الخلطات الثلاث لتبديد الكسل وتسديد العمل وتجديد الأمل

الخلطات الثلاث

لتبديد الكسل وتسديد العمل وتجديد الأمل

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

[email protected]

إن المتغيّرات المتسارعة التي تميّز المرحلة ، وما أفرزته وتفرزه من تحدّيات على مستويات شتى ، بقدر ما تطلّب من الحركة ومؤسساتها وقيادتها من تكيّف على مستوى الاجتهاد والموقف والخيار والتكتيك ، ومواكبة على مستوى سقف الطموح والهدف والخطة والبرنامج ، و قد انخرطت الحركة في هذا المسار بشكل عملي ومتدرّج وتصاعدي ، من خلال قرارها الأخير بفك الارتباط وما صاحب ذلك من تداعيات وردود أفعال ، وكذلك من خلال حضورها الإعلامي اليومي ، وكذا نشاطها الدبلوماسي المكثف ، إضافة إلى أولويتها التي حدّدتها لسنة 2012 ، وبداية التحرك العملي لضبط البوصلة داخليا وخارجيا على مؤشر هذه الأولوية ، وإن كانت الوتيرة تحتاج إلى أن تكون أكثر سرعة وأعمق خطوات وأشد احترافية ، مع التخلّص النهائي من تهمة الخطاب المشفر والغامض والعمومي ، إلى خطاب أكثر وضوحا وبساطة وملامسة لنبض الرأي العام ، بحيث نزيد فيه ــ قناعة وليس براغماتية ــ من جرعة القضايا والانشغالات على حساب النخبوية والمثالية الفكرية والسياسية .

لكن كل هذا في اعتقادي لا يحقق المطلوب ، ولا يقرّب المرغوب بشكل مرضي وكافي ومقبول ، إذا لم يصاحبه مواكبة على مستوى كل فرد من أبناء الحركة ، بتبديد كل مظاهر الكسل والاسترخاء ، وتطليق حالات الركود والعزوف وضعف الحضور ، وانسداد شهية العمل ، وتدني منسوب التفاعل العملي مع الخطط والبرامج ، وعقم الإنجاز وبطء الاستجابة والتثاقل في القيام بالواجبات الحركية ، ومغادرة موقع المتفرج الناقد كثير الجدل ، ومقاومة ما قد يكون قد اعتراه من تطبيع نفسي مع الفتور والقعود والسلبية ، ونفض غبار الغفلة بمختلف أنواعها ، الذي قد يصل لدى البعض إلى حد عدم الحياء من التقصير بل تبريره وصناعة الأعذار له ، والتخلّص من كل مظاهر الهزيمة النفسية في مواجهة حملات التشكيك والتشويه والتحريف والإرجاف التي تعرضت وتتعرض لها الحركة وقيادتها ومواقفها ورجالها ، والانتقال العملي من ضيق وهم وعتمة منطق أرحنا منها ، إلى سعة ولذة وإشراقه منطق أرحنا بها ، مع تمثل كل أبجديات وخصال حامل الفكرة النبيلة وصاحب المشروع الرسالي ، والمرابطة على ثغور الحركة ، والصمود في ميادين المنافسة والتدافع والصراع ، لأن أثمن ما تملكه الحركة ــ وهي محسودة فيه وعليه ــ إضافة إلى أصالة فكرتها وقوة تنظيمها ، هو ذاك المناضل الحق الذي ينافح عنها في كل الساحات ، ويكافح من أجلها في كل الميادين ، ويعمل للتمكين لمشروعها في كل الفضاءات ولدى كل الفئات المشكلة للرأي العام ، ويجهر بانتمائه لها قولا وعملا وفكرا وسلوكا وإنجازا ، ويعتز بذلك من غير تعصب أو غرور ، أينما وضع أو تواجد أزهر وأثمر وأينع ونشر عبقه الطيب ، وسجّل أهدافا نظيفة لصالح حركته ومشروعها ، حتى وإن لم يكلّف رسميا بذلك ، لأنه يستشعر أن لديه أمرا بمهمة دائما ، لا يبلى بالتقادم ، ولا يمحى بالعوارض مهما كانت ، لأنه مطبوع في فكره وقلبه ، ومعجون بلحمه ، ويجري في عروقه ، منذ أن أكرمه الله بسلوك هذا الطريق .

