الشبيحة يحاولون قتل سانتا كلوز

الشبيحة يحاولون قتل سانتا كلوز:

الاحتفال معطل بسبب المآتم..

والفرح مؤجل إلى يوم النصر !!

محمد خليفة

[email protected]

الليلة عيد الميلاد المفترضة للمسيح عليه سلام الله وصلاته  , وغدا هو عيد الميلاد , عيد الاعياد لكل المؤمنين برسالة المسيح , وكتابه المقدس , ورسالته , رسالة المحبة لأبناء الأسرة الإنسانية جميعا

 بهاته المناسبة السامية نتوجه أولا إلى أهلنا وإخواننا المسيحيين في سوريا بخاصة , وفي عموم بلاد الشرق , والعالم بعامة , بأصدق التهاني المباركة ,  والتمنيات أن يكون العيد مناسبة  للأمل وللفرح المشروع , وأن يعم الحب والتسامح والطمأنينة ربوع بلادنا المنكوبة , وأن يحل السلام على الأرض كل الارض . ونتوجه ثانيا إلى جميع المؤمنين بالله وبرسالات السماء , وهي كلها رسالات حب وسلام وخير , بالتحية مثلها .  ونقول إننا كنا نود أن نحتفل بالميلاد بفرح وسعادة وبهجة كعادتنا كل عام  , لكن كيف يمكننا أن نتجرأ على مجرد الابتسام , وآلاف المآتم تنتشر في طول بلادنا وعرضها , وشعبنا , أو معظمه , يتوزع بين  يتامى وثكالى وأرامل , وجرحى ومصابين , ومنكوبين بالمال , ومعتقلين ومفقودين وهاربين , ولاجئين ومشردين , ومن لم يكن من بين هؤلاء جميعا فهو على الاقل من بين شريحة الخائفين التي لا ينجو من وساوسها وهواجسها مواطن واحد , فالخوف هو الهواء الذي يستنشقه الجميع في سوريا الان  , ويزدرده الجميع . الخوف من الكوابيس والاحتمالات السوداء ,  وكذلك الخوف من المجهول القادم , والخوف من الاسوأ الذي يتربص بسوريا والسوريين .

كيف نستطيع أن نجبر قلوبنا على السرور , وعيوننا على الاشراق , وشفاهنا على الانفراج  ؟؟ كيف وسوريا  بلد المسيح والمسيحية السمحاء قدتحولت مقابر جماعية تفغر أشداقها  بشراهة لاستقبال الشهداء على مدار الليل والنهار , لدفن الأحباء , ومعظمهم أطفال وبراعم , أو شبان في عمر الورود والزهور ؟؟  كيف وهؤلاء الذين يدفنون هم أبناؤنا الذين وضعنا فيهم فلذات أكبادنا , ومهج قلوبنا , وأغلى ما نملك في هذه الدنيا ؟؟ كيف ونحن نعلم أنهم قتلوا  ظلما  وعدانا بلا ذنب.. وأجبروا على مغادرتنا  قسرا قبل أن يستكملوا أعمارهم التي وهبها الله لهم , وقبل أن يجسدوا أحلامهم وأحلامنا المجسدة بهم ؟؟  

لا فرح , لا سعادة , لا سرور , لا سلام , لا طمأنينة الان في بلد المسيحية الاولى , بل آلام كآلام المسيح على الصليب ,  وأحزان تملأ الفضاء والهواء , وبكاء ونواح في كل بيت وشارع وقرية ,  ورائحة الموت تعبق في كل نسمة وذرة أوكسجين .

القتلة ..المجرمون.. الارهابيون ..الخونة .. البرابرة .. الهمجيون ..المتوحشون ..اللصوص .. الفاسدون .. مصاصو الدماء .. القرمطيون .. المتخلفون .. المنحطون .. [ هؤلاء الذين  لا نجد نعتا أو مصطلحا يصفهم وصفا دقيقا ويصف خصائصهم الشاذة ] هؤلاء الذين خطفوا سوريا وعاثوا فيها فسادا , وهددوا الحياة على ارضها ولوثوا كل شيء , ولطخوا كل شيء  , هم الذين اغتالوا أفراحنا , وهددوا تعايشنا وخربوا وطننا ودنسوا ترابنا وماءنا وهواءنا وسماءنا , هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا برسالة محمد ولا رسالة عيسى , ولا بقيم , ولا أخلاق , ولا بوطن , ولا وطنية , هؤلاء  هم من يمنعون الاعياد في بلادنا ويصادرون البسمة عن وجوهنا ويحظرون الاحتفال بكل مناسبة حب او فرح , وهم من فجروا ينابيع الدموع في أحداقنا ومأقينا . لقد مر عيد الاضحى المبارك , وقبله عيد الفطر , وقبله شهر رمضان , ومرت مناسبات عزيزة كثيرة , لكنها في هذه السنة مرت بنا ومررنا بها وكأننا لا نعرفها ولا تعرفنا , كأننا لم نعتد الاحتفال والاحتفاء بها لآلاف السنين .

