ربانا الإعلام فربيناهم

د. إيمان مصطفى البُغَا

د. إيمان مصطفى البُغَا

 حدثتني إحدى زميلاتي عن هرب بعض الطالبات من فوق جدار مدرستهن ليذهبن بعد ذلك مع أصدقائهن , ولو أن هذا الخبر لم يعد رهيباً بعدما ظهر في الجيل من أخلاقيات يتساءل البعض باكتراث أو عدم اكتراث عن طرق علاجها .. فقد اتسع الخرق على الراقع , وهو يدري أن الحل إن وُجد فمن الصعب تنفيذه .. وصار حالنا أشبه بمن يهرب بأولاده من حريق هائل ولسان حاله : ربي أسألك نفسي .. فلم نعد نعرف ماذا سنفعل بعدما تركنا فعل ما كان يجب علينا أن نفعله .. 

وصار من القدر المحتوم أن يمضي الطفل والطفلة السبع سنوات من عمرهما على توم وجيري ثم على باب الحارة وأمثالها في السنوات العشر التالية .. ليصلا إلى عمر الفتوة والشباب اليافع وهما فارغان .. فارغان بكل ما تدل عليه كلمة فارغ .. ولكن المصيبة أنهما يكونان أقوى ما يكونان بنية , وأغنى ما يكونان وقتاً ... وقد نمت أحاسيسهما...

هذه هي النعمة التي حولناها إلى مصيبة .. هذه النعمة التي أكرمنا الله بها : فئة شبابية .. تضج بالحيوية والقوة وخالية من المسؤوليات : تحولت بمخ وعقل الكبار الذين صنعت أمخاخهم المسلسلات التافهة .. فأعطوا هؤلاء الشباب كل شيء وحرموهم أهم ما يحتاجون إليه وهو الزواج , وقدموا لهم كل شيء ولكنهم لم يقدموا لهم التربية ..
  ثم نرسلهم إلى مدارس هي كما تحدث عنها الشيخ علي الطنطاوي وعن طريقة الدراسة فيها والتي وضعها لنا الغربيون في بلادنا بعدما أغلقوا تلك المدارس الرائعة ؛ فقد كان عند جامع الأموي شارع يسمى : شارع ما بين المدارس , مدارس
: تخرج منها أساتذة الشيخ علي الطنطاوي كبهجت البيطار وغيره , أغلقتها فرنسا لتضع لنا هذه المدارس !!! .. هذه المدارس التي تجعل الشاب أو الفتاة يقضيان إلى الثامنة عشرة من عمرهما ويتخرجان بلا علم وبلا صنعة ؛ فلا يستطيع الشاب تكوين نفسه إلا بعد العشرين ليتزوج عند السابعة والعشرين إذا كان سعيد الحظ .

لقد تركنا كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم وزهدنا بأهم العلوم وأهم أنواع التربية ؛ وهي التربية الدينية والعقلية ، وكانت مدارسنا سجناً لا يشعر الطلاب والطالبات بمتعة العلم فيها , وزدنا الطين بلة حين أخذنا (كورسات) عن حقوق الطفل والطالب , فصار الطفل هو المقدس لا الوالدان , والطالب هو المحترم لا الأساتذة .. فاحترمنا جسده ونفسيته وخاطره , التوبيخ ممنوع .. والضرب ممنوع و و .. ولكن الاعتداء الوحيد المباح من الأستاذ على الطالب هو العدوان القاتل على عقله ! ، فيجب ألا يكون الطفل أمياً بالإنترنت وتكنولوجيا المعلومات - مع أنه من الممكن أن يعرفها في منهج واحد يتطلب ساعة واحدة في الأسبوع - , فالأهم من تكنولوجيا المعلومات هي المعلومات نفسها ويمكن تعيين موظف في العمارة للتكنولوجيا !!!.. وأكبر أمية نخشى منها هي أميته في اللغة الإنجليزية , مع أنها لغة تافهة تُدرس في شهرين .. أما أميته بفقه دينه والعربية وآدابها فهذه لا نحسب لها حساباً ؛ إذ يكفيه من التاريخ باب الحارة , ومن القدوات المجرم نابليون واللص روسو وصاحب البطولة الوهمية المكذوبة جول جمال ، ومن الأدب عويل تامر حسني وهاني شاكر , ومن جماليات الحياة إغراء فلانة وعلانة ، ومن الثقافة إخراجات محمود المليجي ، أو آداب العدو : محمود درويش والمفسد القباني ، والقائمة ... أقصد : والمصيبة تطول .. 
أما رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي أمر بتربيتهم صغاراً وتعليمهم الدين والخلق , وتزويجهم عندما يصبحون بحاجة إلى الزواج .. فهذا فقط لم نعد على قناعة به لأن غوار الطوشة وأمثاله علمونا غير ذلك .. فأنتجت تربية محمد صلى الله عليه وسلم القادة في عمر السابعة عشرة سنة والسادسة عشرة ؛ فكان منهم من فتح الهند في هذه السن , وأنتجت تربيتنا المتخبطة من مخنا الذي صنعه إعلامنا وأدبائه
: شابات يهربن من المدارس أمام أعين زميلاتهن غير عابئات بدين ولا سمعة !! .