يا أهل السياسة اتركوا لنا جماعتنا

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

عندما تناثرت أصوات منذ عدة سنوات داخل التيار الإسلامي تنادي بالتخصص، وبالتحديد تخصص أهل السياسة من أبناء هذا التيار في مجال العمل السياسي بكل أبعاده التنافسية والتحالفية وخلافه.. وتخصص أهل الدعوة والإصلاح الاجتماعي، وهو ما يعني ببساطة اعتماد النظام المؤسسي داخل التيار الإسلامي بحيث تصبح الحركة الإسلامية حركة مؤسسية تقوم على التخصص والفصل بين المؤسسات لخدمة أهداف الحركة في شمولها وعمومها. كان العبد لله – كاتب هذه السطور- من ضمن هذه الأصوات التي أسست لدعوتها على مجموعة من الأسس المستقرة في المنهج الإسلامي وبالتالي في الوعي العام للتيار الإسلامي من أبرزها:

1 – الإسلام منهج شامل لكل شؤون الحياة فهو دين ودنيا، عقيدة وشريعة، عبادة وأخلاق وقيم، مبادئ عامة وأحكام منظمة وحدود زاجرة مصداقا لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162

2 – شمول الإسلام لا يلزمه بالضرورة شمول التنظيم العامل للإسلام كما يرى شيخنا الدكتور القرضاوي، وأن إمكانيات وواجبات الدعوة تختلف عن إمكانيات وواجبات الدولة وهو الأمر المستقر في أدبيات أساتذتنا ومشايخنا.

3 – التخصص لا يعني بحال ترك شيء من الدين وإنما يعني زيادة الاهتمام والتجويد والإبداع في كل مجال من المجالات على حده.

4- والتخصص لا يعني أبدا ألا يكون لشباب العمل الدعوي والإصلاح الاجتماعي نوع من الإلمام العام بهموم السياسة ومساراتها والمشاركة كجمهور شعبي في الاختيار والتصويت والدعم والمناصرة في الاستحقاقات السياسية، وبالتالي التربية بالمواقف والمواجهة وكل أشكال الاهتمام بالعمل السياسي الذي هو حق لجميع أفراد الشعب، دون الانخراط في العمل الحزبي التنظيمي والتنافسي والإداري والتنظيري، لا لأنه حكر على غيرهم، ولكن لأنه عمل تخصصي يحتاج إلى أهل التخصص والتفرغ والانجاز، وفي المقابل لا يتصور أن نمنع أبناء القسم السياسي من أداء العبادات وارتياد المساجد وقراءة الكتب وممارسة تزكية النفس وحضور جلسات العلم والذكر والتذكير، دون أن يعتلوا منابر المساجد أو استوديوهات الفضائيات ليفتوا في الدين ويتحدثوا حديث العالم الشرعي المتخصص.

مثال محلول: عندما يمرض أحدنا أو ابن أحدنا لمن نذهب به؟

للطبيب

هل يعني لجوءنا للطبيب أننا لا نعترف بشمولية الإسلام للطب؟

لا فهذا يعني احترام التخصص الطبي؟

وإذا لاحظ طبيب الأمراض الباطنة أن المريض يحتاج إلى مراجعة طبيب الغدد أو المخ والأعصاب فيحوله عليه، فهل معنى ذلك أن هذا ليس بطبيب؟

معنى ذلك أنه يحترم التخصص، ولا يفتي بغير علم في غير تخصصه.

وإذا أذن المؤذن والطبيب في عيادته، هل ممنوع عليه أن يلبي النداء ويقيم الصلاة؟ أم أن تخصصه الطبي لم يمنعه من أداء عبادته وتزكية نفسه؟

التخصص الطبي لا يتناقض مع شمول إسلام الطبيب ومرجعيته الإسلامية.

ملخص ما سبق أن من ينادي بالتخصص والمؤسسية في العمل الإسلامي لا يُضاد الشمول، بل يؤمن بالشمول ويضيف إليه طريق الاكتمال بمراعاة التخصص والعمل المؤسسي، تطبيقا لقوله تعالى: {... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }الأنبياء7، وعملا بحكمة يعقوب عليه السلام {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }يوسف67

قامت ثورة يناير العظيمة، وظللتنا أجواء الحرية، ومن أعظم مظاهرها حرية تكوين الأحزاب – المؤسسات السياسية التخصصية- وحرية إصدار الصحف وإنشاء الفضائيات – المؤسسة الإعلامية- وفُتحت المساجد وحرية المنابر أمام الدعاة والعلماء- أهل الفقه والفتوى وعلماء الشريعة- وغير ذلك من مظاهر الحرية.. وأنشأت جماعة الإخوان ذراعا سياسيا ممثلا لها ومنبثقا عنها وهو حزب الحرية والعدالة، وانبثقت عن الجماعة في أعلى مستوياتها القيادية مجموعة أخرى من الأحزاب تحمل نفس المشروع السياسي ذو المرجعية الإسلامية وترفض أن تصبح حزب الجماعة، أو تابعة لكيان الجماعة فظهرت أحزاب النهضة والريادة والتيار المصري والعدل – بشكل ما – ومن قبل حزب الوسط.

