فتاوى الحاخامات

رؤية موضوعية لجذور التطرف

في المجتمع الإسرائيلي

محمد سيد بركة

[email protected]

يشير الدكتور منصور عبد الوهاب في مقدمة كتابه فتاوى الحاخامات.. رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإسرائيلي الذي صدر مؤخرا في القاهرة  عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أن هذه الفتاوى تحتل مكانة في المجتمع اليهودي، وتمثل مرجعاً وعقيدة لهم وتشكل سلوكهم تجاه القضايا الكبرى، سواء كانت قضايا تشريعية تتعلق بالحياة اليومية لليهودي أو الإسرائيلي أو تتعلق بأمور العبادات.

وفتاوى الحاخامات هذه التي يقدمها  الدكتور منصور عبد الوهاب في هذا الكتاب رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإسرائيلي‏,‏ هذا التطرف الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من مكونات  العنصرية الإسرائيلية وكراهية العرب والمسلمين بل وكل من ليسوا يهودا أو من يسمونهم الأغيار .

رصد لفتاوى الحاخامات

الكتاب فيه مجهود ضخم يؤكده مؤلفه ومترجمه الدكتور منصور عبد الوهاب في المقدمة عندما يوضح أن صفحات الكتاب هي حصيلة خمس سنوات من العمل المتواصل من قبل قسم الترجمة العبرية بالمنظمة العربية لمناهضة التمييز التي ظهرت في يناير 2004 لمواجهة حملات الكراهية والتمييز ضد العرب في الإعلام الإسرائيلي قبل أن تغلق أبوابها في يناير 2009 لغياب التمويل وهو سبب لا يقنع المؤلف- الذي كان يشغل منصب رئيس قسم الترجمة العبرية بالمنظمة- مطلقا مؤكداً أن السبب الرئيس هو عدم وجود رغبة عربية حقيقية في الاعتماد علي المنهج العلمي في طرح وجهة النظر العربية.

 كما أشار  إلى الدور الذي قام به فريق عمل الكتاب بجمع حوالي 5000 مقال صحفي من الجرائد والمجلات الإسرائيلية وأيضا من على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى جمع 1000 مادة فيديو تدعم موضوع الكتاب.

وبين  أن أحداث 11 سبتمبر 2001 أطاحت الفرصة للإسرائيليين لربط التطرف والإرهاب بالعرب عامة والمسلمين خاصة، في ظل الدور الإعلامي العربي الضعيف الذي لم يرق لمستوى الدفاع الجدي وطرح وجهات النظر والوقوف أمام الدولة الإسرائيلية التي تعمل على إقناع الغرب بأنها على حق دائما وأنها تسعى من أجل التوصل إلى سبل السلام والتعاون المشترك.

وأشار الدكتور منصور عبد الوهاب  إلى أنه انطلاقا من تلك النقطة، جاءت فكرة إصدار كتاب علمي لا يستند على أدلة دينية أو تاريخية عربية وإسلامية، وإنما على المصادر الإسرائيلية نفسها التي تستعين بها إسرائيل في بث أفكارها ونقلها للغرب، وبذلك يشكل الكتاب لبنة بداية للتعرف على الفكر الصهيوني والقيام بدور الهجوم والمبادرة تجاه إسرائيل بدلاً من موقف الدفاع المستمر، وتوضيح الفكر الصهيوني للغرب.

وأكد أن رجال الدين اليهود لهم مكانة كبيرة في الدولة الإسرائيلية، كما أن فتاواهم هي المؤثر الأساس في تكوين عقلية الأفراد داخل وخارج المجتمع الإسرائيلي، وتحكم طرق تفكيرهم وتصرفاتهم تجاه الأغيار الذين هم من غير اليهود الإسرائيليين.وأضاف أن الكتاب يعد مادة خام تبنى عليها أعمال قادمة، منوها إلى أنه يرصد فتاوى الحاخامات -وهي واضحة تماماً لا تحتاج إلى الشرح الكثير- بالإضافة لتوضيح بعض المصطلحات العبرية داخل المجتمع الإسرائيلي.

فتاوى عنصرية وتحريضية

يدور الفصل الأول من الكتاب حول بيان أهمية فتاوى الحاخامات في المجتمع اليهودي حيث بين أنها تحتل مكانة رئيسة ضمن مكونات آليات التحكم والسيطرة في المجتمع الإسرائيلي وفي بعض الأحيان تكون هي المحرك الرئيس لموقف المجتمع تجاه بعض القضايا وليس بالضرورة أن تكون هذه القضايا قضايا تشريعية تتعلق بأمر من أمور العبادات أو الأحوال الشخصية مثل تلك الفتاوى التي تتعلق بالميراث أو الزواج أو الطلاق مثلا .

