صور ناطقة للتحوت والروابض 69+70

أحمد الجدع

[69]

-------------------------------

أريد أن أقدم بين يدي هذه الصورة حادثة حدثت قبل ألف عام :

كان الشريف المرتضى شاعراً وأديباً ، وله منتدىً أدبيٌّ يجمع فيه الأدباء ومحبو الأدب ، وكان المرتضى كارهاً للمتنبي ، حافظاً لشعره ...

وكان أبو العلاء المعري الشاعر المشهور محباً للمتنبي ، متعصباً في حبه ، وكان حافظاً لشعره ، وكان ممن يحضر منتدى الشريف المرتضى ، وكان الشريف مكرماً له ، شديد الاحتفال به .

وفي جلسة من جلسات المنتدى أكثر الشريف من العيب على المتنبي وشعره ، فقال أبو العلاء : لو لم يكن للمتنبي غير قصيدته : لك يا منازل في القلوب منازل ... لكفاه ، فغضب الشريف وأمر أن يُسحب المعري من رجليه وأن يرمى خارج المنتدى .

وعجب الناس لذلك ... فقال لهم المرتضى : أعلمتم ماذا كان يقصد هذا الأعمى (المعري) بقوله هذا ؟ لقد كان يقصد بيتاً من هذه القصيدة ، يقول فيه المتنبي :

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

 

فهي الشهادة لي بأني كامل

هنا تنتهي الحادثة .

نشهد في هذه الأيام حملة مسعورة على الإسلام تقودها عشرات الفضائيات ومئات الصحف ، والمناسبة هي فوز الإسلاميين في انتخابات مصر ، وهم يخفون حقدهم على الإسلام تارة بالهجوم على الإسلاميين ، وفي تارات أخرى تنطق ألسنتهم بما تخفي صدورهم من حقد دفين على الإسلام ذاته ، يزعمون أنهم يحافظون على إنجازات مصر ، لست أدري ماذا أنجزت مصر في عهود الحكم العسكري الذي فتك بالعباد والبلاد ، هل كان الاستسلام الكامل لإسرائيل وأمريكا إنجازاً ؟ لقد كانت مصر تُحكم من تل أبيب ، وهذه أكبر إنجازات الليبراليين والعلمانيين المتحالفين مع العسكريين الذين يحمون هذا الإنجاز الذليل ، هل كان بيع ثروات مصر رخيصة لأعداء مصر ؟ وشعب مصر محروم من أبسط حقوقه في ثروات مصر .

إذا أردنا أن نردد هل وهل فإننا لا ننتهي .

تحوت هذا العصر وروابضهم يعتبرون خراب مصر من إنجازاتهم ، ويعتبرون أيضاً إذلال المصريين من إنجازاتهم ، وهم يتهمون المصريين بالجهل والغباء عندما لا ينتخبهم هذا الشعب العظيم .

هم يحسبون أن المصريين أغبياء وجهلة ، والمصريون من أذكى شعوب العالم ، ومن أكبر الأدلة على ذكاء المصريين أنهم نبذوهم في الانتخابات وانحازوا لإسلامهم ، وهذا الإسلام العظيم الذي يدين به شعب مصر العظيم ، عظيمان اجتمعا ، وما النصر إلا من عند الله .

ونقول مثلما قال أبو العلاء للشريف المرتضى : لك يا منازل في القلوب منازل ...

حسبنا الله .

==========

 [70]

-------------------------------

في عام 2006م أو نحوها زرت القاهرة مع ولدي أنس ، ومما زرناه فيها متحف القاهرة القومي الذي يحوي فيما يحويه مومياء الفراعنة التي وجدت محنطة سليمة بعد مرور أكثر من ثلاثة آلاف عام على تحنيطها !!

متحف القاهرة يعج بالآثار المصرية القديمة ، دفع كل واحد منا جنيهين مصريين لدخول المتحف لمشاهدة هذه الآثار ، وهي كثيرة جداً ، تحتاج إلى ساعات لمشاهدتها .

كان ولدي يحثني لنشاهد مومياوات الفراعنة ، وعندما اهتدينا إلى مكانها وهممنا أن نصعد الدرج ، جاءنا رجل وطلب منا أن نراجع شباك التذاكر لندفع رسوم الدخول ، فبينت له أننا دفعنا الرسوم عند دخولنا المتحف ، فأفهمنا أن مشاهدة المتحف كله له رسوم موحدة وهي جنيهان ، أما مشاهدة المومياء فلها رسوم خاصة مقدارها عشرة جنيهات ، بمعنى أن رسوم مشاهدة المومياء لها رسوم تبلغ خمسة أضعاف رسوم مشاهدة المتحف كله !

وصلنا إلى شباك التذاكر ودفعنا عشرين جنيهاً .

قال ولدي معلقاً : لقد مرّ على موت الفراعنة ثلاثة آلاف عام ولا زالوا يتقاضون الضرائب !

وكان من بين هذه المومياوات فرعون موسى الذي قال له رب العالمين بعد أن أغرقه : (فاليوم ننجيك ببدنك ...) .

ها هو فرعون مستلقياً ، لا حول له ولا طول ، جثة محنطة لا تنطق ... فقط هي آية لمن يرى هذا الذي ادّعى أنه إله يفعل ما يشاء !

يقف الناس أمام جثته ولا يعجبون إلا من براعة التحنيط ... هكذا رأيتهم ، أناس غافلون عن الآية التي أرادها الله في نجاة فرعون موسى وإبقاء جثته ماثلة هذه الآلاف من السنين ، والله يقول : (وإن كثيراً من الناس لغافلون) !

واليوم تعرض صورة حسني مبارك وهو مستلق على سرير في شاشات التلفزة ، يراها الناس كلهم في مصر وفي غير مصر ، بل لا أظن أن بلداً واحداً من بلدان العالم لم ير الفرعون الجديد ملقى كالمومياء خلف قضبان الحديد .

وقد سمعت إحدى فضائيات العرب بعد سقوط مبارك تتلو هذه الآية التي نزلت في فرعون موسى : (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون) سورة يس آية 92 .

قولوا لنا : هل اعتبر "بن علي" هل اعتبر "القذافي" ، وهل يعتبر سائر الفراعنة أم هم عن آيات ربهم غافلون .

حسبنا الله .