السلفية.. قواعد وأسس

محمد حامد محمد

[email protected]

كى يتضح لك معالم الفكر السلفى ، فلابد له من قواعد وأسس يقوم عليها كأساس و دعيمة له ، والفكر السلفى له من القواعد والأسس ما يميزه عن غيره من الأيدولوجيات المطروحة على الساحة الإسلامية.

 يقول الدكتور محمد عبد القادر: " إن المتتبع لسياق الفكر السلفي يجد أن ثمة خطوطاً وملامح أساسية تميز ذلك الفكر وتصبغه بصبغة منهجية استقلالية تجعل له خصوصية وتفرداً واضحين. ولعل المدقق في جزئيات وعناصر هذا الفكر ليلاحظ لأول وهلة أن النظر في جزئية واحدة يمكن أن يعطى انطباعاً محدداً بأن هذه الجزئية -وإن تشابهت مع جزيئات فكرية أخرى - أنما تخص الفكر السلفي بعينه ... ولن أكون متجاوزاً الحقيقة إذا قلت إن الفكر السلفي مع كونه يشكل كياناً فكرياً مستقلاً له ملامحه المحددة وأبعاده الواضحة، فإن كل جزئية من مكوناته تكاد تشكل نسقاً منهجياًَ دقيقاً لا يتأتى - لأول وهلة - عند غيرهم. ولعل هذه البناءات المنهجية المستقلة تشير في تصوري إلى دلالتين محددتين:

أولاً: أن هذا الفكر قائم على أسس منهجية ومنطقية واضحة، تقود من خلالها الخطوة السابقة إلى الخطوة اللاحقة وتسلم فيها المقدمات - في اتساق كامل - إلى نتائج صحيحة وصائبة. وليس الأمر بالنسبة للاتجاه السلفي فكراً مشوشاً، أو عبارات غير منتظمة، كما أنه ليس مجرد عبارات إنشائية مرسلة أو بلاغة لفظية لا جدوى منها.

ثانياً: إن هذا النسق الفكري وإن كان فيه استقلال منهجي داخلي بين جزئياته ومكوناته أو بالأحرى وحداثته الفكرية، إلا أن ذلك لم يؤد مطلقاً إلى التشتت المنهجي والانفصام الفكري، وإنما جاءت منهجية كل عنصر أو جزئية لتضيف إلى السياق المنهجي العام قوة ووضوحاً ودقة، وتشكل في النهاية صياغة منهجية عامة تسهم في ترسيخ الاتجاه السلفي وتجعل له أصالة وعمقاً، كما أنها تجعل له تواجداً قوياً في ساحة الفكر الإسلامي كرمانة ميزان تسهم في توضيح مدى انحراف غيرها وترسخ أسس الاعتدال والاستقامة الفكرية في أجلى صورها " .(1)

وهذه هي أهم القواعد للفكر السلفي:

- القاعدة الأولى: تقديم الشرع على العقل

- القاعدة الثانية: رفض التأويل الكلامي

- القاعدة الثالثة: الاستدلال بالآيات والبراهين القرآنية

القاعدة الأولى: تقديم الشرع على العقل

وفي الواقع إن هذه القاعدة هي التي تميز أصحاب المنهج الصحيح من أصحاب المناهج ، والآراء ، والأهواء المبتدعة ، فأهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فمهما قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا قول لأحد .

وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات:1] ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " .

فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي - صلى الله عليه وسلم - الزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ففي عودة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية نزلت سورة الفتح ، كلها بشريات ، وكلها خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، حتى قال الصحابة: أنتم تعدون الفتح: فتح مكة ، ونحن نعد الفتح: صلح الحديبية ، لما أتى بعده من الفتح ومن الخير ببركة التسليم لله عز وجل ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .

كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .

