عبد الرزاق روضان.. ونبش قبور الذكريات

عبد الرزاق روضان..

ونبش قبور الذكريات

نايف عبوش

[email protected]

لعل من قبيل التوافيق الإيقاعية، أن تردني خاطرة من المبدع عبد الرزاق روضان، وأنا مطرق راسي، مغمض عيني، أتأمل ي تخاطر غريب، مشهدا من حياتنا الدراسية، يوم كنا طلابا في المرحلة المتوسطة، في أوائل ستينا ت القرن الماضي.

ولا جرم أن لكل إنسان، قدر له أن يعيش، ويحيا حياته بقليل من السوائية، ذكرياته الخاصة به.وبغض النظر عن خزين ذكريات المتراكمة..فان طريقة استرجاع تلك الذكريات،هي النكتة التي تثير الانتباه، في تعاطي المرء مع ذكرياته،إذ يبقى هو الشخص الوحيد، القادر علي الدخول إلى مكنونات ذات صدره، والتنقيب في دهاليز مخياله، لتثوير تلك المكنونات واسترجاعها.

ولعلنا نجد البعض،عندما يسترسل في تصفح ملف ذكرياته المطوية في سجل مخياله، تطغى عليها مسحة الانشراح، والتفاؤل المفرط، بطريقة غالبا ما يلجا إليها، كلما ألمت به ظروف الحياة المريرة،بقسوة لاذعة، ليتخذ منها حاضنة صورية للانشراح والحبور، بعيدا عن واقعه المؤلم.في حين نجد أن البعض الآخر منا،وهو يسترجع ذكرياته، يحس بعاطفة جياشة، يشعر معها وكأنه لازال صبيا يطارد على عصاه، مع صبية الحي، مع انه قد بلغ من العمرعتيا، وطوحت بملامح محياه الأيام.

أما البعض الآخر، فتطغى على استرجاعه ذكرياته الغابرة، مسحة التشاؤم، وتتمظهر في تجاعيد وجهه، ملامح الوجوم، تعبيرا عن حياة مؤلمة، عاشها ببؤس، ومعاناة قاسية، ردحا من الزمن، مع كل ما ينعم به اليوم، من رخاء ويسر.

على انه يندر أن نجد من يتعاطى مع ذكرياته، بشيء من الصنعة والاحتراف الفني، عندما يتاح له فرصة استرجاعها،بالشكل الذي يمكنه من عرضها بأسلوب مؤثر، وجذاب، حتى وان كانت روايته لها، تجري بشيء من العاطفية المحضة، والتلقائية العفوية..لكي نراه ينجح في توظيف قدراته الإبداعية، ومهاراته الفنية، في طريقة عرضه تلك الذكريات،حتى تظهر في نتاجه، وكأنها قصيدة عاطفية، تأخذك في صورها الإبداعية المركبة، في رحلة متاهات الانزياحات العاطفية له، حيثما كان يعيش حقيقة تلك الذكريات.

هكذا إذن نجح مبدعنا المغمور، عبد الرزاق روضان، في توظيف مهارته الإبداعية، في تصوير مخزون ذكرياته، ومن ثم صياغتها بنثر أدبي، في غاية الحبك، والإتقان الفني، وذلك بالرغم من أن ظروف النشأة والتكوين الأولى له، تكاد تكون مناظرة تماما، لظروف نشأة أقرانه،الذين تعوزهم مثل هذه المهارة.

ويبقى خياله الغني، وعاطفته الجياشة، وقدرته الإبداعية، على التعاطي مع الحدث، وبراعته في  توظيف أدواته، في طريقة تعامله المتميزة، مع معاناته، ومكابداته السالفة، وتمكنه من القدرة على التجريد الذهني، لصور الذكريات في مخياله المركب،ونجاحه في إعادة إنتاج صورها الذهنية، بمنثور من الأدب الرفيع، كأنه يرسم لوحة فنية، مليئة بالرموز والمعاني،هي الآلية التي تشد المتلقي، إلى أن يشاطره الإحساس، بوحدة المعانة والذكريات، رغم  الفوارق الشخصية، في معايشتها.