كلا!! لم يختطف الإسلاميون الربيع العربي!!

حسام مقلد *

[email protected]

حاول الكاتب البريطاني جون برادلي في كتابه:(كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط؟) رسم صورة كئيبة لثورات العالم العربي، ورغم رصانة الكاتب إلا أن هذه الصورة التي رسمها تعوزها الدقة في كثير من الملامح؛ فالإسلاميون في الحقيقة ليسوا هم من اختطف الثورات العربية، بل يحاول العسكر والعلمانيون وفلول وأنصار الأنظمة السابقة سرقتها واختطافها (عيني عينك) تساعدهم في ذلك قوى إقليمية وعالمية كثيرة من مصلحتها إفشال هذه الثورات، أو على الأقل تحويل مسارها وتفريغها من مضمونها.

لقد أحدث اندلاع الثورة الشعبية في تونس ومصر، ونجاح الجماهير في الإطاحة بنظاميهما القمعيين بهذه السرعة صدمة كبيرة، ومفاجأة مذهلة للساسة والخبراء وكافة المحللين، وعلى الفور جرى البحث في كيفية لجم هذه الثورات وإيقاف مدها؛ كي لا تكون تدشينًا لعهد جديد من الحرية والعدالة والديمقراطية، ويتم الآن تشويه الربيع العربي عمدا باستخدام ماكينة عملاقة من الصحف وأجهزة الإعلام والكتاب والصحفيين وأجهزة المخابرات ومراكز الأبحاث.

واعتمادا على خبرة هذا الجيش الجرار المباشرة بالأحداث، وبثقافات المنطقة العربية، وعادات شعوبها، وطبائع مجتمعاتها، يجرى بلبلة الجماهير، وتشتيت الرؤى، وإيقاع الفرقة وشق الصفوف، وزرع الخوف، وبث الرعب والهلع في النفوس، وفي هذا السياق يتم تخويف الناس من الإسلاميين والزعم بأنهم قادمون لاكتساح كل شيء، وأنهم  سيشكلون أنظمة سلطوية فاشية باطشة، ستجثم على صدورهم وتقمع حرياتهم باسم الدين!!

والذي بدا مفاجئا أكثر، وأزعج الغرب وامتداداته العلمانية في عالمنا العربي أنه رغم التشويه الممنهج ضد الإسلاميين في الصحف والفضائيات التي يسيطر عليها الليبراليون، ورغم سياسة تجفيف المنابع، ورغم ترسانة الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والندوات والمؤتمرات، وسيل الكتب والمقالات والدعايات المضللة التي تهاجم الإسلاميين بشدة وتصمهم بالتطرف والإرهاب والتخلف والرجعية، رغم كل ذلك إلا أن الجماهير العريضة اختارت الإسلاميين في أول انتخابات حرة نزيهة!

وفي الحقيقة لم يكن نجاح الإسلاميين في الانتخابات راجعا وحسب لما يتمتعون به من تنظيم قوي متماسك، وقدرتهم الفائقة على التواصل مع القواعد الشعبية، إضافة إلى إخلاصهم ونزاهتهم ونظافة أيديهم، وحرصهم على مصالح أوطانهم وشعوبهم، ووضوح أهدافهم ورؤيتهم المستقبلية، ومعرفتهم بالأساليب والوسائل التي يتم بها تحقيق تلك الأهداف، ولكن جور وفساد معظم أنظمة الحكم العربية واستبدادها وفساد واستعلاء جوقتها من الليبراليين والعلمانيين كل ذلك كان من أبرز أسباب صعود الإسلاميين.

لقد مارس الدكتاتوريون العرب كل أشكال الظلم والقمع والاستبداد والقهر ضد شعوبهم وضد الإسلاميين منهم على وجه الخصوص، وكان مصيرهم الإبعاد والنفي والطرد والتشريد والتضييق والفصل التعسفي أو السجن والاعتقال، إضافة إلى إنكار وجودهم ووجود أحزابهم، وعدم الاعتراف بهم ومحاربة مؤسساتهم الخيرية وأعمالهم ومصانعهم، وتزوير الانتخابات ضدهم والمحاولات الدائبة لاجتثاث امتدادهم الشعبي المتجذر، كل ذلك جعل الجماهير العربية تتعاطف معهم باعتبارهم الضحية المغلوبة على أمرها، ورسخ في العقل الجمعي العربي أن الإسلاميين أفضل من غيرهم وأقلهم فسادا وأشدهم حرصا على تحقيق مصالح البلاد والعباد؛ لأنهم أكثر تواضعا وخشية لله تعالى وأقل غرورا وتكبرا؛ ولذلك فقد ناصرت هذه الجماهير التيار الإسلامي على اختلاف تنويعاته واختارته وتشبثت به لأنه بالنسبة إليها المنقذ والبديل لمواجهة بطش الحكام وجبروت أنظمتهم القمعية الدموية وفسادهم ونهبهم المتواصل للمال العام.

وربما كان صحيحا أن الإسلاميين لم يفجروا الثورات العربية في البداية، لكنهم سارعوا بالانضمام إليها خاصة الإخوان المسلمين الذين انضموا لركب الثورة المصرية مبكرا وبذلوا دماءهم وأرواحهم في سبيل حمايتها والدفاع عنها، وقد شهد بذلك الجميع، وبالتالي فهم شركاء في صنع الثورة وليسوا مختطفين لها!!

                

 * كاتب إسلامي مصري