قدر الثورة السورية هو تميزها عن بقية الثورات العربية

قدر الثورة السورية

هو تميزها عن بقية الثورات العربية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

لاأذكر بالضبط  نص مقولة قرأتها للشيخ الفاضل عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى , ولكن أذكر معنى عبارته والتي جاء فيها (إن ألم بك حال يقلقك , وعملت المستحيل للتخلص منه ففشلت , ودعوت الله مخلصاً لكشفه عنك , ولم تحصل على ماتريد , ومن ثم لجأت للناس القريب منهم والبعيد , ولم تجد من يساعدك , فاعلم أن هذا قدرك وعليك الصبر حتى تنال ماتبغيه ).

فلو قارنا بين المقولة السابقة , وواقع الثورة السورية لوجدنا تطابقاً مبنياً على نتائج مستنبطة من كلا الحالتين

فعندما قامت الثورة التونسية أولى الثورات العربية , حاول حاكمها التصدي للثورة وبالقوة المفرطة , ووقف الجيش التونسي خارج لعبة الحاكم , لتنتصر الثورة التونسية بأقل التكاليف , ثم تلتها الثورة المصرية , فكانت القوة الضاربة الرئيسية وهي قوة الجيش على الحياد , حتى لم يجد فرصة أمامه إلا الاطاحة برأس النظام , ثم الثورة الليبية فالجيش ضعيف , والحاكم مجرم قاتل , واعتماده على المرتزقة , فاعتمد الليبيون على أنفسهم وعلى الدعاء , وعندما وجدوا أن ثورتهم ومن قام فيها مصيره الفناء , طلبوا من الناس الحماية , فهب العالم لحمايتهم وانتصرت الثورة , بينما في اليمن , انقسم الجيش والساسة والأمن , وكان هناك نوع من توازن القوى , وبالتالي كان لابد من نجاح مبادرة خارجية لحل الأزمة فيها , وتكللت بمبادرة مجلس التعاون الخليجي والقرار الأممي .

بقيت الثورة السورية قائمة , انطلقت الثورة السورية على أكتاف الفقراء والمثقفين والمظلومين , وما أكثرهم في سورية , سلمية بحتة وشعارات بسيطة للغاية , ولكن النظام الحاكم في سورية جن جنونه , وانطلق كلحيوان المفترس عندما يفتح له باب القفص , واستخدم كل وسائل الإجرام , وأمام هذا الاجرام , استمرت الثورة بسلميتها , وقال الثوار بعد اشتداد الاجرام بحقهم , ومحاولاتهم السلمية والاعتماد على الذات في التغيير , ومن ثم لجأوا إلى الله تعالى , وشعارهم الله...أكبر , وما زال , وما لنا غير الله ...وتوكلنا على الله  ... والنتيجة تزداد قسوة على الثورة ويمعن النظام بالاجرام مستخدما كل مايملك من قوة , ومن دعم مطلق من مجرمين أمثاله , فطالب الثوار الأمة العربية , والأمة الاسلامية , والعالم أجمع والمتمثل بمجلس الأمن والأمم المتحدة , ولم يجدوا لهم لاناصراً ولا معينا , إلا بكلمات خجولة , وتهديدات جوفاء لاتسمن ولا تغني من وقف لاراقة الدماء البريئة .

قد يعتقد البعض في استنتاجه مما ذكر أعلاه , بالقول أن الكاتب يريد أن يقول , على الثوار أن يستسلموا للواقع , ويقولون إرضاءاً لأنفسهم أننا فعلنا مابوسعنا , وهذا هو قدرنا ولا يمكن أن نغير قدراً مكتوباً علينا .

فلو نظرنا للمقولة من جانبها السلبي لكان الاستنتاج صحيحاً , ولكن عندما ننظر لها من منطلق إيجابي نرى عكس الاستنتاج أعلاه حتماً .

مثال : الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ترك الشام وعاد للمدينة المنورة خوفاً من مرض الطاعون , فسأله أحد الصحابة , أهربت من قدر الله ياعمر , فقال :هربت من قدر الله إلى قدرالله.

وهنا نقول أن قدر الله تعالى هو أن تكون الثورة السورية منتصرة بالاعتماد على ذاتها , وعلى حرائر وأحرار أبنائها , وستنتصر بعون الله بقدرها هذا .

فقوة الثورة السورية تتصاعد يوماً بعد يوم , وقوتها المتزايدة تأتي من قوات كانت هي الداعم الرئيسي لعدوها , فصفاء الثورة السورية , ومطالبها الانسانية , وإصرار شبابها على المقاومة , جنحت بالكثيرين من الموالين للعدو , في ترك مكانهم والوقوف بجانب الثورة , فانشقاق جندي واحد يعني , أن العدو فقد لَبِنَة من بنائه , ووضعت هذه اللبنة في بناء الثورة السورية .

فقدر درعا أن تكون شعلة الثورة , وتلتها حمص لتكون عاصمة الثورة , وحماة وادلب أذرع الثورة , وريف دمشق وبعض أحيائها شموساً وضاءة في ثورة الحرية , ومن البادية الشماء دير الزور وواحتها الخالدة , ومن الحسكة عامودا منارة الشعب الكردي الثائر , وريف حلب الشهباء , وبانياس المجاهدة من طرطوس , وجبلة والرمل الجنوبي والطابيات والحفة وتوابعهما في اللاذقية .

فقدركم جميعاً ان تكونوا ثواراً مقاتلين أبطالاً , والبطل لايموت إلا واقفاً , فصبراً ياثوارنا الأعزاء الأبطال , فقدركم هو النصر , ولكن النصر بأيديكم , ولن يخزلكم من عاداكم , فجيشنا الحر اسم على مسمى , وسيركع عند أقدامكم كل من عاداكم , فأنتم لاتقاتلون نظاماً سياسياً , ولا حاكماً معروفاً , فسورية لايوجد فيها نظام حاكم , فيها مجموعات من عصابات اجرامية , تعمل على هواها , لاتؤمن لابعرف ولا بدين ولا بشريعة , وقد جعلكم الله قدر ماحق محطم لهذه العصابات , فاستمروا واصبروا وجاهدوا حتى تطهروا بلاد مباركة طاهرة , أصيبت بوباء , فلا سبيل للحياة فيها , إلا بإبادة أسباب ومسببات هذا الوباء .