عودة الوصال والوطن البديل

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

فسّر صحفي أمني من عهد لاظوغلي لقاء المجلس العسكري بقيادة دولة الكنيسة بأنه عودة للوصال الذي انقطع بين هذه القيادة والسلطة منذ سقوط الطاغية المخلوع ، وكانت العلاقات بين الطرفين في عهده سمنا على عسل ، وتمييزا للطائفة على حساب الأغلبية ودينها ومشاعرها .وراح الفتى اللاظوغلى يشيد بهذا اللقاء الذي  جاء موفقاً للغاية حسب زعمه فى اتجاه حل ما يسمى أزمة النصارى بعد ثورة يناير، ونجح فى رسم العناوين الكبيرة لهذه الأزمة تمهيداً لحلها بتناول المظالم المزعومة للطائفة ، ورأى الصحفي الأمني أن اللقاء  تمخض عن عدة قرارات مهمة من شأنها أن تعيد ثقة النصارى فى الدولة الجديدة، بعد الصعود السياسي الكبير لبعض جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، الأمر الذي جعل النصارى - من وجهة نظره – يديرون ظهرهم للمجلس العسكري ويظنون به الظنون، ويضيف الفتى اللاظوغلي أن ظنون النصارى بالمجلس العسكري كانت كثيرة، نجح اللقاء فى محو معظم آثارها، التي لم تكن خافية وأشعلت جذوتها مزايدات البعض على النصارى عند المجلس العسكري، جاء على رأسها أن معظم قيادات المجلس العسكري ينتمون إلى التيار الإسلامي، وهو أمر غير بعيد حسب قوله . ويؤكد صاحبنا أن أزمات النصارى فى طريقها للحل !

وأظن أن عامة الشعب يتمنون أن تحل مشكلات الوطن جميعا ، ومن بينها مشكلات النصارى إذا كانت لهم مشكلات حقيقية . ويبدو أن الفتى اللاظوغلي لا يرى إلا بعين أمن الدولة الذي كان ، حيث كانت الفزاعة الإسلامية هي التفسير الخالد (؟!) لكل مشكلات الوطن ، ومن ثم يؤكد صاحبنا أن الصعود السياسي الكبير لما يسميه جماعات الإسلام السياسي المتطرفة بعد الثورة هو سبب مشكلات السادة النصارى الصرب في قيادة الكنيسة الصربية المصرية !

تمنيت أن تكون للطائفة مظالم  حقيقية لأقف بجوارها وأدافع عنها ، كما أمرنا الإسلام الحنيف بإقامة العدل ، والدفاع عن المظلومين أيا كانت جنسيتهم أو معتقداتهم حتى لو كنا نكرههم . فال تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينه عن الفحشاء والمنكر والبغي .." (النحل :   ) ،وقال تعالى :" ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى .. " (    ) .

الصحفي الأمني لم يقل ما هي مشكلات النصارى بالضبط ، وتجاهل ما يفعله المتمردون الطائفيون منذ أربعين عاما حين تسلم القيادة الطائفية رئيس الكنيسة الحالي المشبع بروح جماعة الأمة القبطية الإرهابية التي ترى المسلمين غزاة ومحتلين أو ضيوفا حسب تعبير بيشوى ، وأن القرآن موضوع ، بالإضافة إلى ما يقال داخل الكنائس عن تحرير مصر من الغزاة المسلمين الذين يجب أن يعودوا إلى الجزيرة العربية ، مع ضرورة إلغاء اللغة العربية وإحياء اللغة القومية وهي اللغة الهيروغليفية على أساس أن النصارى هم أصل مصر ، وهو ما أعلنوه في جريمة ماسبيرو التي قتلوا فيها 66 جنديا عدا الجرحى والمصابين ، حيث كانوا يهتفون :" احنا أصل البلد دية " وارفع راسك فوق أنت قبطي !" .

هل مشكلات النصارى بناء الكنائس كما يزعمون ؟ لقد بنوا في عهد المخلوع ثلاثة آلاف ومائة كنيسة ، في حين أن الكنائس التي تم بناؤها في مصر على مدى أربعة عشر قرنا حتى عصر المخلوع لم تزد عن خمسمائة كنيسة ؟ ما معنى ذلك ؟ هل هي شهوة بناء كنائس لا يصلي فيها أحد ؟ أم هي الرغبة الشريرة في تغيير الهوية الإسلامية لمصر حيث تبني القلاع الكنسية في مداخل المدن والقرى ، وعلى الطرق السريعة والدائرية لإثبات أن مصر غير إسلامية ؟

هيا نقارن بين مساحات دور العبادة الإسلامية ودور العبادة النصرانية في العالم العربي ومصر ، والعالم .. لنعلم إلى أي مدى تتسامح مصر المسلمة .

تبلغ مساحة الفاتيكان وهو دولة بكاملها 158 فدانا ، بينما الحرم المكي 85  فدانا ، والمسجد الأقصى 34 فدانا ، والمسجد النبوي الشريف 24 فدانا ، والأزهر الشريف 2,85 من الفدان ..