أما المتكلمون فإنهم يقدمون أدلتهم العقلية على الأدلة السمعية. فيبدأون في البحث عما تقبله عقولهم وترضاه من آراء المتكلمين، ثم يخضعون لها نصوص الشرع. وهم يرون أن الأدلة العقلية قطعية، وأن الأدلة النقلية أدلة ظنية، لذا يعمدون إلى تأويل ما خالف آرائهم العقلية من الشرع ليوافق ما هم عليه.

وقد ورد العديد من أقوال السلف التي تبين رفضهم لعلم الكلام ونبذه، مما يبين بطلان تقديمه على الشرع في الاستدلال:

يقول ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط: قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل، والنقل: يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها أو بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفسرها، فإن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه.(2)

يقول شارح الطحاوية:

"وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة، إنما يتلقاه من قول فلان، وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله، لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول، ولا ينظر فيها، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان المنقول إلينا عن الثقات النقلة" ا.هـ.(3)

يقول الشاطبي:

"إن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله ولذلك قال تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) [الإسراء: 15]. وقال: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) [النساء: 59]. وقال: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ) [الأنعام: 57]، وأشبه ذلك من الآيات والأحاديث، فخرجت عن هذا الأصل فرقة زعمت أن العقل له مجال في التشريع وأنه محسن ومقبح، فابتدعوا في دين الله ما ليس فيه.(4

وقال ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية :

 "وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته مع وجود النص، أو عارض النص بالمعقول فقد ضاهى إبليس حيث لم يسلم لأمر ربه بل قال: ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) [الأعراف: 12]. وقال تعالى: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) [النساء: 80]. وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ آل عمران: 31]. وقال تعالى: ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء: 65]. أقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا نبيه ويرضوا بحكمه ويسلموا تسليما".(5)  وقال أبو المظفر السمعاني في صون المنطق ص182:

"اعلم أن فصل ما بيننا بين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأما أهل السنة: قالوا: الأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول وجب ألا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا".اهـ

ويقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (3/88 – الرسالة التدمرية ):

"إن كثيراً مما دل عليه السمع يعلم بالعقل أيضاً، والقرآن يبين ما يستدل به العقل ويرشد إليه وينبه عليه كما ذكر الله ذلك في غير موضع. فإنه سبحانه وتعالى بين من الآيات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وغير ذلك مما أرشد العباد إليه ودلهم عليه، كما بين أيضاً ما دل على نبوة أنبيائه، وما دل على المعاد، فهذه المطالب هي شرعية من جهتين: من جهة أن الشارع أخبر بها، ومن جهة أنه بين الأدلة العقلية التي يستدل بها عليهما، والأمثال المضروبة في القرآن هي أقيسة عقلية، وقد بسط في غير موضع، وهي أيضاً عقلية من جهة أن تعلم بالعقل أيضاً".

أما ما أثاره المتكلمون من أن النصوص تخالف العقول ? فقدموا العقل علي النقل لأن العقل عندهم أثبت من النقل الصحيح ; ; فعند التحقيق نقول : الأصل الثابت أنه لا يمكن أن يحدث في الحقيقة تعارض بين النقل الصحيح الصريح وبين العقل السليم...فإذا ورد ما يوهم هذا التعارض فهو أحد هذه الأمور:

-أن يكون النقل صحيحا ثبوتا و عقلا و الوهم إنما هو صادر عن فساد العقل الذي توهم التعارض ، أو إعماله في مجال لا يطيق إدراكه كالأمور الغيبية، مثلها الآيات و الأحاديث الواردة في الأسماء و الصفات كالاستواء والنزول و إثبات اليد و الوجه ،و نحن أهل السنة و الجماعة دستورنا في هذه المسألة الغيبية قوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى:11] .

