حزب "النهضة"، ونهضة تونس

حزب "النهضة"، ونهضة تونس

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

[email protected]

النتائج الأولية لفرز الأصوات في أول انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي بتونس، بعد الثورة، تدعو للتوقف عندها، وتأمل مدلولاتها.

رغم عقود متطاولة من الإقصاء والتهميش والتشوية والتخوين والتخويف والإضطهاد والتشريد والتعذيب.. فازت حركة/ حزب النهضة الإسلامي بأفضل نتيجة، وتبوأت صدارة المشهد ما بعد الإنتخابات.

رغم عقود متواصلة من القهر والطغيان والإستبداد ، سياسة الضرب "بيد من حديد"، كانت الثورة. وجاء التحرر والحرية، وفازت "النهضة"(بأكثر من 50% من مقاعد المجلس التأسيسي).

وكم كنا، ومازالنا، سعداء ونحن نري ألوفا مؤلفة، وطوابير ممتدةـ رجالاً ونساء، (نسبة المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي فاقت الـ 90 % من الناخبين المسجلين في السجلات الانتخابية، وعددهم 4.1 مليون ناخب) متراصين ـ غير متكاسلين، ولا سلبيين، كي يدلوا بقناعاتهم.، ويحققوا خيارهم.. وقد كان في "النهضة". 

رغم عقود من سرقة تونس ونهبها وفسادها وإفسادها وإحتكارها رأي أغلبية التونسيون أن " الخلاص في النهضة".

رغم كل مظاهر "التجمل/ والتغني" بمعدلات نمو في حقبة المستبد الهارب. نعم أعلي معدلات "نمو رؤوس أموال السارقين والفاسدين والطغمة الحاكم البائدة". وها قد تبين أن غالبية الشعب التونسي، وبخاصة عموده الفقري.. الشباب/ المتعلم، المثقف، هم من المتعطلين الفقراء،المستنزفة مواردهم، المستلبة مقدراتهم، المسروقة ثرواتهم. وما "محمد البوعزيزي"، مفجر ثورة "تونس الخضراء" والعربة التي كان يعتاش منها ببيع الخضراوات عنها ببعيد. رغم كل هذا، وغيرهن يتطلع التونسيون لأيد غير ملوثة بدمائهم، لأيد غير ملوثة بسرقة مقدراتهم، لأناس ليس لديهم حسابات سرية مُهربة، وإحتكارات، وغسيل أموال، وممارسات غير مشروعة الخ.

رغم عقود من "الفرانكوفونية"، ومحاولات عابثة فاشلة عاجزة لإلحاق "تونس العربية الإسلامية"، "تونس الزيتونة" بركب فرنسا. هاهم التونسيون يستعيدون هويتهم العربية الإسلامية، وخير من توسموا فيه التعبير عنها "حركة النهضة الإسلامية".

رغم محاولات حثيثة، لم تكل ولم تمل، للجمهورية الأولي، ولحقبة "البورقيبية" في فرض "العلمانية" فرضا. والتلاعب وتغيير ثوابت من الشرع الإسلامي، وتهميش الجذور الإسلامية للشعب التونسي. عاد الشعب وقلب الطاولة، وطوي صفحة "جمهوريته الأولي"، لتولد الثانية من رحم الثورة. وليؤسسها كما يريد الشعب، لا كما فرضت عليه من قبل.

طويت صفحة دستورية سابقة من تاريخ تونس، وها هي تستشرف وضع دستور جديد، بروح الثورة، "عيش، حرية ، كرامة أنسانية". ورأت في "حزب النهضة" من سينهض بعبء كبير في وضع هذا الدستور الجديد. فسلمت الأمانة لمن تظن أنه "مؤتمن عليها".

