سورية والجامعة العربية

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

الجامعة العربية تعمدت منذ البدء أن تطيل أعماله وتتأخر في إجراءاتها لتمنح النظام فرصة لترتيب الأوضاع، ولكن ما هي ترتيب الأوضاع ...؟

ترتيب الأوضاع تعني هي تخفيف حدة الغضب الشعبي بوسائل عديدة، من أهمها، أن تشعر السلطة الجمهور باحترام رغباتها، واستيعاب تذمرها، والشروع ببعض مما يحتاجه المجتمع بشكل آني وسريع، وطمأنتهم على ما يقلقون منه وبسببه.

ولكن ما حدث في سورية هو العكس، ففي غضون أحد عشر شهراً لم يغير النظام من موسيقاه الافتتاحية، ولا أغنيته التي لم تعد مقبولة أو مقنعة(سلفيون، قاعدة، مؤامرة أجنبية، أزمة)، ليس على أسماع الشعب السوري، بل حتى على من يرى مصلحة له في استمرار النظام. فسمع في غضون هذه المدة الكثير من النصائح، من وفود كثيرة جاءت إلى دمشق وقالت ما يرضي النظام وما لا يرضيه، ولكن الجميع سمع إجابة واحدة: الأزمة صارت ورائنا، الإصلاحات قادمة.  ولم يجد الجميع عند النظام  آذان صاغية، فهو يعتقد أن بمقدوره المناورة إلى ما لا نهاية، وأنه ما يزال في أجواء الثمانينات، فيحمل السلم بالعرض ليكتسح الجميع بالمدرعات والشبيحة والقناصة ويقتل على هواه.

الجامعة العربية كانت تميل للنظام أكثر منها للمعارضة، لذلك صمتت شهوراً طويلة، وأغمضت عيوناً شهوراً، وعطلت حواسها حتى بلغ الأمر درجة لم يعد فيها الصمت ممكناً، وحتى بعثة المراقبين وتقريرهم جاء لمصلحة النظام. وللجميع هاجس أوحد، والكل يخشى الانهيار الكبير، والحرص على سورية الوطن والجيش، الاستقلال والوحدة الوطنية، بما في ذلك المعارضة التي يسيل الدماء منها، بما في ذلك الشعب الذي قدم ألاف الضحايا، تتجه أنظار  إلى هدف كبير لا يريدون له أن يسقط ليبذلوا سنيناً في إعادة بناؤه ولحمته، يسيطر على الجميع الرهبة في حضور الوطن، بما في ذلك أهالي الشهداء، إلا النظام فلا ينظر إلى أن: أستمر أنا بالحكم أنا وأولاد خالتي أو الطوفان، هكذا مواصلة الحكم بطغيانيه وجبروت ما بعده جبروت، وبظلم ما بعده ظلم، وبعدم شعور مدهش بمسؤولية أو بالمواطنية .

النظام لم يترك وسيلة لا توصف بالنظافة إلا ومارسها، التصفيات والموت تحت سياط التعذيب، وسجن واعتقال عشرات الآلاف وقتل الآلاف من الشباب والنساء والأطفال، فعل كل شيئ ولم يدخر وسيلة، وهو المتيقن أنه لم يعد مقبولاً وطنياً وعربياً ودولياً، نظام تفوح منه رائحة الفساد ودماء مواطنيه، نظام يتحالف مع قوى أجنبية ضد أبناء بلده.

بعبارة واحدة، هذا النظام حرق سفنه وأوراقه

اليوم أحيل الملف لمجلس الأمن وإن فعل أصحاب الشأن ذلك، فمرغمين لا مخيرين، مكرهين لا مخيرين. وأغلب الظن  النظام سيتذرع ويتمترس بأوهام جديدة، بالدعم الروسي والصيني، بمعجزة اللحظة الأخيرة، بخرافة من خبراء الخرافات الإيرانية، بدعم شبيحوي أكثر من حليفه نصر الله، بملايين تأتيه من النظام الطائفي في العراق، شيئ واحد لا يفعله النظام هو النظر إلى الأمام، ورؤية تقاطع الطرق، لا يريد أن يدرك أن من تخلى عنه من قوى عظمى كانت تريد له البقاء، ولكنه لم يعرف طريقة العمل والسلوك، فأساء لنفسه ولهم.

حتى الصهاينة لا يودون رحيل النظام الذي جربوه في ممانعة مخملية جميلة، تنفع أكثر مما تضر، ولكن مالعمل وهو يرون أن سفنه قد تعددت الثقوب فيها وهي آيلة للغرق الحتمي.

أغلب الظن أن النظام وأقول النظام مجازاً، لأنه لم يعد نظاماً، أقول وأتمنى أن أكون مخطئاً، أنه سوف لن يقدر المرحلة الحالية والتي ستليها حق قدرها، سيعاند الحتمية التاريخية، سيعاند القراءة العلمية الصحيحة للموقف، وسوف لن يهمه مصير سورية.

لم يفت الوقت بعد على إنقاذ سورية، أما سفينة النظام فأحسب أنها غرقت منذ وقت طويل.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المقال جزء من مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية العربية بتاريخ 23/ يناير / 2012