 فقوله "ليس كمثله شئ" نفي الشبه بين الخالق و المخلوق رغم الاشتراك في المسميات ، و قوله "وهو السميع البصير" رد على المعطلة، فكانت قاعدتنا في الأسماء و الصفات: "إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف و لا تكييف و لا تشبيه و لا تعطيل"، و نفوّض المعنى و الكيف لله تعالى كما قال الإمام الشافعي "آمنت بالله و بما جاء به الله على مراد الله، و آمنت برسول الله و بما جاء به رسول الله على مراد رسول الله"، و قال ابن قدامة المقدسي في "لمعة الاعتقاد " (ص3) :" قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا . و إن الله يرى في القيامة .... و ما أشبه هذه الأحاديث : نؤمن بها ، و نصدق بها ، لا كيف و لا معنى...." و هذا عين العقل، ذلك أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره، إذ لا يمكن إعمال العقل في أمور هو غير قادر على تصورها، فالعقل يقر بوجود خالق أول و واجب الوجود غير حادث، لكن أن نثبت بالعقل صفات الله فذلك ممتنع عليه، و لا طريق إلى ذلك إلا من باب الرسالات و النبوات.

- أن لا يكون النقل صحيحًا، فهذا لا يصلح للمعارضة و لا أن يحتج به، وكثيرة هي الأحاديث التي وضعها الزنادقة من أجل إفساد الدين.

- وأحيانًا لا يكون التعارض، و إنما اختلاف في طريقة معالجة بعض القضايا، نضرب المثال بالجواب عن السؤال من خلق الله؟ فالوصفة الشرعية التي دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم هي التعوذ من الشيطان الرجيم ،كما في الحديث المتفق عليه " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" ،و لما سئل الرازي لِمَ لم يأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالبرهان المبين عن فساد الدور و التسلسل في اللانهاية؟ أجاب مثل هذا من عرض له كلب ينبح عليه ليؤذيه و يقطع عليه طريقه ، فتارة يضرب بعصا أو يستنجد بصاحب الكلب ، فالأول هو البرهان و فيه صعوبة و الثاني هو الاستعاذة بالله و هي أيسر.

فهذه أول قاعدة تميز أهل السنة والجماعة من غيرهم ، والسنة تجمع أهلها ، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً " ثم قال: فعليكم بسنتي " فعلاج الاختلاف في اتباع السنة ، لأن السنة واحدة لا تتعدد ، ولكن لو اتبعت عقلي وهواي ، وعقل شيخي وهواه ، وأنت اتبعت عقلك أو هواك ، أو هوى المعظم عندك ، والآخر كذلك ، والأهواء مختلفة ، والآراء مختلفة ، فلابد أن تفترق الأمة ، ولكن لو أنني قدمت كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كلام أي أحد ، وأنت فعلت ذلك لابد أن نجتمع لأن السنة واحدة لا تختلف .

لذلك يقولون أهل السنة والجماعة ، وأهل البدعة والاختلاف فالسنة: تُجَمِّعُ والبدعة: تُفَرِّق .

                          

القاعدة الثانية: رفض التأويل الكلامي

التأويل: يأتي بمعنى التفسير ، تأويل القرآن ، أي تفسير القرآن ، ومحاسن التأويل: أي محاسن التفسير ، والتأويل يأتي بمعنى ما يؤول إليه الأمر ، كما قال عزَّ وجلَّ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف:53] ، فالله عز وجل يخبرنا عن يوم القيامة ويخبرنا عن الجنة والنار ، فتأويل ذلك أن يحدث ما أخبرنا الله عز وجل به ، فهذا المعنى الثاني للتأويل وهو ما يؤول إليه الأمر .

أما التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه .

لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله كذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر ، وما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين ، إلا بالتأويل ، فالتأويل كان باب شر عظيم جداً للأمة ، فظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه ، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد.

فرفض التأويل الكلامي من السمات البارزة للمنهج السلفي في الاستدلال، وهذا يعني الأخذ بظاهر مسائل الاعتقاد.

وظاهر النصوص ما يتبادر منها من المعاني بحسب ما تضاف إليه وما يحتف بها من القرائن.

والواجب في النصوص إجراؤها على ظاهرها بدون تحريف.

فإن كان الله أنزله باللسان العربي من أجل عقله وفهمه، وأمرنا باتباعه، وجب علينا إجراؤه على ظاهره بمقتضى ذلك اللسان العربي، إلا أن تمنع منه حقيقة شرعية.

