الثيوقراطية

الثيوقراطية

م. بلال محمود حرب ناصر

[email protected]

* من منا لا يعقل هذه الكلمة "الثيوقراطية"، أو ما يسمى الحكم باسم الآلهة ولا يستبعدها عن تفكيره، وهي شعار الحكام المستبدين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد..

 تلك الكلمة التي افتاتت على الشعوب، لكون حاكمهم قد رأى نفسه نائبا عن الرب، يحكم باسمه، فأصبح معصوما عن الخطأ والزلل. إنها بعينها الصوفية السياسية قد استقاها أصحابها من أرباب الطرق، الذين حذروا أتباعهم من مخالفة مشايخهم، حالهم كحال الميت بين يدي المغسل، وكذلك الأمة لا تقدر على محاسبة ساداتها، وكيف تحاسبهم وهي تأخذ علمها من الأوراق وهم يأخذونها من الخلاق عن طريق الكشف والالهام.

بيد أن أدعياء الامة ممن أصاب عقولهم العطب، قد سلكوا بأرائهم من تجهيز الفتاوى والتلبس على العباد بغية كسب الولاء عن طريق التملق والتزلف وبيع الدين بثمن بخس دراهم معدودة، ليمهد لسلاطينهم فرصة الوثب على صدورهم، وجرهم كالأذناب. ومن العفن العقلي الذي يرخي بظلاله على عقول زمرة منهم أن تسمع من بعضهم يقول :" ان الشورى معلمة وليست ملزمة..." اذا كان الأمر كذلك، فما معنى الاستبداد اذا؟! 

ندرك تماما أن تخلف الأمة عن ركب الحضارة يكمن في الاساس في فساد طرفين؛ العلماء والحكام، فساروا في غيهم يمنة ويسرة لا معقب لحكمهم، وزبانيتهم من الطرف الأول يجملون صورتهم، بحجة أن السلطان الجائر خير من الفتنة التي ترهق البلاد في أتون من الفوضى لا يعلم مداها الا الله بسبب خلعه..

لا أحد يريد نزع السلطان عن سلطانه، لأنهم أرسو قواعدهم بما لا يحتمل الريب أن الخلاص منهم ضرب من العبث، ولكن بالمقابل لا يرضى أحد على أن سياسة تكميم الأفواه من الحكمة الرشيدة.

والحاكم الفرد اتخذ من هذه النظرية شماعة، وأن ما يصنعه هو لحماية الاسلام من أطماع المستعمرين وأحقاد الغازين، فتنوعت طرائق الاستبداد السياسي، وكثر الاستئثار بالمال العام كي يكون دولة بين الأغنياء منهم، وشراء الذمم كان لها حظا وفيرا  من ذلك. والأصوات المعارضة لا حظ لها ولا اعتبار، ولما تعالى دويها مطالبة بالعودة الى الشريعة الاسلامية، كي تحقق العدالة الاجتماعية بين المواطنين اتهمت بالخيانة، فزجى بها في السجون، وتفنن الجلادون في تعذيبها. والغريب أن الفقه الاسلامي في مرحلة معينة تعامل مع هذا الواقع الكئيب بسلبية، مسلما به من دون الحراك لدرجة أن الفقهاء تغافلوا – وبقصد - عن التطرق لسياسة الحكم والمال من منظور شرعي.

إن الحاكم الالهي إذا لم تقلم أظافره يبقى سادرا في دربه لا يخشى احدا، يستطيل في جبروته وبطشه، ولا يعنيه من هذه الدنيا الا المحافظة على عرشه، وتعطيل أجهزة الدولة، أو تحويرها نحو مآربه الذاتية، بإغداق المال على رجالاتها تارة، وإحياء بعض العصبيات الجاهلية

بين الأحزاب السياسية تارة أخرى.

 والجبهة الداخلية في حالة انفكاكها وفقد الثقة بزعيمها فإنها تكون فريسة للتدخل الأجنبي.

إن الفرعونية الحاكمة والقارونية الكانزة والهامانية المستوزرة أدت بالأمة الى النكوص، والنزول نحو السفوح، ومن الاجحاف تحميل الاسلام هذه الأوزار، لأن الحقائق ينظر اليها على ضوئه، ولا يُنظر هو على ضوئها.

ولذا فإن فهمه بفقه ارحب وعلم أوسع هو الضامن الوحيد للإصلاح والتغيير، لكيما نصل نحو الارتقاء والنهوض، حتى لا نبقى نقبع في أمكنتنا نضع الخدود على الأيدي ونُخفِض الرؤوس بانتظار المهدي المحبوس..