العقل و التنوير إلى أطروحات الحداثة والفرد وما بعد الحداثة وآفاقها، ودرس بإتقان فنون الإدارة وقواعدها وأساليبها، ومؤهلات المدير الناجح القادر على إدارة المجموعات الكبيرة والمتنوعة، والمؤهل لاكتشاف الطاقات وتوظيفها، واتخاذ القرار الجماعي المتساوق مع الحدث، من مطبخه الأولي إلى منبره النهائي...

من حق كل صاحب رؤيا , وإن لم يكن خبيرا بتفسير الأحلام، أن يتلمس تأويل رؤياه. لا يمكن للمعارضة السورية أن تدعو إلى الثورة على نظام بهيكلية مشتقة من هيكليته. وبنهج لا يختلف عن نهجه!!! لا يمكن أن يسير الناس على نفس طريق قيادة الفرد والمزاج لينسفوا دولة الفرد والمزاج.

بينما كان الكثيرون يتحدثون في سورية بحق عن عورات الدستور وعيوب الكثير من القوانين؛ كان الذي يجب التأكيد عليه دائما أن العورة الكبرى هي في غياب سيادة القانون أصلا. هي في حكم الفرد وتحكم المزاج. وكل ديك في دولة الأسد على مزبنته يصيح بما يمليه عليه في صباحه أو مسائه الرؤية الشخصية أو المزاج النفسي

تتلمس اليوم في الساحة السورية المعارضة فتجد الكثير من الطاقات المهملة، والقدرات المضيعة، وتجد مع حجم الثغرة، وثقل العبء، تفريطا بدفق ماء والناس يتيممون من قلته. تسمع الشكوى ممن يقول إنه لا يجد الوقت، وممن يقول إنه لا يجد المعين، وممن يقول إنه لا يجد الأداة، وتستمع إلى من يخبط بنا خبط عشواء ولا يتفهم الرسالة حين يقال له: لا نريد لأحد أن يحمل الناس على رأيه أنها تقول بلغة دبلوماسية نرجوك لا تحملنا على رأيك..

لا أزعم أنني قادر على ما أدعو إليه، وأزينه وأجمله. ولكنني أراه ضرورة، كنت أظن أن جيل الشباب أقدر عليه. و يوم كتبت لهم قبل هذه الثورة المباركة بشهور ( أزيحونا أريحونا..) كنت أتطلع إلى كل هذا وأنا اليوم قانع ببعضه لو أراه....

نحتاج إلى بناء المؤسسة الحديثة التي تبني الجسم الحي، يغذيه القلب البشري بمدده من الغذاء، وتعطيه شبكة الأعصاب بحقه من التفاعل والإحساس. أحلم بيوم يفتح فيه كل مواطن سوري عينيه فيجد أمر حركته اليومي قد وضع له بما يتلاءم مع موقعه وظرفه..

أتطلع إلى المؤسسة التي يعلم مديرها أنه بعد عصر العجلة والبكرة انتقلت الإنسانية إلى عصر البندول ومنه إلى عصر المسننات..

               

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية