مؤتمر أدباء الأقاليم

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

انتهي بالأمس القريب مؤتمر أدباء مصر الذي كان يسمى فيما مضى بمؤتمر أدباء الأقاليم ، ثم تغيرت التسمية لسببين ، أولهما :إتاحة الفرصة لأدباء الحظيرة أن يشاركوا في هذا المؤتمر ، ويهيمنوا على أعماله ومقدراته أو بالأحرى ميزانيته ، والآخر أن يتخلصوا من تسمية يرونها عنصرية تمييزية ، تفرق بين أديب العاصمة وأديب الأرياف ، وكأن التسمية الجديدة سوف تلغي هذه العنصرية التمييزية !

وبوصفي واحدا  من الأدباء الذين يعيشون في الأرياف ؛ فإني لا أرى سببا وجيها لإقامة هذا المؤتمر والإنفاق عليه من أموال وزارة الثقافة أو من أموال المحافظة التي تستضيفه ، فكل قرش يتم إنفاقه على هذا المؤتمر وأمثاله ؛ هو إسراف لا ضرورة له ، بل هو عدوان على حقوق الشعب البائس الفقير ؛ الذي يمد يده للاقتراض من الغرب والشرق بفوائد باهظة  تتحملها الأجيال القادمة دون ذنب جنته أو إثم اقترفته .

مؤتمرات أدباء الأقاليم منذ عقدت في الستينيات كانت تجمعا في الأغلب الأعم لأدباء شيوعيين ومرتزقة يلتقون تحت مظلة رسمية ، يخططون من خلالها في جلساتهم الخاصة للهيمنة على المفاصل الثقافية والإعلامية والصحفية ، والتشاور حول مواجهة من يعترض طريقهم في نشر دعاواهم الشيوعية التي كانت تسمى بالاشتراكية أو التقدمية أو التنويرية ،وكانت هذه المؤتمرات ولما تزل تتمخض في معظمها عن الترويج للشباب الماركسي ، حتى لو كانت موهبته الأدبية محدودة ، مع إصدار بيانات تروج للفكر الشيوعي بلغة زئبقية فضفاضة يمكن تأويلها على أكثر من وجه .

ولا يستطيع منصف أن يقول إن مؤتمرات أدباء الأقاليم قد تمخضت عن ظهور أدباء حقيقيين كانت لهم بصمة حقيقية في الأدب العربي المعاصر ، فالموهوبون الحقيقيون لم تصنعهم هذه المؤتمرات ، ولا مؤسسات وزارة الثقافة ولا صحف النظام المستبد الفاشي ودورياته ..

إن الأبحاث والموضوعات التي يبحثها المؤتمر لا تؤثر في حركة المجتمع ولا تغير منه شيئا ، لأنها مجرد أبحاث يعاد إنتاجها ، وتتلى على  قلة قليلة ممن تجلس للاستماع داخل القاعات ، أما معظم المشاركين في المؤتمر فهم يفضلون عادة الجلوس على المقاهي خارج مقر انعقاد المؤتمر ، لأنهم ضيوف دائمون على هذه المؤتمرات ، جاءوا من أجل استنزاف ميزانية المؤتمر في الطعام والشراب أو المكافآت أو طبع الأبحاث في كتب لا تروج بين الناس ، أو مقابلة الصحاب واللهو هنا وهناك .. أو الظهور أمام عدسات التلفزيون، والوقوف بجوار هذا الوزير أو ذاك المحافظ أو ذلك المسئول !

ويمكن أن أحدثك عمن سيحضر المؤتمر القادم  ومن سيقدم فيه بحثا ميتا ، ومن سيلقي قصيدة باردة ، ومن سيناقش ليصفي حسابا مع غيره . إن الوجوه هي الوجوه ذاتها التي تحضر كل مؤتمر ، مع إضافة بعض المساكين من الأرياف الذين يتم اختيارهم بعد معارك ضارية يتم فيها اختيار الأعلى صوتا والأقوى قربا من موظفي الوزارة أو جهات الأمن.. لقد حضرت بعض هذه المؤتمرات ، ورأيت ما أقنعني أنها غير ذات جدوى ، اللهم إلا تلميع الموظفين المباشرين أو المسئولين الكبار ،وإثبات أن السلطة ترعي الفكر، وإن كانت في الواقع ترعي الحظيرة !

ماذا يعني أن تقيم مؤتمرا أدبيا يناقش قضايا سيناء ، وهو يعلم أن كلامه لن يصل لأذن مسئول ؟   .. إن سيناء تريد متخصصين في الجيولوجيا والزراعة والصناعة والتعدين والهندسة وخبراء المال والاقتصاد والتعليم والطرق والجسور والمياه   .. ثم يكون هناك قرار سياسي حقيقي نافذ ، وليس مجرد خطب بلهاء لا تفيد .

مؤتمر أدباء مصر ، أو مؤتمر أدباء الأقاليم تقليعة قديمة غير مفيدة، يجب أن تتوقف .. ولو كان الرافعي والعقاد والحكيم وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران واحمد محرم وغيرهم من كبار الأدباء أحياء في زمن المؤتمرات الحالية لما عرفهم الناس ولما اعترف بهم مثقفو الحظيرة التي تتولى أمر هذه المؤتمرات وتهيمن عليها .