 ولممارسة هذه المواكبة النضالية الجادّة ، والتكيّف الفردي الإيجابي والفعّال من طرف كل واحد منا ، مهما كان موقعه في الحركة ومستواه وصفته التنظيمية ، أقدّم هذه الخلطات الثلاث ، لضمان وصفة علاجية متكاملة وناجعة ، لنصنع بها التجوّل ، ونحقق الإقلاع ونكسب الرهان والتحدّي ، لترسو سفينتنا بكل طمأنينة وأمان ، على شاطئ الريادة والقيادة المستحقة ، ليصبح الحلم حقيقة في الواقع وما ذلك على الله بعزيز:

1) ــ الخلطة الروحيـــة :

أول هذه الخلطات هي الخلطة الروحية ، ولم أجد أفضل ولا أشمل ولا أنفع روحيا من الخلطة التي وصفها الإمام سفيان الثوري رحمه الله لذلك الرجل الذي اشتكى له مرض البعد عن الله ، فقال له : يا هذا عليك بعروق الإخلاص وورق الصبر وعصير التواضع ، ضع هذا كله في إناء التقوى ، وصبّ عليه ماء الخشية ، وأوقد عليه بنار الحزن ، وصفه بمصفاة المراقبة ، وتناوله بكف الصدق ، وأشربه من كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع ، وأبعد عن الحرص والطمع ، تشفى من مرضك بإذن الله.

2) ــ الخلطة الفكريـــــــــة :

الخلطة الثانية التي تضاف إلى الأولى هي الخلطة الفكرية ، وعلى نفس منهجية الإمام الثوري نقول : يا هذا عليك كذلك بعروق الفهم وورق اليقظة وبذور الثقة وثمار الحكمة وعصير الوعي ومستخلص سعة الأفق ، ضع هذا كله في إناء الحصانة الفكرية ، وصبّ عليه ماء الحس الإعلامي ، وأضف إليه منقوع المتابعة الجادة ومستحلب التفاعل الإيجابي ، وأوقد عليه بنار نصرة الحركة ، وصفه بمصفاة التثبّت ، وطعّمه بذوق حراسة المشروع ونكهة حماية الفكرة ، وأمزجه بحسن تسويق الإنجاز ، وتناوله بكف وضوح الرؤية ، وأشربه من كأس القراءة المبصرة والدائمة ، وتمضمض بعده بالكلمة الطيبة الهادية ، وتخلّص من سرعة تصديق الشبهة ، وسطحية تناول الأخبار ، ومنطق التهويل والتهوين ، تشفى من مرض التأثر السلبي بحملات الإرجاف والتشكيك بإذن الله ، وتتعافى من نوبات الهزيمة النفسية التي تنتابك عادة جرّاء كثرة سهام المغرضين ، ويقوى جهاز المناعة وجدار الصد لديك ، وينضبط جهازا استقبالك وإرسالك على موجة حماية الحركة والغيرة عليها والدفاع عنها وإقناع الآخرين بها.

3) ــ الخلطة الحركيــــــة :

الخلطة الثالثة التي تضاف إلى سابقتيها هي الخلطة الحركية وبنفس الطريقة نقول : يا هذا عليك بعروق الرسالية وورق الجاهزية وبذور الإيجابية وثمار الفعالية وعصير الشعور بالمسؤولية ومستخلص الثبات ، ضع هذا كله في إناء مضى عهد النوم ، وصبّ عليه ماء التجرّد ، وأضف إليه منقوع الحماسة ومستحلب المثابرة ، وأوقد عليه بنار الحرقة ، وصفه بمصفاة الإخوان ، وغيّر نكهته بتوابل المرابطة على الثغور وسرعة الاستجابة وفورية التنفيذ وامتلاك روح المبادرة ، وحبّة من استشعار فردية التكليف ، وحرّكه بملعقة الغيرة على الحركة ، وتناوله بكف متانة الولاء ومصيرية الانتماء ، وأشربه من كأس النضالية المضحّية ، وتمضمض بعده باليقين ، وأبتعد عن التواكلية وبرود الهمّة والإحباط ، تشفى من مرض الكسل والفتور والعزوف عن أداء الواجب وانسداد شهية العمل بإذن الله ، والخروج بذلك من أوحال الكلالة والعطالة والبطالة والاسترخاء ، إلى فضاءات النشاط والجدية والنهوض والإبداع.

