صور ناطقة للتحوت والروابض 54

صور ناطقة للتحوت والروابض

أحمد الجدع

[54]

كنت آنئذٍ في دوحة قطر ، كان الناس كلهم يسبحون بحمد الزعيم الذي كان يهدد إسرائيل ويقسم أنه سيلقيها في البحر ، ويخلص الكون من شرورها ...

كان أهل فلسطين المشردين يعلقون آمالهم عليه بالعودة ، وكيف لا يعلقونها وهو يمنيهم بالعودة ليل نهار ، ويعرض عليهم صواريخ القاهر والظافر في كل عرض عسكري يقيمه استعراضاً لقوته .

كان العرب كلهم ، والفلسطينيون بوجه خاص قد فتنوا به ، وصموا آذانهم عما يفعله في حق شعبه من قتل واعتقال وتشريد ، ثم عموا وصموا عن أفعاله في اليمن ، وغفروا له قتله لعشرات الآلاف من رجاله ونسائه وأطفاله .

أخذت أنباء التوتر بين مصر (ودويلة إسرائيل) تترى في وكالات الأنباء ، وفي الإذاعات المحلية والعالمية ، وأخذ الناس يستمعون بحماس لإذاعة الزعيم وهي تبرق وترعد ، وأخذ أشهر مشاهير المعلقين يتوعد العدو بالفناء والزوال ...

قالوا إن الدول الكبرى أقنعت الزعيم أن لا يبدأ الحرب حتى لا يقال إنه المعتدي ، وأن يدع الدويلة المزعومة تبدأ الضربة الأولى ... واقتنع ... لماذا وهو الرجل العسكري ، لا أحد يدري ... ولا زلنا بعد مرور أربعين سنة لا ندري!

وكان ذلك ... وبدأ العدو ضربته ... وأنهى الحرب بالضربة الأولى ... وكانت القاضية .

لم يهزم هو وحده ، بل جرّ معه بالهزيمة سورية والأردن ، فضاعت سيناء ، وضاعت الجولان ... وضاعت الضفة كلها ومنها القدس ومسجدها الأقصى .

ذهل الناس ... ولم يصدقوا أن زعيمهم قد هزم ... بل قد سحق ، وسحق معه الأمة العربية كلها ، وأشهد أن أمتنا العربية قد تلقت الهزيمة راضية ، لم تغضب ، لم تثر ، وما انهار منها أحد ...

وبعد ثلاث سنين مات الزعيم ... فانهار الشعب العربي كله ... وأشهد أنا أنني سمعت في دوحة قطر أن عدداً كبيراً من الناس قد نقلوا إلى المستشفيات لأنهم لم يتحملوا أن يرحل الزعيم .

ضاعت ثلاثة من أعز البلاد العربية وضاعت القدس ومسجدها الأقصى فلم يبكِ لها أحد ... ومات الزعيم الذي أضاعها فبكاه الناس أجمعون .

حسبنا الله .