ولا فرق في هذا بين نصوص الصفات وغيرها، بل قد يكون وجوب التزام الظاهر في نصوص الصفات أولى وأظهر، لأن مدلولها توقيفي محض لا مجال للعقول في تفصيله.

قال تعالى: ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) [الشعراء:192-195] وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف:3] و قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [لأعراف:3] وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق. فاتفقوا على أن لله تعالى حياة وعلماً وقدرة وسمعاً وبصراً حقيقة، وأنه مستو على عرشه حقيقة، وأنه يحب ويرضى، ويكره ويغضب حقيقة، وأن له وجهاً ويدين حقيقة لقوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ )[الفرقان: من الآية58] وقوله:( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: من الآية29] وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طـه:5] وقوله:( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )[المائدة: من الآية54] فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها، وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى بلا تحريف ولا تمثيل.

فساد ترك الأخذ بظاهر النصوص في العقائد:

والذين يجعلون ظاهر النصوص معنى فاسداً فينكرونه يكون خطؤهم على وجهين:

الوجه الأول: أن يفسروا النص بمعنى فاسد لا يدل عليه اللفظ فينكرون لذلك، ويقولون: إن ظاهره غير مراد.

مثال ذلك: قوله تعالى في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي) .(6)

قالوا: فظاهر الحديث أن الله يمرض ويجوع ويعطش وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول: لو أعطيتم النص حقه لتبين لكم أن هذا المعنى الفاسد ليس ظاهر اللفظ، لأن سياق الحديث يمنع ذلك فقد جاء مفسراً بقول الله تعالى في الحديث نفسه: (أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، واستسقاك عبدي فلان فلم تسقه). وهذا صريح في أن الله سبحانه لم يمرض ولم يجع ولم يعطش وإنما حصل المرض والجوع والعطش من عبد من عباده.(7

الوجه الثاني: أن يفسروا اللفظ بمعنى صحيح موافق لظاهره لكن يردونه لاعتقادهم أنه باطل وليس بباطل.

مثال ذلك: قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طـه:5] .

قالوا: فظاهر الآية أن الله علا على العرش، والعرش محدود، فيلزم أن يكون الله سبحانه وتعالى محدودا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول: إن علو الله تعالى على عرشه -وإن كان العرش محدوداً- لا يستلزم معنى فاسداً فإن الله تعالى قد علا على عرشه علواً يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل علو المخلوق على المخلوق، ولا يلزم منه أن يكون الله محدوداً وهو علو يختص بالعرش والعرش أعلى المخلوقات، فيكون الله عالياً على كل شيء، وهذا من كماله وكمال صفاته فكيف يكون معنى فاسداً غير مراد؟! (8)

وقد يجتمع الخطأ من الوجهين في مثال واحد، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا، بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ).(9)

فقالوا على الوجه الأول: ظاهر الحديث أن قلوب بني آدم بين أصابع الرحمن فيلزم منه المباشرة والمماسة وأن تكون أصابع الله سبحانه داخل أجوافنا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

وقالوا: على الوجه الثاني: ظاهر الحديث أن لله أصابع حقيقية والأصابع جوارح وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول على الوجه الأول:

إن كون قلوب بني آدم إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة لا يلزم منه المباشرة والمماسة، ولا أن تكون أصابع الله عز وجل داخل أجوافنا، ألا ترى إلى قوله تعالى: )َالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[البقرة:من الآية164] فإن السحاب لا يباشر السماء ولا الأرض ولا يماسهما.

ويقال: سترة المصلى بين يديه وليست مباشرة له ولا مماسة له.

فإن كانت البينية لا تستلزم المباشرة والمماسة فيما بين المخلوقات فكيف بالبينية فيما بين المخلوق والخالق الذي وسع كرسيه السماوات والأرض وهو بكل شيء محيط، وقد دل السمع والعقل على أن الله تعالى بائن من خلقه، ولا يحل في شيء من خلقه ، ولا يحل فيه شيء من خلقه وأجمع السلف على ذلك.