في هذه السنة المريرة القاسية , لن يكون بمقدور سانتا كلوز , بابا نويل , وهو للعلم مواطن سوري أصلا , أن يمر على بيوتنا , ويرمي لنا الهدايا من شبابيكنا الموصدة بإحكام خوفا من القتلة المتوحشين .. كيف سيتمكن هذا القديس  الجميل الطيب المحبوب أن يقوم بوظيفته ورسالته في هذه الليلة , بينما الشبيحة الذين لا يشبهون البشر , ولا هم من طينتهم يملأون الطرقات في سوريا الحزينة , ويراقبون كل شيء , ويطلقون النار على كل ما أو من يتحرك ؟؟ كيف له هو نفسه أن يغرس البسمات على وجوه أطفالنا , وهؤلاء قد قتلوا أو أصيبوا ؟؟ كيف يدخل السعادة إلى نفوسنا وهو نفسه حزين باك مكلوم متألم ؟؟ 

بابا نويل يا أطفالنا  حاول أن يصل إلينا حاملا هداياه  لكن الشبيحة والعصابات العسكرية استولت على كيسه المليء بالالعاب وحطمتها  وحاولت قتله ,  لذلك اضطر أن يحتجب عنا لأنه يشاطرنا الأتراح بدل الأفراح , والبكاء بدل السرور

     ********************

لذلك فإننا في هذا اليوم الكريم نتوجه إلى أهلنا جميعا في سوريا مسلمين ومسيحيين من كل مذهب وطائفة , وكلهم أعزاء وكرام , نتوجه لهم بالنداء والرجاء والدعاء أن تتوحد في هذه المناسبة القلوب وتتوحد الكلمة , ووتوحد المواقف في مواجهة  الكارثة التي فرضها مغتصبوا السلطة في بلادنا علينا منذ ان تجرأ شعبنا الأبي  على المطالبة بحقوقه المغتصبة وحريته التي فطر عليها ,  وكرامته المداسة .  فلنتحد بالحزن , ولنتحد بالفرح , ولنتحد بالالم , ولنتحد بالشعور , ولنتحد بالكبرياء , ولنتحد  بالتعالي على الصغائر , لنثبت للعالم كله , وليس للطغمة المتاجرة بوطنيتنا , العابثة بتاريخنا ومقدساتنا ووحدتنا فقط , أننا شعب واحد منذ أن خلقنا , منذ أن كنا شعبا . نحن كنا حملة الرسالة المسيحية إلى العالم  ولا نزال , ونحن علمنا العالم التسامح والتأخي والتعايش بين الاديان والطوائف , ولا نزال . وليخسأ هؤلاء الطارئون علينا .

إننا نحن مسلمي سوريا الحاليين مسيحيون مثلما نحن مسلمون , لأننا نؤمن بالمسيح عليه السلام وبرسالته وانجليه كتابا سماويا , ونضيف أيضا إننا نحن عرب سوريا الحاليين سريان الأصل مثلنا كمثل إخواننا السريان المسيحيين  , تحول أجدادنا للاسلام  فتعربوا ثقافة , بينما بقي أخرون على المسيحية  والسريانية العريقة , وهذه حقيقة تاريخية . أما  العرب الذين وفدوا من الجزيرة العربية فهم قلة وحسب . وسوريا وحّدتنا طوال تاريخها وصهرتنا ببوتقتها ومحبتها وعجنتنا بترابها ومائها وخميرتها الحضارية الأصيلة .  إذن لا فرق فيما بيننا  , بين مسلم ومسيحي , فكلنا مواطنون وأبناء متساوون لأمنا الحبيبة سوريا , وكلنا نعبد ربا واحدا هو الله لا إله إلا هو . وهو الذي أمرنا أن نتبادل المودة والمحبة  وننبذ الفرقة والاقتتال

يا إخواننا المسيحيين , يا أطفالنا , يا أحباءنا .. أفراحنا مؤجلة , ونعاهدكم  أن نعوضها في المستقبل القريب , وأن نتبادل الافراح والتهاني والتمنيات , وأن نعيد البسمات والمسرات والاحلام إلى قلوب الجميع .. ذلك عهد علينا , ووعد من الله لنا أن ينصرنا على الظالمين الفاسدين المجرمين .. ومن أصدق من الله قيلا !!.

ليلة الميلاد 2011