وهاهي مساحة أهم الأديرة النصرانية في مصر المحروسة :

دير الأنبا توماس بالخطاطبة 220 فدانا ، دير أبو فانا بالمنيا 600 فدان ، دير الأنبا أنطونيوس – الزعفرانة بالبحر الأحمر 368  فدانا ، دير ماري مينا – برج العرب بالإسكندرية 600 فدان ، دير البراموس – وادي النطرون بالبحيرة 880 فدانا ، دير لأنبا بيشوي –وادي النطرون 1428 فدانا ، دير أبو مقار – وادي النطرون 2700 فدان ، ( بقية الأديرة : دميانة – المحرق ... وغيرهما لم تتوفر مساحتها الدقيقة ) . والسؤال : كم تبلغ مساحة المساجد في مصر والعالم العربي ؟ وكم تبلغ النسبة مع الأديرة وحدها دون الكنائس ؟

ثم ما هي المظالم الأخرى الخطيرة التي يشكو منها المتمردون الطائفيون الصرب في مصر العربية الإسلامية لنقف إلى جوارهم وندافع عنهم ؟ لقد امتنعوا بأمر القيادة الطائفية الصربية عن المشاركة في العمل السياسي ، وانصرفوا إلى تكوين المليارات ، وصناعة إعلام صربي طائفي يسب الإسلام والمسلمين ، ويشهر بالأغلبية الساحقة ( عيني عينك ) ويعدون ذلك حرية فكر !

يريدون أن يتخلى المسلمون عن إسلامهم تحت دعوى الدولة المدنية أي العلمانية بمفهومهم الخبيث ، وفي الوقت ذاته يعلن قائد التمرد الصربي أنه لن ينفذ حكما قضائيا يخالف الإنجيل ؟ وبالفعل رفض تنفيذ حكم قضائي نهائي في موضوع الزواج الثاني ، وقال لن : أخالف الإنجيل – بمفهومه هو – مهما كانت النتائج ، وانبطحت السلطة التي كانت لتوقف دستوريا تنفيذ الحكم !

هل نغير إسلامنا أو نخلعه ليرضى عنا المتمردون الصرب في الكنيسة المصرية ؟

الصحفي الأمني لم يقرأ تقرير مؤسسة راند الاستعمارية الصهيونية الذي أوصى بإقامة وطن بديل للنصارى يمارس فيه الصرب المصريون بناء وطن جديد يتوسع فيما بعد على غرار الأندلس الفقيد !

لقد طلبت مؤسسة "راند" على موقعها الإلكتروني من نصارى مصر إقامة دولة لتكون وطنا لمسيحيّ الشرق الأوسط جميعا، وخيرتهم بين ثلاث مناطق لإقامة هذه الدولة عليها، وهي: ( سيوة – سيناء – المنيا وأسيوط ).

وقالت المؤسسة- التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها- إنها سوف ترفع توصية بعد تحديد النصارى مقر الدولة المقترحة إلى الإدارة الأمريكية، التي عليها أن تضغط على الإدارة المصرية للموافقة على إنشاء هذه الدولة.

وبررت راند تأييدها لإقامة دولة للنصارى في مصر بأن الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية تتساقط واحدة بعد الأخرى، وأنها كانت تمثل بالرغم من تخلفها وديكتاتوريتها حماية ما للمسيحيين مقابل الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن الطبيعي، في أعقاب سقوط هذه الأنظمة أن يصبح ظهر المسيحيين في الشرق الأوسط عاريًا.

وحثت المؤسسة الاستعمارية الصهيونية، النصارى على سرعة التحرك في اتجاه بناء هذه الدولة مهما كلفتهم من تضحيات ودماء، بعد أن حذرتهم من أن الإسلاميين قادمون لحكم المنطقة، وأنهم إن لم يستطيعوا استغلال هذا الظرف (تقصد الثورات في المنطقة ) فإنه في حال الاستقرار سوف يتكلفون أكثر مما يخسرون الآن ؟!!

ما رأي الصحفي الأمني الذي يبشر بعودة الوصال بين المجلس العسكري والقيادة الصربية المصرية بعد أن برح الخفاء كما تقول العرب ؟

لقد دعت كندا إلى فرض حصار اقتصادي على مصر لأنها لا تحمي النصارى (الذين قتلوا 66 جنديا من جيشها ولم تشر إليهم بكلمة !) ،  ويوم الأربعاء 26 أكتوبر 2011 أدان البرلمان الأوروبي بالإجماع أحداث ماسبيرو التي وقعت مؤخرا، وأسفرت عن مقتل أكثر من 27 شخصاً وإصابة العشرات( لم يذكر شيئا عن جنود القوات المسلحة !)  وطالب الحكومة المصرية بوضع ضمانات لحماية الأقليات الدينية، وضمان حرية ممارسة شعائرهم الدينية. .وكثرت في مصر مقالات مزدوجي الجنسية والعاملين في الإمبراطورية الإعلامية الصربية ؛ التي تنوح على أحوال الصرب المعتدين قتلة الجيش وتطالب ببناء الكنائس بلا قيود ولا حدود ، وأصدر المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بنيويورك يوم الأربعاء26/10/2011م ، بياناً طالب فيه بدعم ومساندة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية فيما وصفته بأنه محنة عقب أحداث ماسبيرو.

المسألة ليست تمييزا ضد النصارى ، وليست اضطهادا لهم ، وليست مظالم مشروعة تعاني الأغلبية أضعافها، ولكنها تمزيق دولة ، وإقامة وطن بديل ، تعمل من أجله قوى الشر الاستعمارية الصهيونية ، وتضع الصرب المصريين في موضع قيادة الجريمة التي تقود البلاد والعباد إلى بحر الظلمات حيث لا مخرج ولا منجاة إلا برحمة الله!