ونقول على الوجه الثاني:

إن ثبوت الأصابع الحقيقية لله تعالى لا يستلزم معنى فاسداً وحينئذ يكون مراداً قطعاً، فإن لله تعالى أصابع حقيقية تليق بالله عز وجل ولا تماثل أصابع المخلوقين، وفي صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأراضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر. ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67] هذا لفظ البخاري في تفسير سورة الزمر  .(10)

فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال أنه غير مراد ؟؟ (11)

فإن قيل إجراء النصوص على ظاهرها في باب الصفات فيه تشبيه الخالق بالمخلوق فلزم ترك الظاهر وإثبات معاني يقبلها العقل وتتجنب التشبيه.

والجواب: هذا باطل من وجوه. فتوهم المشابهة والمماثلة ثم نفى ذلك يتضمن عدة محاذير منها:

الأول: أنه فهم من النصوص صفات المخلوقين، وظن أن ذلك هو مدلول النص، وهذا فهم خاطئ، فإن الصفة التي دلت عليها النصوص تناسب موصوفها وتليق به.

وتمثيل الخالق بالمخلوق كفر وضلال لأنه تكذيب لقوله تعالى: )ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )[الشورى: من الآية11] ولا يمكن أن يكون ظاهر النصوص كفر وضلال. لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) [النساء: من الآية26] وقوله:( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا )[النساء: من الآية176] .

الثاني: أنه جنى على النصوص حيث نفى ما تدل عليه من المعاني الإلهية، ثم أثبت لها معاني من عنده، لا يدل عليها ظاهر اللفظ، فكان جانيًا على النصوص من وجهين.

الثالث: أنه نفى ما دلت عليه النصوص من الصفات بغير علم فيكون بذلك قائلاً على الله ما لا يعلم، وهذا محرم بالنص والإجماع ، قال الله تعالى: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [لأعراف:33].  الرابع: أنه إذا نفى عن الله عز وجل ما تقتضيه النصوص من صفات الكمال لزم أن يكون الله سبحانه متصفاً بنقيضها من صفات النقص، وذلك لأنه ما من موجود إلا وهو متصف بصفة، ولا يمكن وجود ذات مجردة عن الصفات فإذا انتفت صفة الكمال عنها لزم اتصافها بصفات النقص.

وحينئذ يكون من نفى عن الله تعالى ما تقتضيه النصوص من صفات الكمال متعدياً في حق الله تعالى، حيث جمع بين نفى صفات الكمال عنه، وتمثيله بالمنقوصات والمعدومات، بل قد يرتقي به الغلو في النفي إلى تمثيله بالممتنعات المستحيلات، ويكون أيضاً جانياً على النصوص حيث عطلها عما دلت عليه من صفات الكمال لله تعالى، وأثبت لها معاني من عنده لا يدل عليها ظاهرها، فيجمع بين النفي والتمثيل في صفات الله، وبين التحريف والتعطيل في نصوص الكتاب والسنة ويكون ملحداً في أسماء الله وآياته. وقد قال تعالى:(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [لأعراف:180].

وقال:(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت:40].(12)  

القاعدة الثالثة: الاستدلال بالآيات والبراهين القرآنية

قال الله عز وجل: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)[ الفرقان:33] ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -

ولم يفرق السلف في الاستدلال بين الكتاب والسنة.

فالسنة تبين الكتاب وتفسره، بل السنة خير تفسير يفسر به القرآن بعد القرآن، وقد يتوقف فهم مجمل القرآن على تفصيل السنة، وقد تأتي السنة بأحكام غير مذكورة في القرآن. فيوجب ذلك الأخذ بالكتاب والسنة جميعا دون تفريق بينهما، فكلاهما وحي من عند لله من حيث المعنى. وفي الحديث: (ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه).

والسنة أصل في الاستنباط قائم بذاته ثبت وجوب الأخذ بها في "النصوص الكثيرة جدا الواردة في القرآن التي تدل بصورة قاطعة على لزوم اتباع السنة والالتزام بها واعتبارها مصدرا للتشريع واستفادة الأحكام منها. وقد جاءت هذه النصوص دالة على ما ذكرنا بأساليب متنوعة وصيغ مختلفة: فهي تأمر بطاعة الرسول وتجعل طاعته طاعة لله، وتأمر برد المتنازع فيه إلى الله والى الرسول أي إلى كتابه وسنة نبيه وتأمر بأخذ ما يأتينا به الرسول والابتعاد عما ينهانا عنه، وتصرح أن لا إيمان لمن لا يحكم رسول الله فيما يختلف فيه مع غيره. وتقول: ألا اختيار لمسلم فيما قضى به رسول الله وتحذر المخالفين لأمره من سوء العاقبة والعذاب الأليم".

قال تعالى: ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [الحشر: 7] وقال: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) [الأحزاب: 26] وقال: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) [الأحزاب: 6] وقال: ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) [النور: 54].

واتباع السنة واجب في الأصول والفروع، في العقيدة والعمل، في الظاهر والباطن لعموم الأدلة وإجماع الأمة. قال الشافعي: "أجمع العلماء على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس".

والسنة وحي من عند الله. قال تعالى:(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)[النساء: من الآية113] ولذا لا يجوز الاستغناء عنها بزعم الاكتفاء بالقرآن. بل من علم القرآن وجد فيه السنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [الحشر: 7]. وهي تبين القرآن (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [النحل: 44]. ويستحيل تعارض القرآن مع السنة الصحيحة، كما لا تتعارض السنة مع السنة بغير إمكان الجمع بتخصيص أو تقييد أو نسخ أو غير ذلك. والكتاب والسنة بمنزلة واحدة من جهة التشريع وإن كان القرآن يقدم تشريعا وتعظيما وفضلا فهو كلام الله.

ويجب تقديم الحديث على الرأي والقياس والعرف والمصلحة المرسلة وأقوال العلماء وأئمة المذاهب وعمل بعض الأئمة.

وأهل السنة لا يختلفون في ذلك كأصل وإنما يقع خلافهم في تطبيقه كثبوت الحديث صحة وضعفا، وعمومه أو خصوصه وإطلاقه أو تقييده، لكن لا يقدم عند أحد منهم قول أحد على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكلهم قال: "إن صح الحديث فهو مذهبي". أو نحوها.

ومصادر أدلة الأحكام الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهذه متفق عليها عند أهل السنة وما سوى ذلك فمحل اجتهاد بينهم مثل قول الصحابي والمصالح المرسلة والاستصحاب وغيرها.

وبالجملة قد "اجتمع المسلمون من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا على وجوب الأخذ بالأحكام التي جاءت بها السنة النبوية وضرورة الرجوع إليها لمعرفة الأحكام الشرعية، والعمل بمقتضاها، فما كان الصحابة ولا من جاء بعدهم يفرقون بين حكم ورد في القرآن وبين حكم وردت به السنة، فالجميع عندهم واجب الاتباع، لأن المصدر واحد، وهي وحي الله، والوقائع الدالة على إجماعهم كثيرة لا تحصى".(13)

وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم نقم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله فهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله .

                

  محمد عبد القادر، ملامح الفكر الإسلامي، ص 78 – 79 1-

  2- مجموع الفتاوى 13/29

  3- ص195 , ط دار السلام

  4- الاعتصام ص527 , ط دار ابن عفان

  5- ص207

  6- أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" 517  . و"مسلم" 6648

  7- تقريب التدمرية ص57

  8- تقريب التدمرية ص60

  9-أخرجه أحمد 2/168 و"مسلم" 8/51

 ) أخرجه البخاري 8 / 423 ، ومسلم (2786)10-

  11-تقريب التدمرية ص62

  12- تقريب التدمرية ص65

13-  الوجيز في أصول الفقه: د . عبد الكريم زيدان ص163