الأزمة وراءنا

د. نور الدين صلاح

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية

عبارة سمعها السوريون من بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بعد أول أسبوع من الثورة السورية وكررها (المعلم) وزير الخارجية في حديثه الشهير للصحافة الذي نسي فيه أوربا من الخارطة ويكررها الرئيس بشار لكل من زاره هذه الأيام فقد نقلها (الحص) رئيس وزراء لبنان الأسبق ونقلها كل من يزور دمشق في هذه الأيام ويسعد بلقاء الرئيس، ويعبر عنها بعبارات مختلفة كعبارة الأصعب مضى، والأخطر ولى، والأزمة وراءنا، وهنا أريد أن أثبت النقاط التالية:

الأولى : إذا كان الرئيس يقصد الوضع الداخلي فأعداد القتلى بازدياد، ورقعة الاحتجاج تتسع، وجيش السوري الحر بدأ ينظم صفوفه وبدأ يزعج النظام بعملياته وكمائنه، والجيش يقتحم المدن، والدبابات في كل مكان، ورائحة القتل تشم من كل حارة وطريق، والاعتصامات تتوالى، والإضرابات تزداد يوماً بعد يوم، والغضب يزداد، والحقد ينمو والمجتمع ينقسم، والوضع الاقتصادي يزداد بؤساً، والحصار الاقتصادي يشتد، وهناك أزمة الوقود ونحن قادمون إلى الشتاء عما قريب، وما زال الرئيس يقول الأزمة وراءنا

الثانية : وإذا كان يقصد الوضع الخارجي، فالضغطان السياسي والاقتصادي يزدادان يوماً بعد يوم، بل وبدأ النظام يرضخ للتدخل الذي يعتبره (خارجيا) ويصفه السفير السوري في الجامعة العربية بأنه (مؤامرة) ويخدم (أجندة غربية) بعد استخدام (الفيتو) المزدوج من روسيا والصين، وإذا كان التحرك العربي عن طريق الجامعة مؤامرة فلماذا قبل به النظام السوري بعد رفضه ورحب باللجنة الوزارية، وهل القادم سياسياً بالنسبة له هو الأفضل فلو قبل النظام بالحوار في الخارج فليس هذا هو الأفضل وهو ما كان يرفضه ويعتبره خطاً أحمر، ويرفض كل حوار خارج سقف الوطن ويعتبره خيانة فما باله (يشرعن) الخيانة !!!! ولعله يقبل أن يفاوض من كان ينعتهم عبر وسائل إعلامه بالخونة ويعطيهم شرعية واعترافاً، وإذا رفض قرارات الجامعة العربية ومبادرتها فلن يكون القادم (عربياً) و (دولياً) أفضل ولن تكون الأزمة وراءه بل أمامه

الثالثة : وأما إعلامياً فكل يوم تتكشف عورة النظام وتنكشف كذبة (الممانعة) الكبرى، ويظهر زيف وهشاشة الرواية السورية في إدارة الأزمة، فالشهود على ما يجري على الأرض صاروا في كل المدن وكل القرى ولم يعد يستطع الإعلام السوري أن يكذب على شعب بأكمله، وبدأت فضائح ممارسات النظام القديمة والحديثة تظهر، وكل يوم تزداد القنوات والمواقع المؤيدة للثورة والفاضحة للنظام، والانشقاقات الأمنية والعسكرية وما يعقبها من فضائح واعترافات عبر (اليوتيوب) لا يبشر أن القادم هو الأحسن والفائت هو الأسوأ، والفضيحة تزداد كل يوم بفتح ملفات جديدة ورفع غطاء الستر الدولي عنه

الرابعة : وسقط القذافي وهو أقرب الطغاة شبهاً بالأسد، ونظامه أقرب الأنظمة إلى نظامه، وانتهى بهذه النهاية المهينة بنفس الطريقة واللغة التي وصف بها ثوار شعبه بأنهم (جرذان) وقد استخرجوه من عبّارة المجاري في المواضع التي ترتع بها (الجرذان) وكما كان يقال (البلاء موكل بالمنطق) وكان يبشر القذافي الزعماء العرب في مؤتمر القمة الذي عقد في دمشق (بأن الدور جايه عليكم) وهذه أصدق كلمة قالها القذافي، فقد جاءه الدور ولاحقه الثوار مدينة مدينة وقرية قرية ودار دار وزنقه زنقه حتى وقع وحيداً في قبضة الثوار، والأسد على قائمة الانتظار ولعل من تدبير القدر أن تكون آخر مكالمة أجراها القذافي بهاتفه النقال (الثريا) كانت لسوريا قبل أن يقع، والأسوأ لن يكون وراءك يا بشار بل سيكون أمامك

الخامسة : هذا الاستخفاف بالثورة والثوار مارسه كل الطغاة قديماً وحديثاً، فرعون قال عن المستضعفين (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) وقذف البحر ببدنه غريقاً ليجعله آية لمن يأتي بعده من الطغاة الجبابرة، وطاغية تونس فهم بعد فوات الأوان لكنه نجا بجلده وهرب ولم يكابر ولكن ستطاله يد القضاء والعدالة في يوم من الأيام وليس ببعيد، وطاغية مصر الذي كابر بخطاباته واستخف بشعبه وسلط عليهم البلطجية والسيارات تدوسهم والخيل تطؤهم بحوافرها في الميادين، رأيناه في سريره داخل قفص الاتهام لا يهش ولا ينش، وقد جعله الله عبرة بعد العظمة والكبر والغرور، وقبله السادات قال عن أحد الفضلاء (رميته في السجن زي الكلب) ورأيناه كيف سحب من بين الكراسي في المنصة وقد خرج على قومه في زينته، و(صالح) اليمن يتهم المعتصمين بالخيانة والعمالة ويخبرهم بأنهم (فاتهم القطار) وقد رأيناه كيف سحب من مسجد النهدين بين الموت والحياة وكاد قطار الحياة أن يفوته وليطل علينا بعد عمليات التجميل بمنظره الذي يثير الشفقة، وقد عاد اليوم ليعربد من جديد وهذا ممن ينطبق عليه قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وسوف نرى كيف ستكون نهايته وهو يتنافس مع الأسد على الدور، والأسد ينعت الثوار بالجراثيم والمندسين والإرهابيين، وننتظر قدر الله فيه فلعله يموت بسبب جرثومة أو يستخرج من أماكن تكاثر وتجمع الجراثيم، وسوف (يضل الله الظالمين) لأنه سبحانه وتعالى (لا يصلح عمل المفسدين) وسوف يمضي هؤلاء الطغاة إلى حتوفهم بأظلافهم وإلى مصارعهم بما كسبت أيديهم، وسوف يبقى الغرور (غرور القوة) و (جنون العظمة) و (آفة الاستعلاء) تمضي بهم بخداع وتسوقهم بمكر إلى يوم الأخذ كما قال تعالى (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أذناهم بغتة وهم لا يشعرون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)

وأخيراً الأسوأ للنظام قادم والأزمة ليست وراءك يا بشار، بل تتعقد حلقاتها وقد وقعت في شراكها ولن تنفع سياسة التهوين ولا التسطيح، ولن ينفع دس الرؤوس في الرمال بما يعرف بسياسة الزرافة، وإن من تغافل عن السنن فإن السنن لن تتغافل عنه، والأيام بيننا وسيكون التعبير الصادق الأزمة وراءنا وأمامنا.