حديث في العمق

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

ثورة الحرية , اسم اطلق على الثورة السورية , نحن نتحدث هنا عن هذه الثورة المباركة والتي أشعلها أبناء من الوطن , ضاقت عليهم الحياة , وضاقت سبلها , في ظل نظام فؤي , اعتبر سورية ملكاً لهذه الفئة ,وكان دور هذا النظام في عقوده الأربعة الماضية , يعتمد على مبدأين رئسيين , اهتمامه بالسياسة الخارجية , وإهماله للسياسة الداخلية

فعلى المستوى الداخلي, جند كل امكانيات الدولة , في تقوية نظام الحكم الأمني والعسكري , على حساب التطور والتقدم , وهذه السياسة الأمنية , جعلت امكانيات الدولة ومقدراتها , تذهب في أماكن الفساد الاقتصادي , ومنه للفساد الخلقي والأخلاقي , واعتمد على الموالات في الادارات كافة , وإهمال الكفاءات , ومكن هذه الادارات من سرقة كل شيئ في الدولة ,وثرواتها الموجودة فوق الأرض وتحتها , وحتى يعم الخراب والفساد , ويبقى النظام حاكماً , اتبع النظام اسلوب الحكم الشمولي , وكل من يعترض على ذلك , فالقانون له بالمرصاد , والقانون هو هوى عنصر الأمن المرتبط فئوياً بالنظام , وتدخل الأمن في كل مفاصل الحياة , حتى الزواج وليلة الدخلة يحتاجان لأذن من فروع المخابرات , ولا يمكن لمواطن سوري أن يبني أوأن ينشيء مشرعاً صغيراً أو كبيراً إلا بوجود مقرب من الحاكم وعائلته , فالحكم في سورية له صفتين أساسيتين هما :

طائفي من الباطن وعلماني في الظاهر , والصفة الثانية شمولي ديكتاتوري السلطات كلها بيد الرئيس

الأقلية عندما تحكم بلداً ما يكون هدفها الانتقام من الأكثرية أولا , وإذلالها وارتكاب جرائم فظيعة في حقها , حتى يسيطر الخوف عليها , وفي نفس الوقت شراء الضمائر المعروضة عند الأكثرية , لنزع الثقة بين الناس , وغطاء للحكم الطائفي وظهوره بمظهر بعيد عن ذلك , والأمر الثاني تعتقد الأقلية عند استلامها للسلطة , أن سنين بقائها في الحكم هي معدودة , فعليها أن تدمر البلاد والعباد , وتنهب خيرات البلاد , فهي فرصة لها لن تتعوض ولن تأتي كثيراً , وهذا مايلاحظ في سورية من نهب لخيراتها وتخلف ورجوع في مقدراتها الصناعية , وتهريب الأموال للخارج , وتفريغ البلاد من مقدراتها وكفاءاتها العلمية والفكرية , والأقلية عندما تستلم الحكم , , تعتمد في بقاء سلطتها , على التنازلات الكبيرة لدول قوية لها سطوة دولية في الخارج , وفي نفس الوقت على الأقليات الأخرى , وتخترع عدواً إن لم يكن موجوداً , حتى تخرس البقية .

فقد خسر الشعب السوري كل شيء في ظل هذا الحكم الفؤي , خسر رزقه وخسر كرامته , وأصبح يعامل معاملة العبيد , إن كان لاينتمي للفئة الحاكمة .

ويعلم الله تعالى أن الجرائم التي مورست على هذه الفئة من السوريين ,على الأكثرية خلال العقود الأربعة الماضية , لتفوق جرائم المغول والتتار , وجرائم اليهود في فلسطين , وجرائم محاكم التفتيش في اسبانيا , وحتى جرائم الهوتو في روالاندا , فمئات الآلاف أعدموا ومثلهم سجنوا سنين طويلة في معتقلات لم يعرف العالم لها مثيلاً , والملايين مهجرين محرومين من بلادهم منذعشرات السنين , والجرائم مستمرة , يقولون 6000 آلاف شهيد , أسماء تم توثيقها , وهناك أضعاف هذا الرقم في مقابر جماعية وحرق ورمي في البحر , وعشرات الآلاف في المعتقلات يتمنون الموت في كل ثانية على الحياة التي يعيشونها في هذه المعتقلات , فلا أحد يدعي أن هذه الجرائم ترتكب بعد الثورة , وإنما هذه هي أعمال هذه الفئة التي حكمت سورية منذ وجودها في سدة الحكم .

فالثورة السورية ليست ثورة ضد نظام حكم , وإنما هي ثورة ضد احتلال , من الفئة الحاكمة ومن إيران وروسيا ,إن هذا الاحتلال لايشبه في شكله وتصرفاته إلا احتلال الأوروبيين للقارة الأمريكية , وإبادة سكانها الأصليين , فعندما احتل الإسبان هاييتي , وكان أهلها مسالمين , ولم يقاوموا الجيش الاسباني , وكرد للجميل كان قادات الجيش لايخلدون إلى النوم إلا على وقع أصوات من هاييتي يكبلون , ويعلقون على عارضة حديدية وتشعل تحتهم النار الخفيفة , حتى يكون الشواء بطيئاً , وفي المعتقلات السورية تجري أفظع من هذا بكثير

فأمام هذا الواقع قامت الثورة السورية , وسكت العالم أجمع , مشجعا ارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم

والسؤال هنا ماهو الحل ؟

الحل في امكانيات السوريين الذاتية , وعندما يصمم الانسان على تحقيق هدف ما , فمن الصعب أن يفشل في تحقيقه , فكان الانسان يحلم بالطيران , ويحلم بالمرآة السحرية على سبيل المثال , فوصل النجوم , واخترع الانترنيت فجعل العالم قرية صغيرة يعيش فيها .

وككل ثورات الشعوب , تنطلق من الامكانيات الذاتية , وعلى رجال الثورة أن يجدوا الأساليب الممكنة , والبحث عن الوسائل التي لاتوجد , وجعلها بين يديه , فهناك حرب العصابات عندما يعجز الطرف المسلح  كتنظيمات وكتائب الجيش الحر عن المواجهة , ومساندة الشعب الثائر في قوة تدعم الثورة , في المظاهرات والاضرابات والاعتصامات والعصيان المدني .فالثورة بدأت , ويجب الصبر والثبات والاستمرار وعدم اليأس , فإن وجد من يدعم الثورة خارج البلاد فهو فضل منه على الثورة , ومن لم يرد فيكفينا سكوته , عندما تعرف نفسك ومن تكون وما هو هدفك وتعمل المستحيل لتحقيقه , فاعلم أن ذلك سيتحقق عاجلاً أم آجلا , شرط أن لايخالج شعورك ذرة من اليأس والقنوط .وهدفك

أيها الثائر الحر النصر والتحرير , ولن يخذلك الله أبداً