لماذا هذه الخلطات الثلاث؟؟؟

 لأن التحدّي الداخلي الذي قد يواجه الحركة ، والمتمثل في وجود ظواهر العزوف وضعف الإقبال على العمل الحركي ، وانسداد شهية القيام بالواجبات الحركية ، وانخفاض منسوب الحس الرسالي والنضالي ، وتدني مستوى الجاهزية الإيمانية والنفسية والفكرية والحركية لدى الأفراد ، والوهن والبرودة التي قد تصيب العلاقات بين مكوّنات الصف الحركي أفقيا وعموديا ، وكذا استلذاذ حالات الانكماش والانغلاق على الذات ، والنخبوية الضيقة ، وغياب الروح الواثقة المنفتحة المخالطة والمندمجة مجتمعيا ، كل هذه المظاهر للتحدّي الداخلي تعتبر أخطر وأشد من كل التحديات الخارجية التي قد تواجه الحركة ، مهما بلغت من الهالة والكثرة والقوة ، لأن الانتصارات والانكسارات ، كليهما أول ما تصنع تصنع على مستوى الداخل والذات والنفس ، ومن ثم تتجسّد وتنعكس خارجيا إيجابا وسلبا ، وهو المنهج الذي أكّده القرآن الكريم في قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(محمد7) ، وفي قوله تعالى :( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(آل عمران165) ، وقوله تعالى:( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)( الرعد11).

فالنجاح في أبسط معانيه هو تضييق هامش الفجوة بين التوقع والواقع ، فكلّما كانت المسافة قريبة بين سقف التوقع والطموح والواقع المعاش داخليا أولا وخارجيا ثانيا، كلّما كان النجاح وإمكانية تحقيق الهدف والأولوية قريبا وممكنا كذلك ، والعكس ، فلا يمكن لواقع متواضع ، أن يصنع توقعا مرتفع السقف .

ففي الأول والأخير يبقى الفرد هو محور كل عملية تغييرية ، وهو الرهان الحقيقي الذي يحوّل المستهدف إلى ترجمة عملية في الميدان ، وإلا يبقيه خيالا في أذهان واضعيه فقط ، لأن اللبنات الهشة ، لا تشكل في النهاية إلا بناء هشا ، عكس اللبنات الصلبة والقوية ، ولا يمكن لبناء هش أن يصمد طويلا في مقارعة العواصف والخطوب ، فماذا تستفيد الحركة من مناضل تحمله وتئن من حمله ، ويحدّ من انطلاقتها ، عوض أن يساهم في ارتيادها الآفاق ، ويكون حجة عليها لا لها ، في كل محفل يتواجد فيه ، كما قال محمد إقبال رحمه الله :(لا بارك الله في نسيم السحر(الفرد المناضل) ، إذا لم تستفد منه الحديقة(الحركة) ، إلا الفتور والخمول والذوى والذبول).

فلا خيار لنا كأبناء لهذه الحركة ، ونحن نطمح إلى تبوّئها المراتب المتقدّمة ، إلا أن نكون في مستوى هذا الطموح ، إيمانا وفكرا وقولا وعملا وتضحية وسلوكا وتفاعلا وإنجازا ، فنبدّد الكسل ونطلّق الجدل ونحارب الملل ونسد الخلل ونضرب المثل ، فنجدّد الأمل ونسدّد العمل لنجني سويا بإذن الله العسل ، ( فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم ، وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين) ، كما قال الإمام البنا رحمه الله ، والأماني ــ التي لا يصاحبها عمل ــ رؤوس أموال المفاليس ، كما قال الإمام علي رضي الله عنه ، ونحن نربأ بإخواننا وأحبابنا أن يكونوا كذلك .

فاستعملوا هذه الخلطات الوقائية من ناحية ، والعلاجية من ناحية أخرى ، وأنتم مصمّمون على بلوغ الهدف مهما كانت التضحيات ، فإمّا أن تكونوا ، وإمّا أن تكونوا ، إمّا أن تنجحوا ، وإمّا أن تنجحوا ، فلا محلّ للا في هذا الأمر ، فكلّ واحد مطلوب منه أن ينير الزاوية التي هو فيها ، ومن ثم تعمّ الأنوار كل زوايا حركتنا المباركة بإذن الله ، وعندها يحمد القوم السرى.