الفلّوجة... شرارة الثّورة وعنوان الانتصار

صلاح حميدة

[email protected]

كان هذا عنوان مهرجان أقيم في مدينة الفلّوجة العراقيّة احتفالاً بانتصار المقاومة العراقيّة على الإحتلال الأمريكي المباشر وإجباره على الإنسحاب صاغراً ذليلاً من العراق، حيث تمّ التّأكيد خلال المهرجان على الدّور المركزي الّذي لعبته المقاومة العراقيّة في الفلّوجة والأنبار في إشعال الثّورة العراقيّة ضدّ الإحتلال الأمريكي للعراق، وكيف انتشرت المقاومة العراقية بعدها في أغلب المحافظات، كما طالب المشاركون بإطلاق سراح رجال المقاومة العراقيّة الّذين يقبعون في سجون النّظام الطّائفي المتحالف مع الإحتلال الأمريكي.

هذا المهرجان كان ضروريّاً في ظل محاولات   أطراف إقليميّة طائفيّة لنسب انتصار المقاومة العراقيّة لها، ودمج هذا الإنتصار في سياق مشروعها الطّائفي، في حين تحالفت تلك الأطراف مع الإحتلال الأمريكي بشكل فظّ في حملة إبادة المقاومة العراقيّة في الفلّوجة بشكل خاص وفي محافظة الأنبار بشكل عام، بل لا يزال الطّرف العراقي المحلّي الطّائفي  يحتفظ بأسرى المقاومة العراقيّة الّذين قاوموا الإحتلال ويصرّ على إبقائهم في معتقلاته، معتبراً – على لسان أحد سياسيّيه – أنّ هؤلاء إرهابيين وقتلة ويجب أن يبقوا في السّجن؟! وهذا الشّخص ممثّل لكتلة رئيس الوزراء العراقي  في البرلمان، وهو الّذي أتى – وقادة حزبه- إلى العراق على ظهر الدّبّابات الأمريكيّة، بعد أن قبّلوا أقدام الأمريكان ليحتلّوا العراق، وفي نفس الوقت يحاول الطّائفيّون في الإقليم تصوير رحيل الإحتلال وبقاء أذنابه الطّائفيين في الحكم على أنّه نجاح لمحورهم الّذي يحاولون تسويقه كمحور مقاوم للنّفوذ الأمريكي؟!.

ما جرى ويجري في العراق و سوريا، وما يجري في أفغانستان يؤكّد حقائق كثيرة، من أهمّها  أن تلك الأطراف الطّائفيّة لا يحرّكها العداء لأمريكا كما تقول، ففي العراق وأفغانستان تحالفت معه ضدّ المقاومة الوطنيّة الّتي تصدّت وتتصدّى له، وقاتلت تلك المقاومة بشراسة وشاركت قوّات الإحتلال في هدم المدن على رؤوس أهلها – كما جرى في الفلّوجة- ويدلّل هذا على أنّ دعمهم لأطراف مقاومة في المنطقة يأتي من باب المصلحة وليس من باب مبدئي، فأينما كانت مساعدة مقاومة الإستعمار الغربي تخدم مصلحة المشروع القومي - الطّائفي يقومون بدعمها، وأينما كانت تلك المقاومة تهدّد هذا المشروع يقومون بالتّحالف مع الإستعمار ضدّها، وهكذا يتعاملون مع الثّورات العربيّة الشّعبيّة الحاليّة ضدّ الإستبداد، فقد كان موقفهم من دعم إبادة الشّعب السّوري ومدّهم لقاتليه بكل وسائل الحياة وتعويضه بالمال والتّجارة بفتاوى دينيّة من أعلى مراجع دينيّة عندهم، حيث شكّل هذا الموقف أكبر مشجّع لزمرة القتلة الطّائفيّين في دمشق للإستمرار في قتل السّوريين وقصف وتدنيس المساجد والمصاحف ومحاولة إجبار السّوريين على التّعبّد للطّائفيين بدلاً من الله عبر إجبار الكثيرين لتوحيد بشّار والسّجود لصورته بدلاً من الله، وهذا كلّه بفتوى من الّذين يدّعون أنّهم يحملون لواء الإسلام؟!.

