من يصنع التاريخ

د. عبد الإله المالكي

د. عبد الإله المالكي

إن من يكتب التاريخ ويتحكم في مساره هو المنتصر الذي رسم مخطط الانتصار وعمل على تنفيذه وصنع أحداثه وفرض على أعدائه واقعا مفروضا هيمن على كل آلياته , و هذه من أكبر مكونات النصر. والتاريخ لا يكتبه المهزوم القابع بذل وهوان وجبن واستسلام تحت ما تأتي به الرياح بذات منهزمة وقلب منكسر.

قال ابن الرومي :-

 قصرت أخادعه­¹ وغاب قذاله²          وكأنه متربص أن يصـفعا

 وكأنما صـــفعت قفاه  مرة           فأحــس ثانية لها فتجمعا

إن أصحاب الهمم الشماء لا تنكسر نفوسهم إذا خسروا معركة , فالحرب عندهم معارك وسجال فإذا هُزموا في معركة يقوى عودهم وتشحذ عزائمهم ليربحوا معارك ، لان الخسارة الفعلية هي خسارة العزائم والهمم فإذا كانت صلبة وشامخة لا تؤثر فيها النتائج مهما كانت سلبيتها فهي تعاود الكره تلو الكره ، ومن النادر إلا تنجح في مبتغاها لان أعدائها غالبا لا تكون لهم القدرة على مقاومة الإصرار على النصر، وفى اغلب الأحيان يكون النصر ساحقا و نهائيا وحاسما لان مصدره هذه العزائم الصلبة و الهمم العالية التي تناطح السحاب.

و المسلمون حين كانوا يتمتعون بهذه العزائم الصلبة والهمم العالية سادوا العالم , ولم يخسروا أي  حرب حسب ما أثبته المؤرخون، وإنما خسروا بعض المعارك ، وبهذه السيادة للعالم صنعوا أحداث التاريخ وتحكموا في مساره..

قال الشاعر علي الجارم:

 كانوا رعاة جِمالٍ قبل  نهضتهم          و بعدها ملئوا الآفاق تمدينــــا

إن كبرت بأقاصي الصين مئذنةٌ          سمعتَ في الغرب تهليل المصلينـا

وهاهم اليوم خسروا معركة السيادة على العالم ليتركوها لليهود إلى حين، وبهذا النصر الجزئي صنع اليهود في الخفاء أحداث العالم وتحكموا في مصيره وتاريخه وحق لهم ذلك لأنهم سلكوا الطرق الصحيحة المرتبطة بهندسة الكون- وإن كانوا على ضلال-  لأن السنن الكونية تخدم كل من يتبع نظامها ، ووحده الخالق جل جلاله هو الذي يتحكم في خرقها عندما تتهيئا أسباب الخرق التي بها تتغير موازين القوى في نظام الغلبة قال تعالى : (  كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ... ) { البقرة : 249 } ، وقد وصل اليهود إلى سيادة العالم , وربحوا المعركة ضد المسلمين ، ومن الأسباب الذي أدت إلى هذه النتيجة هو عدم مشاركة المسلمين في هذه المعركة فقد كانت من طرف واحد نتيجة التكتيك الحربي الذي اتبعوه عندما غيروا ارض المعركة , وغيروا أسلحتها من تقليدية إلى سلمية صامته وناعمة ولكنها ذات دمار شامل لكل مقومات الحياة، وبهذا التمويه الاستراتيجي هيمنوا على البلاد والعباد، والآن ظهرت المؤشرات التي تنبأ بأن الجولة القادمة - إن شاء الله - ستكون لأهل الإسلام ، قال تعالى: ( وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) {أل عمران : 140 }

فأصحاب العزائم والهمم العالية والرواد والقواد بدأوا في التمركز في أرض المعركة لإعادة صناعة التاريخ وصناعة أحداثه وصناعة الرجال الفاعلين في عملية البناء الانقاذي للبشرية ، وقد داهموا الأعداء ودخلوا عليهم من أبواب الأسوار العتيدة التي كسرتها كتائب الاستطلاع الأولّى من ثورة الشعوب والذين كانوا يمثلون قطر السيل الذي سيشتد عوده بالوعي والتأطير والتخطيط ليتحول إلى سيل جارف للمشروع الافسادي ومخططاته المدمرة وجنوده المخترقين ، وسيعيدون كتابة التاريخ بأحرف مشعة بأنوار العدل والرخاء والتحابب والتآلف والإقساط لبني البشر بكل فئاتهم ، لهذا كان لزاما على كل وطني حر أن يدعم رجال الإصلاح البعيدين عن دائرة الاختراق الغربي لأنهم أمل الأمة في إنقاذها من براثن الاستعمار وإرجاع سيادتها الحقيقية على كل مقومات حياتها التي فقدتها بالكامل طيلة عقود من الزمن ، وهاهي صناديق الاقتراع على الأبواب وهي تمثل فرصة تاريخية نادرة ، يتمكن فيها كل وطني غيور على بلاده ودينه وأمته من أن يرجح كفة المصلحين على كفة الاستعمار وجنوده المخترقين ضحايا مصادر التلقي والتوجيه المعلوماتي ، والذين نهيب بهم وبذكائهم وفطنتهم أن يفارقوا مواقع الاختراق الغربي ويعودوا إلى رشدهم ووطنيتهم، ويعيدوا قراءة تاريخ الأيديولوجيات التي أوقعهم اليهود في شراكها وجعل منهم جنودا لمشروعه الافسادي التلمودي الماسوني من حيث لا يشعرون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.