بعد عقود في المعتقلات الداخلية، والمنافي الخارجية. مقتولين، مُعذبين، مطاردين، ملاحقين، هاهم "أصحاب النهضة" يعودون ليتحملوا المسئولية. ولا يقول قائل: إن هذه الكلمات والسطور تصنع "دكتاتورية جديدة". كلا وألف كلا، فبعد الثورة التونسية الرائدة لم يعد الزمان هو الزمان، ولا المكان هو المكان، فاقد انتزع الشعب حريته، وحسم قراره، وحدد مصيره، وملك زمام أمره، وعينه شاخصة مراقبة محاسبة. إن حركة يقودها الشيخ "راشد الغنوشي"، و"أخوته"، نحسبهم، وقد ذاقوا ما ذاقوا، بعيدين عن "صناعة الدكتاتورية" التي عانوا منها ما عانوا. لقد كنا، ومازلنا، نسمع ونري، الرجل/ المنفي/ المطارد/ الملاحق لايكف، وهو بحماسة الشباب، عن التعبير عن الثقة بنصر الله تعالي لتونس علي مغتصبيها. متطلعا، وقد جاء هذا اليومـ لتنهض من كبوتها، وتستعيد مكانتها اللائقة بها، وقد كان.

فكانت "تونس الخضراء" الرائدة في الإنتفاضة العربية، والثورة علي الظلم والبغي والطغيان والإستبداد والفساد والإفساد. وهي تلك الدولة الوادعة الساكنة، بدلال، في خاصرة المتوسط. ولعل تقدمها/ تحررها داخل المتوسط، كان حافزا لها لقيادة قاطرة الثورة العربية فيها فضلاً عن مصر وليبيا واليمن وسوريا. لكن مع هوية مستعادة، ومفاصلة متميزة، وقطيعة حاسمة مع حقبة بائدة من غزو الشمال إلي الجنوب عبر ضفتي المتوسط.

فهاهم المصوتون في الخارج يمنحون "النهضة" نصف عدد المقاعد المصوت عليها.. خارجياً.

أيتها النظم الغربية الإستخرابية.. لقد فشلت كل محاولاتكم البائسة اليائسة، أنتم، وعملائكم، الذين تركتموهم خلفكم، بعد دحر الشعوب لكم. فشلت في أقصاء ودفن "روح الأمة وأصالتها وعروبتها وأسلامها".

لقد جئتم بالعسكر لإقصاء "جبهة الإنقاذ الإسلامية" في الجزائر لما نجحت في الجولة الأولي. لتفشلو أول أنتخابات حقيقة شهدها العالم العربي في تسعينيات القرن الفائت، ولتدخلوا الجزائر الشقيق في حرب أهلية دفع ضريبتها الشعب، ومقدرات بلده الغني. ومازال يعاني من جراء هذا التدخل السافر في شانه الداخلي. ويكفي الموقف المُخزي للنظام الجزائري من ثورة الشعب الليبي علي طاغوته، ومساندته للطغيان ضد رغبة الشعب الليبي في الحرية والتحرر. ولم يبد النظام الجزائري موقفا أيجابيا من المجلس الوطني الإنتقالي الليبي إلا علي استحياء ومتأخرا كثيرا. ولن ينسي له الليبيون ذلك الأمر.

لقد فشلتم وأعوانكم في أقصاء فصيل عربي أسلامي أساس عن الساحة السياسية. فهاهي الشعوب تختاره، وستختاره حيثما تحررت وملكت زمام امرها. لتسلك معه سبيل "نهضتها، ولتجرب معه، كما جربت، وتوجهت، شرقاً وغرباً، فباءت بفشل وهزيمة وطغيان وفساد وفق وأفقار وتبعية وتغريب وإذلال. و"لتتقدم به"، لما كرس العملاء تأخرها وإرتهانها، جملة وتفصيلا، وكـ"فناء خلفي، ومستعمرات سابقة".

فعوداً حميداً يا تونس.

وعوداً حميداً يا كل شعوب أمتنا العربية الإسلامية.

فلسنا كغيرها. لنا خصوصيتنا وهويتنا وتميزنا الذي لم ولن ننهض إلا مرتكزين علي دعائمه.

فيا حزب النهضة، و"حركته":

ها قد جاء دورك فتحمل مسئوليتك بجدارة. المسئولية كبيرة وثقيلة، وأنتم أهل لها.

ها هي الأنظار عليكم معقودة، وريادتكم مرصودة، فاجتهد للنهوض بتونس من كبوتها، واستبدال ارثها البائد.

لا تخيب ثقة الشعب التونسي فيك. أنتم منفتحون علي كل التيارات وإلإجتهادات والسياسات.

لستم بحاجة لهذه الكلمات لكنها تهنئة للشعب التونس، ولكم، وتذكرة:"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات:55)