 يحاول بعض الإعلاميين والمسوّقين للمشروع الطّائفي استغفال ذاكرة النّاس بنسب انتصار المقاومة العراقيّة لهم، وهذه محاولة خطيرة من هؤلاء لسرقة تضحيات العراقيين، ولذلك كان مهرجان الفلّوجة خطوة لإفساد محاولة سرقة الإنتصار من يد محقّقيه، ومحاولة موفّقة لكشف عمليّة السّطو على تضحيات المقاومة العراقيّة من الّذين قاتلوها مع الإحتلال، ومن الّذين أرسلوا صنائعهم المخابراتيّة عبر الحدود لتشويهها عبر قتل المدنيين وترويعهم وحرف المقاومة عن أهدافها الحقيقيّة، والتّسبب بظاهرة ما عرف بالصّحوات الّتي تحالفت مع الإحتلال ضدّ من قدموا عبر الحدود الغربيّة لحرف المقاومة عن هدفها وحرفوا بوصلة الكثير من العراقيين الثّائرين ضدّ الإحتلال، ما جرى يدلّل أنّ الطّائفيين تقاسموا الأدوار فيما بينهم لإجهاض ثورة العراقيين ضدّ الإحتلال الأمريكي، فمنهم من ركب الدّبابة الأمريكيّة وحاربهم، ومنهم من لبس قناع الثّورة وحاربها من الدّاخل عبر استهداف المدنيين وتصفية المقاومين وحرف العراقيين للإقتتال فيما بينهم ليرتموا جميعاً في حضن الإحتلال، وفي النّهاية يحاول هؤلاء مجتمعين سرقة ثمرة المقاومة العراقيّة بكل وقاحة ونسبة إنجازاتها لهم، ولكن إن كان لنا أن ننظر لوجهة نظرهم من زاوية أخرى، فالواقع يقول أنّهم تشاركوا مع الأمريكيين في إسقاط النّظام العراقي السّابق وقاتلا معاً المقاومة العراقيّة وتمّ تسليم البلاد والعباد لهم من قبل الأمريكيين ثمّ رحلوا، وهذا إنجاز لهم بلا أيّ شك.

ما يجري في العراق وسوريا يدللّ أنّ معركة سوريا معركة مصيريّة للعرب، ولا بدّ للعرب من حسم أمورهم للإنتصار فيها مهما كلّف الثّمن، فالعالم العربي تستهدفه مشاريع التهام كثيرة، ويعتبر المشروع القومي - الطّائفي  أحدها، وهو يحاول التّمدّد في دول الرّبيع العربي عبر واجهات خيريّة و استثماريّة في مصر وليبيا وتونس، بينما يضع كل ثقله إلى جانب الطّائفيّين في دمشق كما وضعها من قبل إلى جانب الأمريكيين وحلفائهم الطّائفيين في حربهم على المقاومة العراقيّة في الفلّوجة وغيرها، بل انقلب الطّائفيّون على حلفائهم من العرب السّنّة في العمليّة السّياسيّة لإكمال التهام العراق جميعه بما فيها المناطق الكرديّة، وتعلن إيران علانيةً أنّ الملاحظات التي وافقت عليها الجامعة العربيّة هي ملاحظاتها، وهي تقول للعرب أنّها هي سيّد البيت الجديد بعد خروج الأمريكان، متجاوزةً صنائعها المحليّين وقافزةً إلى الواجهة بشكل مباشر في العراق وسوريا.

كان الكثير من العرب مخدوعين بأصحاب المشروع القومي – الطّائفي، ولكن بدأت حقائق هذا المشروع تظهر عند احتلال أفغانستان والعراق، وانجلت الغمامة بعد موقفهم من مجازر الطّائفيين في سوريا، فالتجربة أثبتت أنّ هؤلاء أصحاب مشروع طائفي ولا يحملون لواء مشروع أمّة، ولذلك هم لا يختلفون عن غيرهم من الطّغاة العنصريين أصحاب المشاريع الأخرى التي تستهدف التهام الأمّة عبر القتل والتّدمير وانتهاك الأعراض والمقدّسات، والثّابت الوحيد عند هؤلاء جميعاً أنّه لا مقدّس في طريق تحقيق مشاريعهم إن كانت دينيّةً أو طائفيّةً أو أيديولوجيّةً أو اقتصاديّةً استراتيجيّة، وإن حصل وتقاتل هؤلاء فهم يتقاتلون على من سيأكل الفريسة الّتي نمثّلها نحن.

حقّ للفلّوجة أن تحتفل بانتصار المقاومة العراقيّة على الإحتلال المباشر وخروجه من العراق، ولكن المعركة لم تنته بعد مع أذناب الإحتلال الطّائفيّين وشركاته الأمنيّة التي يعد عناصرها بعشرات الآلاف، بالإضافة إلى آلاف المقاتلين تحت ستار دبلوماسي.