أمل من عام 2015

أين أنت يا أماه ..

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

زهير سالم*

[email protected]

كلما امتد الزمن بالثورة السورية ، وأثبت القابضون على الجمر من حاملي لوائها صدقا ومضاء وثباتا ووفاء فكانوا بحق بين من قضى نحبه وبين من ينتظر ؛ أمعنت مخالب المكر وأنيابه في أديم هذه الثورة تمزيقا ونهشا مع محاولات لا تنقطع للتشويه والحرف والاستيلاء والاستلحاق وفرض الوصاية وادعاء التمثيل ، يقوم بها بعض من كان عَفَناً على وجه رغيف بشار الطري وأبيه من قبله على مدى عقود ...

وكلما امتد الزمن ، وأمعنت قوى الشر في مكرها وكيدها ، ازداد الوضع في سورية تعقيدا ، وازدادت المخرجات ، ذات المدخلات المفتعلة ، إثارة للذعر وللخوف أو لليأس والإحباط ، فاشتدت حلكة الظلام ، وتكاثفت أطباقه بين قتل وانتهاك وتشريد وتدمير فحار الحليم ، وتشابهت الأمور على الحكيم ، وبلغت قلوب الكثير من الناس الحناجر فراحوا يظنون بالثورة ومشروعها ورجالها وقياداتها الظنون ..

في مثل هذه الليلة الظلماء يفتقدك أبناؤك يا أماه ...!!!

في حلكة الظلمة هذه ، ووسط كوابيس (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ... )) ، الفقر بكل ألوانه ودركاته وتلبساته ؛ يلتفت القابضون على جمر هذه الثورة حولهم يفتقدون ( أمّاً )عرفوها ، وعهدهم بها ملء السمع والبصر ، وهم ما زالوا يأملون ويتوقعون وينتظرون ، يزيد من بلابلهم أن يفقدوها وقد جد جدهم وحزب أمرهم ، وهم كلما ضاق موقفهم تذكروها ليس بعد نسيان ، ونادوا عليها وقد تعودوا منها عند كل نداء إجابة ، تسمعهم اليوم يتخافتون بينهم اليوم : ما لك يا أماه ... قد صرفتك عنا الصوارف ، وشغلتك عنا الشواغل ، حتى كدنا أن نكون كالغنم المطيرة في الليلة المظلمة الشاتية غاب عنها راعيها ...

لعلك يا أمُّ قد نسيت دورا كنت دائما الأولى به ، والأقدر والأجرأ عليه ، أو لعلك تثاقلت عن فريضة حق عليك القول في البدار إليها ، وأداء حق الله ثم حق أبنائك وحق من أحسن فيك ظنا فيها ..

أنسيت يا أم ..أنذكرك ومنك تعلمنا أن التصدي للظلم والظالمين هو سر وجودك ووجودنا ، وجوهر مشروعك ومشروعنا منك تعلمنا : اعرفوا أنفسكم ، لتدركوا غاية الوجود وسر المهمة وحقيقة الدور و سمو الرسالة وعلو المكانة . ألست أنت التي كنت ترددين على مسامعنا مبتداكم من إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ومنتهاكم (( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )) ؟! ألست أنت التي كنت تعلمين: رصيدكم ليس ما يكون في خزائنكم أو يقع في أيديكم رصيدكم هو الإرادة والقدرة والحكمة المفتوحة على المستقبل بإتقان كل ما قيل له كن فكان.

نذكرك يا أم يوم كنت تأكدين : مدوا الصوت حين ترفعونه بالنداء ( يا سامعين الصوت ) وانتظروا أن يجيبكم كل من أجاب أباكم إبراهيم .. مدوا النداء وتيقنوا أنه ستتردد أصداؤه ليس في نوى والشيخ مسكين ودرعا وحوران والغوطة ودمشق وحمص وحماة وحلب وإدلب واللاذقية وطرطوس ودير الزور والرقة والقامشلي والحسكة وعين العرب فقط بل تمتد أصداؤه ليتجاوب معه كل من كان على محور ( طنجة – جاكرتا ) من القاهرة إلى الرياض ومن الرياض إلى الرباط ومنها إلى بغداد فاسطنبول ومن وراء اسطنبول إلى كل مدينة أو بلدة أو قرية أذن فيها مؤذن بنداء : الله أكبر .

ماذا دهاك اليوم يا أماه أأعيد عليك حديثك أم تعيدنه عليّ في ليالي القتل والموت والجراح والتشرد والجوع والصقيع ، في مثل هذه الليالي يأرز الأطفال بصدور الأمهات ويلتفت أبناؤك فإذا هم أضيع من الأيتام على مآتم اللئام ترين وتسمعين وكل العجب أنك لا تبالين ..

يا أمُّ كنت دائما ترددين : إن حلاوة كلامك وطلاوة بيانك ليس مادة للخداع ، ولا مرتقى للغرور ولا هو مجرد إنشاء يزخرف لاستمالة العقول والقلوب ، كنت تقولين الحقائق الجميلة يجب أن تزدهي بالثوب الجميل وتصرين على أن جمال المظهر والمخبر هو المدخل للعمل الدؤوب ، والجهد المثمر ، جهد يقوم على كواهل رجال كنت تربين أبناءك على آثارهم ، أتذكرين حديثك عن عمر يوم رفد قائده عمرا بأربعة رجال فقط بأربعة رجال ، تحكين الحكاية وأنت تبتسمين كل رجل بألف وهكذا يجب أن تكونوا هكذا كنت تصرين ..

أعوام أربعة ولت ووليت معها وتركت الذين أحبوك وارتضوك وسط العتمة والبرد والريح !! أفي مثل هذه الأعوام تغيبين ؟! أهكذا تدسين رأسك في حفنة رمل كأنك ما كنت ولا صرت ولا حملت ولا ولدت ولا ربيت ولا علمت ولا أدبت ولا قدمت ولا ضحيت ...!!

تهمسين : إنهم - أبناؤك - قد خذلوك وهاهم مع إطلالة العام الجديد على عتباتك ينشجون ..

ينادون عليك نحتاجك اليوم والليلة والعام يا أم ... نحتاج أن نراك واثقة بأمومتك شاغلة مكانتك آمرة ناهية ، مرفوعة الرأس وضاحة الجبين .. وكلنا آمل ونحن على أبواب العام الجديد أن تصحو أمنا من غيبوبتها ، وأن تعرف من جديد نفسها ، وأن تثق بمكانتها ثقة تتعدى إلى ثقة بأبنائها وأن تعيد فرد على فضاء الشام جناحيها ...

يأمل الثوار أن يروا أما حقيقية تظللهم وتطرد عن فضائهم أشباح كل المزيفات والمزيفين ..

يأملون .. ونأمل .. وليس على الآملين حرج ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية