ثورات المشرق لن تنسينا المغرب

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

[email protected]

وتستمر ثورات المشرق العربي متصاعدة، وبخاصة في اليمن وسوريا. ثورات سلمية من ناحية الشعوب، دموية من ناحية النظم الباغية المستبدة. فكل يوم فضلاً عن أيام الجمع، يتم التسابق علي إحصاء عدد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الذين يسقطون علي يد قوات جيش وأمن النظامين اليمني والسوري وبلاطجتهما وشبيحتهما. فيما بات التعاون والتنسيق بينهما علي قدم وساق. وتجلي فيما جاء في وكالات الإعلام من عملية فدائية أودت بعدد من الطيارين السوريين، الذين يقومون بقتل الشعب اليمني المسالم والمطالب كنظيره السوري بالحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية.  ولا مراعاة لمبادرة خليجية ولا لمهلة عربية، ولا لزيارة وفد الجامعة العربية ولا غيرها.

نري ونتألم ونحزن ونجأر بالشكوي إلي الله تعالي من سيل الدماء الشريفة لأشقائنا في البلدين في حمص ودرعا وحماة وإدلب، والقامشيلي والبوكمال، وتعز وصنعاء وعدن والحديدة وأرحب وغيرها. دماء ذكية طاهرة تسفك علي مذابح العصابات الحاكمة، التي أستبدت (بنفسها وأخوتها وأبنائها وأقاربها) بالتحكم في رقاب البلاد والعباد. يحكي القرآن الكريم: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الزخرف:51).

علي أية حال.. كل هذا وغيره لا يجب أن ينسينا ما يحدث في المغرب (المغرب، وموريتنانيا، والجزائر) من انتفاضات مكتوم أمر بعضها ومعلوم غيرها، وبخاصة أنتفاضة الشعب المغربي الشقيق. إن المتابع للشأن المغاربي ليجد الأضواء تخفت قليلا ، منشغلة ـ ولها الحق بسيل من الدماء في اليمن وسورياـ عن تسليط الضوء عن مشكلة من أهم مشاكل الشباب المغربي، وبخاصة هؤلاء الشباب المتعطلين عن العمل من حملة الشهادات والمؤهلات وإلإجازات العليا.

وإذا كانت مطالب الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وغيابها وراء ثورات تونس وليبيا مصر واليمن وسوريا. فإنها تبدو واضحاً أيما وضوح لدي الشعب المغربي الشقيق. وإن كان "محمد البوعزيزي" في تونس مات حرقا، وكمدا من إهانة كرامته كونه يحاول ان يتحصل علي قوت يومه بطريق شريف وقد اقعدوه وأمثاله عن العمل المناسب. فمثل "البوعزيزي" ألالاف مؤلفة من الشباب المغربي الحاصل علي شهدات عليا ومتعطل عن العمل . وتمضي سني عمره دون أفق أو أمل في حياة كريمة. هناك "فدوى العروي" وغيرها من خيرة شباب المغرب.

بالأمس القريب توقفت أمام نقل وسائل الآعلام لمقتل "كمال الحسايني" عشية وقفة إحتجاجية عبر بها هؤلاء الشباب في إنتفاضة 20 فبراير، عن معاناتهم من التبطل. ولقد كان "كمال" تاسع تسعة قتلهم عملاء النظام. فخمسة أفراد أحرقوا وقيل انهم "تعرضوا للحرق داخل احد البنوك". السادس "كريم الشايب" التلميذ الذي انهالت عليه قوات القمع بالضرب الى ان مات في بداية مظاهرات حركة 20 فبراير. والسابع "كمال عماري" ـ الحاصل على شهادة الاجازة في الفيزياء ومعطلاـ التي قضي تحت الضرب واصيب بجلطة دماغية وهناك مشاهد فيديو تصور آخر لحظات حياته. ثم تتواصل رسائل أستنزاف إحتجاجات الشاب بقتل "محمد بودروة" الحاصل ايضا على الاجازة واثناء اعتصامه باحدى الوكالات للتشغيل داهمهم البوليس واُسقط من فوق البناية. وهناك من يقبع بالمستشفى كاحد المعطلين اللذين سقطوا من بناية نيابة التعليم وهو يعاني من كسور مختلفة. هذا فضلاً عن الكثير من المعتقلين اهمهم "معاد الحاقد" المنتج لاغاني تعبر عن معاناة هؤلاء الشباب.. واجه التعبير عن الظلم والفساد في المجتمع المغربي. ولا يختلف الأمر كثيرا في المجتمع الموريتاني والجزائري الشقيق، ومعاناة شبابهما، أيما معاناة.

ونعيد تأكيد القول: لماذا يكون لأبنائهم المُلك، وقصوره، ومنتجعاته ويخوته، ولأبنائنا ـ شركاء الوطن الصالحين المُصلحين ـ الفقر والمرض والشتات واللجوء والموت وقواربه؟؟. لقد باتت أغلي أماني أولادنا أنْ تغرق بهم ـ مرة بعد مرة بعد مرة ـ قوارب الموت القديمة التي تلقي بهم أمام شواطئ أوربا. لقد فعلوا كل ما بوسعهم ـ تعلماً وتعليماً، قدرة ومُقدرة، كفاءة ومهارةـ يلقون حتفهم ـ يأساًـ في "قوارب الموت" بحثاُ عن "فرصة عمل".

ما أقسي أن تجاهد أسر من أجل تربية وتعليم أبنائنا وتأهيلهم للحياة، ثم يقبعون بجوارهم في البيت أو علي المقاهي، لا يجدون فرصة عمل لائق بمكانهم ومكانتهم. ثم نجد جدل المنافقين والمرتزقة والمنتفعين، وأعوان وعلماء السلطان في تحديد نسبة البطالة هل هي: 16% او  20% أم 30% من طاقة العمل. إن حالة تبطل واحدة كآلاف الحالات من البطالة.. سُبة وعجز عن القيام بالمسئوليات في دول ليست فقيرة بمواردها ودخلها القومي العام.

ليس أقسي علي أسر أن تبلغ بناتها الثلاثين والأربعين ولا تجد زوجاَ(وأنّي له زواج وهو لم يجد عملاً)، ولا تحقق كينونتها في بناء أسرة وإنجاب أطفال. ثم نجد جدل المنافقين والمرتزقة والمنتفعين وأعوان وعلماء السلطان في تحديد نسبة العنوسة هل هي: 16% أم  20% أم 33% من سن الشباب الصالحين والصالحات للزواج. إن ارتفاع معدلات العزوبة والعنوسة والطلاق والجريمة والمخدرات والعنف الاجتماعي والذي بلغ معدلات ـ كما وكيفاً وتنفيساُ عن غضب عام ـ غير مسبوقة لسُبة وعجز عن القيام بالمسئوليات في دول ليست فقيرة بمؤسساتها وعلمائها واختصاصيها ودراساتها العلمية الوافرة.

أن أقواماً يقودهم الجهلة والفاسدون المُفسدون..أعداء ومحتقري شعوبهم، ويزج بالأكفاء والأمناء علي أوطانهم،  وراء القضبان الصدئة، وفي الزنازين القذرة وتعطل قواه البشرية لمعرضون لكل الهزائم والبلايا والأرزاء. دول فاشلة تنهار، خاوية علي عروشها، قاعاً صفصفاً تذروه الرياح، تسخر من أمكانية تحقيق" اكتفاء ذاتيا"حتى في محاصيل برعت في زرعتها منذ سبعة آلاف عام.

لقد نهضت بلدان عديدة من لا شيء. أما هم فقد حظوا أعلي العلامات، ليس في سلم التعليم والبحث العلمي والمكانة الجامعية، أو حتى في مجال المسابقات الرياضية بل في جداول الفساد والإفساد، والفقر والإفقار، ونسب التشريد والتشتيت واللجوء وهجرة العقول والكفاءات، وتكريس التخلف والارتهان والتبعية (فمن لا يملك قوته لا يملك قراره).

لماذا لأبنائهم صولجان المُلك، وأبهة السلطان، ولأبنائنا ـ شركاء الوطن، الأسوياء، الصالحين المُصلحين ـ عصا الذل، ومهانة الحرمان؟؟. لماذا احتكروا و"اغتالوا حلم" الأبناء.. الأكفاء الأقوياء الأمناء:" قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص: 26)، بتبوء مكانهم ومكانتهم، ومساهماتهم ومشاركاتهم في الشأن العام؟.

لماذا كرسوا"عقم أرحام الأوطان" عن أن تنجب أمثال أبنائهم؟، ولماذا استباحوا الأوطان. كرسوا الحروب والفتن والفتنة والتفريق والتفتيت لتدمير نسيج المجتمعات والأوطان ليسهل السيطرة عليها. قزّموا الأوطان فجعلوها كضيعة تُـدار، وتتناقص من أطرافها كل يوم. لماذا لأبنائهم القرارات والتشريعات والامتيازات اللامحدودة، ولا خيارات لأبنائنا؟. فهم "محدودي الدخل" إن كان ثمة دخل لهم. لقد امتصت قرارات صندوق النقد والبنك الدوليين وأنياب الخصخصة دمائهم. إن أبنائهم ليسوا بأفضل من أبنائنا. فلسنا من ذوات الدم البارد، وهم من ذوات الدم الملكي الأزرق. وإن كانوا يحرصون علي مستقبلهم فنحن أكثر حرصا علي مستقبل أولادنا. شوهوا الماضي، ودمروا الحاضر، وباعوا المستقبل. إن مستقبل أولادنا لجحيم.

خلاصة القول: إنها جرس إنذار.. ستبقي الأوطان، وستبقي المواطنة والمساواة في الواجبات والحقوق، والعدل والعدالة، وحرية الاختيار، وإرادة التغيير، والشفافية والنزاهة. وسيبقي أهل هذه القيم والسُبل .. العقلاء المنافحون عنها قبل أن تغرق السفينة، فلا تبقي ولا تذر من أبنائهم وأبنائنا. ومهما حدث في مشرقنا العربي، فلن ننسي بحال مغربنا، فنحن أمة واحدة: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء:92).

تحية إلي كل شهداء الثورة العربية، ومن ينتظر.

تحية إلي كل جرحي الثورة العربي، ومن ينتظر.

تحية إلي كل معتقلي الثورة العربية، ومن ينتظر.

تحية إلي كل شعوب أمتنا العربية الإسلامية التي خرجت من القمقم ضاربة أروع الأمثلة والتضحيات من أجل الحرية والتحرر والكرامة والعدالة الإجتماعية.