يا ثوارنا الأبطال احذروا الغرور

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

روى لنا أستاذ مادة التاريخ في المدرسة الثانوية , حادثة جرت في ألمانيا زمن النازية , أن أحد الكتاب الألمان نشر كتاباً , يذكر فيه أسماء الضباط الألمان ومواقعهم ومراكزهم وأعمالهم , واتهم على أثرها بالخيانة , ونفى التهمة عنه عندما قال , إن هذه المعلومات التي وضعتها في الكتاب , كانت مأخوذة من وسائل الاعلام الألمانية , السمعية والمقروءة .

وعندما كانت الحرب العراقية الايرانية قائمة في الثمانينات من القرن الماضي , كنت كلما أشاهد التلفزيون العراقي , أتذكر تلك الحادثة , وفكرت وقتها في كتابة المعلومات وتصنيفها عن أسماء الضباط ومواقعهم , ولكنني عدلت عن الفكرة , لمعرفتي بطبيعة فتك المخابرات العراقية بالناس , قبل أن يسألوا من يقع في أيديهم عن الحقيقة .

كنا صغاراً ولكن كنا نحفظ مقولة جمال عبد الناصر (اسرائيل شربة مية , رح نرميها بالبحر ) , ثم غير كلامه المغرور بعد هزيمة ال67 , صدام حسين خرج من الحرب منتصراً على إيران , وغروره هذا جعله يرتكب حماقة , باحتلاله الكويت , وانقلب جميع أصدقائه من العرب إلى أعداء , وكانت بداية النهاية , ليس له وحده , وإنما انهيار العراق بالكامل , ولم يستفد من أخطائه السابقة , فكان يجتمع بقيادات جميع الوحدات العسكرية وكل قطعة على  حدة , ليظهر لأعدائه معلومات عسكرية , ليس من السهل على أي جاسوس جمعها مهما بلغ من براعة , وبالتالي أصبحت كل قطعة عسكرية , معروف لدى الأعداء من يديرها م ماسهل الوصول للكثيرين منهم , قبل الحرب , وايقاعهم في المصيدة , وهكذا سقطت بغداد بدخول ثلاثة دبابات أمريكية للقصر الجمهوري , مع أنها كانت تحوي ملايين المقاتلين .

إخواني الثوار في سورية الحبيبة , إن ماتقدم أعلاه هو مقدمة  لأخطاء قاتلة ومدمرة ارتكبت من قبل زعماء تاريخيين , وثورتنا الوليدة إذا لم تستفد من أخطاء الآخرين , ومن أخطائها , فسيكون الثمن باهظاً جداً .

لنعد قبل شهورٍقليلة ولننظر بعمق لتجربة مريرة وقاسية , تجربة أبطال الرستن من الضباط والجنود الأحرار في كتيبة خالد بن الوليد , عندما خرج هؤلاء الأبطال علناً في المظاهرات , والمشاركة في التجمعات السلمية , ومن ثم خطابات التحدي كما شاهدناها كلنا , ومن أهم المعلومات العسكرية والتي يسعى لها كل طرف يحارب طرفاً آخر أو عند الاستعداد للحرب , هي معرفة عدد القوات المعادية وأسلحتها , ومراكز القيادة , والقادة الميدانيين , وكل هذه عند ثوارنا إن لم تكن مكشوفة فهم يكشفونها للعدو , وكانت النتيجة المأساوية في أن الثورة خسرت خيرة أبنائها في الرستن , ثم تلا ذلك في جبل الزاوية , من ظهور إعلامي لأبطالنا الأحرار , ومقابلة الصحفيين الأجانب , وجرهم بعدها لمعركة غير متكافئة , مما أدى لخسارة كبيرة لايمكن تعويضها للثورة السورية .

وتتكرر الأخطاء مرة أخرى في ريف دمشق , مع أبنائنا أبطال الزبداني , بعد انسحاب عصابات الاجرام منها , والكل يعلم أن هذا الانسحاب إن هو إلا انسحاب تكتيكي , لمعرفة المزيد عن مكامن القوة عند عدوهم .

كان من المفروض أن لايخرج المقاتلون في هذه المسيرات والاحتفالات بتحرير الزبداني , فلم يحن الوقت بعد لهذا الظهور العلني , والظهور أمام الناس أجمع يستعرضون قوتهم , إن اكثر مايخيف العدو هو القوات المخفية , والتي لايمكن الوصول إليها بسهولة .

إياكم إخواني الأبطال والتهاون , وابتعدوا عن الغرور , فأنتم الأمل لنا بعد الله تعالى , لاتظهروا أنفسكم , ولا تغتروا كثيراً بعملكم , حتى يتم النصر على أيديكم وأيدي الجميع , جميع الأحرار في الوطن العزيز , وبعدها نحتفل بكم وبوطننا الغالي بعد التحرير , أرجوكم هي وصيتنا لكم , فليس لنا بعد الله إلا أنتم ياثوارنا الأبطال الأحرار .