المهم أن السياسة ذهبت تلقائيا لأهل التخصص. ونحن أبناء جماعة الإخوان شباب الفكر والدعوة الذين نؤمن بشمولية الإسلام للسياسية لكننا غير مسيسين ولا نمتهن السياسة بحكم تكويننا الشخصي وممارساتنا وخبراتنا وما درسناه في حياتنا من علوم تربوية أو شرعية أو أدبية أو اجتماعية من حقنا أن نمارس العمل الدعوي والتربوي والفكري والتوجيهي من خلال جماعتنا الأم التي تربينا في أحضانها بل والتي أهلتنا لمجالات نشر الدعوة ودربتنا على اعتلاء المنابر والتوجيه بالكلمة وبالفن الهادف والإعلام الراقي، آن الأوان أن نمارس أعمالنا في مجالاتنا المختلفة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي الشامل والمأمول من خلال جماعتنا بعد أن نحولها إلى جمعية إصلاحية مشهرة، نحن إخوان مسلمون وليست جريمة أننا لسنا محترفي سياسية، إن التنظيم مجاله السياسة والعمل السياسي والحزبي، فلابد للحزب من تنظيم، والدعوة مجالها المدرسة الفكرية والتربوية وقادتها رجال العلم والفكر وأهل الشرع..

لا يمكن بعد أن تم إنشاء حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة، أن يتحدث باسم الحزب في وسائل الإعلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة- الدعوية – أو أعضاء مكتب الإرشاد أو المرشد العام!!

ما هذا الخلط العجيب للأوراق؟

يا أهل السياسة. يا قادتنا من أعضاء مجلس شورى الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد، من يرى في نفسه كفاءة وقدرة على العمل السياسي المتخصص فلينضم لحزب الحرية والعدالة، وليترك الجماعة لأهلها وأبنائها من رجال التخصص الدعوي والإصلاحي والتربوي والإعلامي.. الحزب لا يحتاج وصاية من أحد فهو يضم كفاءات مكتب الإرشاد ومجلس الشورى على أعلى مستوى- مرسي والعريان والكتاتني والبلتاجي ووفيق وأبو بركة وغيرهم- ومن أراد الانضمام إليه من أمثال السيد الفاضل الدكتور غزلان فليتفضل.. لكننا نحتاج استرداد جماعتنا من قبضة التنظيم ومن سطوة السياسيين، نريد لجماعتنا الدعوية الإصلاحية التربوية الإعلامية أن يتصدر لتوجيهها عبد الرحمن البر وإخوانه وأمثالهم في مختلف مجالات التخصص والإصلاح..

فليس من العدل والإنصاف في شيء أن يمضي أهل السياسة والتنظيم بالحزب والجماعة معا، وأن يبقي مفكري الدعوي ورجاله بلا غطاء ولا وعاء، وليس من احترام التخصص والمؤسسية في شيء هذا الخلط العجيب في الأوراق، وليس من الطبيعي أن يُجبر الداعية أو المفكر أو الأديب أو الإعلامي أو الرياضي أو الفنان، على إعطاء صكوك مفتوحة لأهل السياسة والتنظيم أن يسلكوا بنا أي السبل شاءوا، فليمضوا في مساراتهم ويتركوا لنا عبء مسؤولية مساراتنا واختياراتنا واجتهاداتنا..

هذا حديث توافقي يدعو إلى احترام التخصص، ولا ينكر على أحد رغبته ولا تخصصه، وهو في ذات الوقت نداء ورجاء وعاطفة جياشة من القلب أن نعود لجماعتنا، وأن تعود إلينا جماعتنا.. هذا الحديث وتلك العاطفة تقبل المراجعة والمناقشة والاختلاف والنقد والتعديل، لكن أرجو ألا يطالعنا أحد بأن كاتب السطور لم يعد عضوا بالجماعة فليس من حقه الاعتراض أو المناشدة، فأنا أعلنها بوضوح أنا إخوان ولكني لست عضو تنظيم لأن طبيعتي تمنعني من عضوية التنظيم، فمرحبا بكل نقاش موضوعي يتجاوز حدود الشكليات إلى عمق الإشكاليات المطروحة..