تفسير المشهد السوري

د. عبد الرحمن الطريري

د. عبد الرحمن الطريري

تفسير المشهد السوري وما يحدث من قتل، وتدمير، واعتقال، واضطهاد لأكثرية الشعب السوري على يد أقلية سنحت لها الفرصة لحكم سورية لا يمكن الاعتماد فيه على الظن، أو التخمين بل لابد من أن تكون المؤشرات مجتمعة تاريخية وأخرى واقعية يراها الناس يوماً بيوم وساعة بساعة وذلك كما يفعل النظام وعلى رأسه عائلة الأسد وجنوده وشبيحته سواء من بني جلدته، أو من المغترين به، أو أولئك المجبرين على قتل الناس، والفتك بهم بكل الأسلحة، والمعدات العسكرية الثقيلة وحتى المدافع والدبابات.

وتفسير المشهد نعني به معرفة الأسباب التي تجعل من نظام الأسد يمارس هذه الممارسات مع شعبه قتلاً، وتنكيلاً، وتدميراً، في مقال للأستاذ زهري الفاتح في الجزيرة عدد يوم الجمعة 22/12/1432هـ تناول دليلاً تاريخياً يفسر لنا ما نراه ونشاهده عبر الفضائيات، حيث أشار إلى وثيقة مهمة لا أعتقد أن كل أحد يمكن التعرف عليها أو الوصول إليها خاصة إذا لم يكن من المهتمين بالوثائق كما في حالتي. الوثيقة التي يشير إليها الفاتح تعود لعام 1926م كتبها ووقعها مجموعة من أعيان الطائفة العلوية في سورية، ومن بينهم جد بشار الأسد أي والد حافظ الأسد سليمان الأسد، هذه الوثيقة موجهة إلى رئيس وزراء فرنسا ليون بلوم حين كانت فرنسا تستعمر سورية. يقول الموقعون على الوثيقة ''وها نحن نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق المسلمين يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على توقيع وثيقة يتعهدون بها بعدم إرسال المواد الغذائية إلى إخوانهم المنكوبين في فلسطين. وحالة اليهود في فلسطين هي أقوى الأدلة الواضحة الملموسة على أهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي إلى الإسلام. فإن أولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة، والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب، والرخاء، ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة.. لذلك فإن مصيراً أسود ينتظر اليهود والأقليات الأخرى في حال إلغاء الانتداب. ويعترف الموقعون أن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسورية المسلمة لأن الدين الإسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي... ويؤكد الموقعون أن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني''.

لو قارنا بين ما ورد في هذه الوثيقة وحقائق وشواهد تاريخية يسهل علينا حينها معرفة السبب فيما يحدث للشعب السوري. حافظ الأسد سلم الجولان لإسرائيل في حرب 1967م، كما أنه هدم ثلث حماة وقتل 40 ألفا من سكانها، إضافة إلى 20 ألف فرد لا يعرف مصيرهم حتى الآن إضافة إلى المنفيين خارج وطنهم، وهم يعدون بعشرات الآلاف.

كما أن النظام السوري وفي عهد بشار هدد بالرد على اختراقات الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية، كما في تدمير المبنى الذي يعتقد أنه منشأة نووية، وكذلك التحليق على قصر الشعب على قمة جبل قاسيون ولم يفعل شيئاً على الإطلاق، وبدلاً من ذلك وجه دباباته ومدافعه إلى المدن السورية، ويضاف لذلك ما صرح به ابن خاله مخلوف حين قال إن سقوط النظام السوري يهدد الأمن الإسرائيلي، وهذا ما قاله بشار نفسه حين أكد أن سقوط نظامه يعني الفوضى وعدم استقرار الأمن في دول المنطقة، وبالذات دول الجوار قاصداً بذلك إسرائيل.

إن مشاعر العداء المتأصلة فيمن يمسكون بالسلطة في سورية في الوقت الراهن نحو شعبهم المسلم هي أقوى دليل ومفسر على استخدام كل أساليب القتل والتدمير والفتك بمن يعارضون سياسة القمع التي استمرت لعقود أربعة، ولذا انتهج النظام سياسة الإذلال الممنهج لمن يقبض عليه من السوريين أثناء المظاهرات ومن هم في المعتقلات، إضافة إلى التصريح العلني على أن ذهاب النظام السوري يعني الخطر على إسرائيل بهدف تأكيد العلاقة التاريخية والروحية بين اليهود، والزمرة الحاكمة في سورية. إبداعات النظام السوري في الإبادة ظهرت هذه الأيام في استعراض القوة من خلال مناورة الصواريخ وسلاح المدرعات، وفي ظني أن النظام وجد في المبادرة العربية فرصاً لإبادة شعبه والاستمرار في الهيمنة.

هل نحتاج لتفسير ما يحدث سوى أن هناك ما يجمع بين الفئتين أكثر مما يجمعهم مع المسلمين.