نحن من علّم الغربَ احترامَ المرأة

إحسان الفقيه

أؤمنُ بإسلامي أشدّ الإيمان ولا أتحفّظ على أيٍّ من ثوابته القطعيّة

ولم ولن أُنكر يوما ما ثبتَ حكمه في الشرع..

فالتدين الصادق والالتزام الحقيقي يفرض عليّ أن أستسلم لهذه الثوابت والأحكام. وهذا لا يعني أننا (ملائكة) لا نخطئ او لا نُقصّر، بل نحن بشر فينا من القوّة ما فينا من الضعف، وفينا من الثبات ما فينا من قلّة الصبر؛ مما نعترف به ونسأل الله لنا ولكم المغفرة.

 لكن من غير المقبول أن ننتسب لهذا الدين ونعتدي على ثوابته وقطعيّاته ونُبرّر أخطاءنا بفتاوى دخيلة لإشباع شهواتنا أو إرضاءً للخصوم في غربٍ فاغر فاه لقضمنا، وفي شرق يضمّ بعض أقوام يظنّون أن الهويّة -هويّتنا نحن كمسلمين- هي سبب انحدارنا وتخلّفنا (عبيدا تبعا) في آخر الركب الإنساني.

وهنا يحضرني ما ذكر عن شيخ الأزهر الأسبق العلامة محمود شلتوت الذي كان مُدخناً، ولما سألوه عن حكم التدخين أفتى بالحُرمة فلم تمنعه معصيته من أن لا يفتي بالحق ولم يبرر الحرام رغم قدرته الفقهية.

الغرب والمتأثرون به يفتعلون "مظلومية" للمرأة المسلمة، ويزعمون أن الإسلام ينال من كرامتها وعقلها وحريتها وأنها أسيرة هذا الشرق المُتخلّف، ولذلك فلا بد من تحريرها وتطبيق النموذج الغربي -حسب زعمهم. بينما الغرب يكاد يُحطم أرقام غنيس في حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسي والإدمان والإجهاض وأبناء السفاح والطلاق والشذوذ الجنسي وزنا المحارم والتفكّك الأسري والأمراض النفسية والقتل والانتحار.

.

وظهرت إثر ذلك تحرّكات نسائية مثل (حركة كل نساء العالم)، التي طالبت بإعادة المرأة الى دورها الحقيقي كأم وزوجة ومربية وفاعلة ولتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الغربي.

والحقيقة إن الإسلام قد جاء بالعدل المُبين بين الذكر والأنثى، وليس المساواة الظالمة. وجعل لكل منهما دوره الذي يناسبه ويكمّله ضمن ضوابط ممكنة تحفظ تناغم الحياة وسلامة المجتمع والتوازن العقلي والروحي والعاطفي للمرأة.

وهنا يجب أن نفرق بين الإسلام باعتباره (القرآن وصحيح السنة وإجماع الأمة) وبين أقوال الفقهاء واجتهاداتهم الخاصة. وهو ما يعني إن ليس كل ما يقوله الفقهاء هو حجّة على الدين، فقد يجتهدون ويخطئون لأسباب عديدة.

 والمذاهب الفقهية فيها الراجح والمرجوح.. فوجود قول فقهي مخالف للنصوص الصحيحة لا يعني أن تُتخذ وسيلة للطعن فيه، بل هو مجرد اجتهاد يُعذر صاحبه، ولا تصحّ الانتقائية في تتبع الثغرات في التراث الإسلامي وتهويلها والتباكي عليها كما يفعل صغار المثقفين من (أدعياء العلم والعقلانية).

فمن المفترض أن أي ثغرة نعالجها بالاحتكام السليم للقرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمة، وحسب القواعد العلمية في الاستنباط والاستدلال؛ وهذا لأهل التخصص والمعرفة وليس للعابثين والمتطفلين على موائد العلم والشريعة. فنحن نأتمر بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم فيما يخص العلاقة بين الرجل والمرأة، ولا يضرنا مواقف الغرب ولا الأمم المتحدة ولا حقوق الإنسان، فالذي نطيعه هو خالقنا وأعلم بنا ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا وله نسمع ونطيع.

..

فالإسلام جعل بِرّ ولدي بي مقدّما ثلاثا مرات على أبيه الرجل، وجعلني طريقاً لأبنائي إلى الجنة، وجعلني ستراً لوالدي من النار وجعلني في قرآنه سكناً وراحةً للزوج. وقد خصنا الله في قرآنه بسورة اسمها "النساء" دون الرجال..

هذه أم المؤمنين خديجة من أوائل المؤمنين برسول الله وبذلتْ مالها ونفسها لنصرة الإسلام. وعائشة الطاهرة  كانت مَدْرسة لتعليم الصحابة الفقه والطب والشعر والتاريخ.

والصحابيه (أم عمارة) جاهدتْ بسيفها بجانب النبي عليه الصلاة وأتمّ التسليم وتلقّت عنه سيوف الكفر..

وهذه الصحابية هند بنت عتبة التي منحها عمر ابن الخطاب قرضاً ميسرا لأغراض السفر والتجارة ..

.

نعم .. إنه الإسلام بحقيقته وجوهره الذي احترم المرأة وأكرم أنوثتها، وطوّقها بالفضيلة والعفّة، ومنحها مكانتها وحقوقها، ورسم لها ضوابط مُحْكمة لتنال خير الدنيا وعظيم ثواب الآخرة.

فلنحذر حِيل الغرب الخرِب، وأقول خرِب لأنه كذلك على الحقيقة ولستُ أدّعي .. ولنحذر ماديّته الجشعة وتشوهّاته المتوحشة وشهواته المتعطشة وانحرافاته المتشيطنة.

نحن من علّم الأروبيين احترام المرأة وحقوقها يوم كنّا أسيادا نحكم الأندلس ونبني حضارة إنسانية إسلامية، لكن الغرب رغم تقدّمه التكنولوجي والصناعي أساء للمرأة وجرّدها من جوهرها ودورها الطبيعي ونحن تخلّفنا عن ديننا، وضعنا بين عادات بالية وتقليد أعمى للغرب. وقد صدق المفكر الفرنسي (مارسيل بوازار) بقوله::

 إن الأندلس المسلِمة هي من علمتْ أوروبا المسيحية احترامَ المرأة.

*ملاحظة:

في المرات القادمة سنذكر شخصيات نسائية مغمورة وبشكل مفصّل في تاريخنا الإسلامي ممن أغفل ذكرهنّ الباحثون ..