أكد المؤلف أن  فتاوى الحاخامات اليهود في إسرائيل تتناول علاقة اليهود بكل من حولهم من أفراد سواء يهود من داخل مجتمعهم أو عرب ومسلمين أو جنسيات غربية مختلفة، إضافة إلى تعامل اليهود مع عمليات السرقة والقتل، مضيفا أن هذا النسق مهم جدا في توجيه السلوك داخل المجتمع الإسرائيلي، وتلك البنية المتطرفة في المجتمع والمتأصلة لدى هؤلاء الأفراد.

وشدد على أن تلك النزعة ليست فقط لدى اليهود في إسرائيل وحدها، ولكنها لدى جميع الكيانات الاستيطانية على مستوى العالم، ويشكل كل ذلك عقلية التمييز لدى يهود إسرائيل ونظرتهم إلى من حولهم.

وأضاف أن الأفكار العلمانية التي صاحبت المجتمع الإسرائيلي منذ نشأته صادفت في طريقها من يساندها ويدعمها، وأيضا من يقف في طريق ديمومتها، إلا أنه مع تحقيق وعد بلفور وتوافد اليهود لفلسطين من كافة بقاع العالم وعملية الاستيطان والهروب من الإبادة النازية لليهود، نالت تلك الحركة التأييد من الجميع وتكاتفوا لمساندة الصهيونية

بينما يتناول الفصل الثاني الفتاوى الخاصة بالمرأة اليهودية بفتاوى المرأة التي يتم التعامل معها في الديانة اليهودية في العصر الحديث كما كان يتم التعامل مع العبيد في أمريكا في القرن التاسع عشر حسبما يؤكد الدكتور منصور مستندا إلي فتاوى الحاخامات ومنها تلك المنسوبة للحاخام «يوفال شارلو» وفيها يؤكد علي كون المرأة اليهودية ممنوعة من الشهادة في القضاء مبررا ذلك بالفصل بين مفاهيم القضاء والمفاهيم النسائية!، وعليه فربما تكون مفاجأة لكثيرين بأن المرأة لا تشهد وأن ما تقوله يتم اعتباره «رأيا» فقط لا غير، بل ربما يبدو مدهشا أكثر أن تتطابق بعض فتاوى حاخامات إسرائيل مع بعض الآراء المتشددة في مصر والعالم العربي فيما يتعلق بتحريم سماع صوت المرأة حتى عبر الراديو أو شريط كاسيت! فيما يذهب حاخام آخر إلي تحريم تحرك الأم داخل منزلها دون غطاء للرأس أمام أبنائها استنادا لتعاليم القبالا- التي هي أشبه بالصوفية اليهودية.

كما يرصد المؤلف في فصل آخر الفتاوى اليهودية الخاصة بالإسلام والمسيحية، ويذهب المؤلف عبر ترجمة نصية لفتاوى الحاخامات أنها تؤكد أن الصراع بين العرب وإسرائيل هو صراع ديني بحت وليس سياسيا، وكيف لا يكون هذا فعلا ونص إحدى فتاوى الحاخامات يقول أنه ليس هناك للمسجد الإسلامي قداسة- لاحظ الفارق مع ما يحدث مع المعابد اليهودية في العالم الإسلامي -،بل يعتبر المسجد مكانا منحرفا وذلك لأن الإسلام يوصف بأنه ديانة مستحدثة علي حد قول الحاخام موشيه بن ميمون، الذي له فتوى أخري يذهب فيها لاعتبار المسيحية ديانة وثنية، وهو أمر يؤكده حاخام آخر يدعي عوزئيل إلياهو ويحرم فيه علي اليهود حضور حفل زواج في الكنيسة محرما الأكل والشرب هناك بل والتأثر بجمال المكان هناك!

التطرف والهوس باليهودية والتعامل مع الآخرين كأغيار- أي كل الشعوب غير اليهودية- يصل حدوده القصوي في فتاوى من عينة عدم مساعدة اليهودية لأي امرأة من ديانة أخري أثناء الولادة، فيما أوصي حاخام آخر اليهود بتدمير أماكن عبادة الأغيار- المسلمون والمسيحيين وغيرهم- وذلك من أجل أن يبقي العالم قائما!، فيما تصل إلي إسرائيل لخبطة الدين بالعلم عندما يصدر حاخاما فتوى محددة عام 2004 يؤكد فيها أن سبب الإصابة بالسرطان هو تحول بعض اليهود إلي العلمانية!

أما الفتاوى التي تم تشريعها ضد الأغيار فقد خصص لها المؤلف فصل ، وعن الفتاوى التحريضية ، وهي الفتاوى التي تحرض اليهودي على غيره تدور أحداث فصل آخر، كما تناول الكتاب فصلا خاصا عن الفتاوى المتعلقة بالتعامل مع الأخر العربي والفلسطيني.

كما تناول المؤلف الفتاوى المتعلقة بتطبيق الشريعة اليهودية، وفتاوى التعامل مع الإسرائيلي وفقاً لطبقته الاجتماعية، وكذلك فتاوى اليهودي خارج الوطن، خاصة في أوروبا وأمريكا، وأيضا اليهود الذين ما زالوا يعيشون داخل بعض البلاد العربية.

وينشر المؤلف في كتابة نص رسالة وجهها تلاميذ المدارس الحكومية الدينية الإسرائيلية من الصف السابع إلى  العاشر أو ما يقابل المرحلة الإعدادية عندنا للجنود الإسرائيليين الاحتياط عند اقتحامهم لطولكرم في إطار أحداث انتفاضة الأقصى التي بدأت في العام‏2000‏ بسبب اقتحام ارئيل شارون لساحة المسجد الأقصى فماذا قال هؤلاء التلاميذ في رسالتهم لجنودهم؟ قالوا ما نصه :

 عزيزي الجندي تجاوز كل القوانين واقتل اكبر عدد من العرب فالعربي الطيب هو العربي الميت‏,‏ فليحترق كل الفلسطينيين ـ كما الرب ذكرهم ـ في جهنم‏ هكذا يغرسون كراهية العرب في نفوس أطفالهم منذ مراحل التعليم الأولي وهو ما يشكل إعدادا متكاملا للشخصية الإسرائيلية التي تتعامل فيما بعد مع الفلسطينيين عند المعابر أو الحواجز أو عند الاقتحامات والمداهمات المتكررة للقرى والحقول والبيوت الفلسطينية ولعل في هذه التنشئة العنصرية المتطرفة ما يفسر قتل الطفل محمد الدرة بدم بارد أو بتأكيد ضابط إسرائيل قتله للطفلة الفلسطينية إيمان الهمص بخمس عشرة طلقة دون أن يهتز له جفن‏ ويشرح الكاتب الصحفي الإسرائيلي يوسي جوربيتس كيف تفرق الديانة اليهودية في جوهرها بين اليهود وغير اليهود أو الأغيار ويفخر بذلك قائلا إن اليهودي يوجه شكره وثناءه علي الله صباح كل يوم في دعائه الحمد لله الذي لم يخلقني من الأغيار‏.‏

 إن التاريخ اليهودي ـ يقول الدكتور منصور عبد الوهاب ـ يذخر بزخم من عمليات القتل الوحشي الذي يمارسه الجنود الإسرائيليون ضد العرب عامة وضد الفلسطينيين خاصة وقد فسر الحاخام شموئيل بن إلياهو وكذلك أيضا أفتي الحاخام أشير بن يحيئيل باعتداءات المستوطنين علي الفلسطينيين والاستيلاء علي أملاكهم في ظل حماية القوات الإسرائيلية ودعمها للمعتدي حيث صار استخدام القوة من قبل الأفراد هو القانون الحاكم في العلاقة مع العرب سواء عرب الداخل أو عرب الضفة الغربية وقطاع غزة‏,‏ وإذا كانت مصادر الفكر اليهودي في عصور السلف تتمثل في نص العهد القديم باعتباره الكتاب الأساس للديانة اليهودية بالإضافة لمصادر أخري تتمثل في نصوص المشناو والجمارا والتلمود فهناك مصدر أساس وإضافي  أيضا يضيفه الدكتور منصور عبد الوهاب ويري أنه المحرك لجموع المتطرفين من الجماعات اليهودية هو فتاوى الحاخامات التي تتمتع بقوة تأثير داخل المجتمع الإسرائيلي تفوق قوة قوانين الدولة وهو الأمر الذي يؤثر بشكل كبير علي أي فرص للسلام في المنطقة‏

والكتاب  لا يعيد تكرار ما سبق قوله، وإنما يدخل في العميق إلي جذور قضية أخري لم يسبق لأي كتاب آخر التعامل معها بتوسع باستثناء الموسوعة العمدة اليهود واليهودية والصهيونية للعلامة الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، وهو ذلك الجزء الخاص بالفتاوى التي تصدر عن الهيئات الحاخامية أو الحاخامات أنفسهم داخل إسرائيل، فيما يتعلق برؤيتهم للعرب عامة، وفيما يتعلق بشئونهم الداخلية الخاصة، وهو أمر يجعل الكتاب طاقة تعري المجتمع الإسرائيلي وتؤكد تطرفه عبر منطلق ديني في كيان عنصري قائم علي فكرة دينية بالأساس.

الكتاب : فتاوى الحاخامات.. رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإسرائيلي

المؤلف: الدكتور منصور عبد الوهاب

الطبعة : الأولى -2010 م

عدد الصفحات : 376 صفحة من القطع الكبير

الناشر: الهيئة المصرية  العامة للكتاب- القاهرة –مصر