وقفة تأمُّل

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

التأمل في الديانة البوذية هي المرحلة الثانية والتي تلي التجرد من كل ماهو دنس واحترام كل كائن حي , وتسمى عندهم (اليوغا) ليصل الشخص بعدها إلى الحكمة والمسماة عندهم (النيرفانا) وهي تحقيق التوازن بين قوى الانسان المادية وقواه الروحية (إخماد القوى الروحية )

في الثقافة اليونانية اعتمد سقراط في فلسفته الأخلاقية على تفريغ عقل الشخص ومن ثم إعادة بنائه مرة اخرى , معتمداً بذلك على أن من يدعي المعرفة , عندما يعيد النظر ويتأمل في نفسه بعيداً عن عواطفه , سيجد نفسه أنه لاشيء , وعندما يستطيع الانسان محاكمة نفسه , سيجد حتماً أن ماكان يدعيه هو غير موجود , وسيسعى جاهداً عندها الوصول للحكمة .

إلى جانب ذلك انتشر السفسطائيون , وهم الذين يجادلون في الحق ليقلبوه باطلاً , والباطل يجعلوه حقاً , وجعل أرازل الناس في مقام الصفوة , وأخيارهم في مقام  السوء .

وفي ديننا الاسلامي الحنيف اختصر الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته بكلمات قليلة , منطلقاً من أن الأخلاق هي أساس البعثة وأساس الاسلام بقوله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وذروة الأخلاق في الاسلام هي الحكمة , عندما وصف الله تعالى رسوله الكريم بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم ) والخير العظيم للناس يكون في اكتساب الحكمة بقوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولي الألباب ) , والحكمة لن تجد لها طريقاًفي النفس مالم يكن هناك تأمل , ومحاسبة الضمير .

لنقف وقفة تأمل في واقعنا وواقع الثورة السورية , وعلينا أن نحاسب أنفسنا أولاً , وعند محاسبتها سنصل حتماً لحلول منطقية تساعدنا في السيطرة على القمة ,وطرد  المتعتدين والقتلة والظالمين منها ومحاسبتهم بعد ذلك على جرائمهم .

أولاً: الخطاب الاعلامي وهو أهم مرتكزات الثورة , إن نجح في تقديم الصورة الأخلاقية للثورة السورية , والصورة المستقبلية للدولة بعد نجاح الثورة , وأن الثورة ترتكز على أسس أخلاقية ثابتة وإرساء قواعدها في بناء الدولة الحديثة , والتي من أجلها قامت الثورة , لأن هذه الأسس لم تكن موجودة , في إقامة العدل بين الناس , والمساواة بين الجميع , وأنه لاتوجد امتيازات وراثية لفئة على حساب فئة أخرى . وأن الثورة ليست ضد طائفة معينة , وإنما هي ثورة لصالح الجميع , لبناء الانسان السوري في مجتمع يسوده العدل والمساواة , على مبدأ تكافؤ الفرص .

ثانياً : المجتمع الدولي , أثبتت شهور الثورة أن المجتمع الدولي العربي والاسلامي وغيرهما , ليس عندهم إلا الكلام , والذي يعبر عنه (لاتسمع منهم إلا همساً) وهذا يقودنا للتأمل في الوسائل الواجب اتباعها , حتى تحقق الثورة أهدافها , نجد أنه ليس أمامنا مناورات كثيرة في هذا المجال , وبالتالي علينا التفكير في إيجاد وسائل دعم تعتمد على تبادل مصالح فردية مع بعض الدول , والتي نأمل عندها الدعم المادي والعسكري واللوجستي للثورة السورية .

ثالثاً : في الأيام القلية الماضية , أعلن النظام عن وسيلته الوحيدة للبقاء في القمة , وهو التهديد علناً عبر رئيس العصابة وإعلامه هو أنه لابد من القضاء على الثورة , عن طريق اللجوء لكل وسائل القوة , وإبادة كل المناوئين له مهما بلغ عدد القتلى , وفظائع المجازر المرتكبة والتي سيرتكبها ضد المناوئين له , وله مؤيدون كثر داخل سورية وخارجها , كما عبر عنها أهل حلب اليوم , في الرقص والتهليل على المذابح التي ارتكبت في حمص وحماة اليوم ,وإعدام الأطفال والنساء في حي الزيتون في حمص .

رابعاً : وعندما ننظر مابداخلنا وبعد التجرد من العواطف ومحاكاة العقل , فالحكمة هنا تقول  علينا أن نسخر جميع إمكانيتنا الروحية والمادية في مواجهة عدونا وهو النظام ومن يسانده , واستخدام كل وسائل القوة ضد القوة التي يستخدمها العدو , فكلما زادت قوة الثورة وضرباتها ضد مفاصل العدو كلما زادت شعبيتها , وتعددت مواردها , يقابلها في الوقت ذاته ضعف العضو .

خامساً وأخيراً : فالمعركة هي معركة بقاء ولا يمكن التراجع أبداً مهما غلت التضحيات , فالتراجع هو الدمار الشامل والذي سيطول الملايين من الشعب السوري , أما الاصرار والتقدم سيعقبه النصر حتماً , وعندها ستكون التكاليف البشرية أقل بكثير مما  سيحصل عند التراجع , فقد اختاروا الحرب للنهاية , وعلى الثوار أن يجابهوا العدو بنفس الأسلوب , بقدراتهم الذاتية , وكل شخص من موقعه ومقدرته على الفعل , فالحكمة هنا تقول السن بالسن والعين بالعين والباديء أظلم , ونهاية الظالم يذهب هو وأهله , وهو نهاية الظالمين وقريباً بإذن الله تعالى .