مصر.. الإعلام والأخلاق الصحفية إلى أين؟

محمد حسين حسن

عضو نقابة المحامين المصرية

[email protected]

كلنا نعرف " أليس في بلاد العجائب" وهو مسلسل كرتوني شهير؟ في هذا المسلسل سألَتْ "أليس" قطًّا كان يسير على مفترق طرق: هلا أخبرتنِي أي طريق ينبغي أن أسلك لأخرج من هنا؟ "فأجاب القط": هذا يعتمد على المكان الذي ترغبين الذهاب إليه. قالت: لا يهمني كثيرًا إلى أين اذهب.. فأجاب: إذن لأيهم لأي طريق تسلكين.

هذا الموقف يصوِّر لنا حال أغلب المشاكل المصرية بعد الثورة وخاصة الإعلام, فالعقل والسنن الكونية تقول: إذا أردت أن تقصد مكانًا فلابدَّ من تحديده أولاً, وهذا لم يحدث حتى الآن فالكل تفاءل بقيام ثورة يناير وإنهاء حقبة تاريخية مظلمة في تاريخ مصر لمعاصر واستبشر المواطن المصري خيرًا بإنهاء هذه الفترة وتصحيح مسار كل شئون الحياة وتحولها إلى الأفضل بفضل هذه الثورة المباركة التي أشاد بها العالم أجمع والتي استطاعت بفضل شبابها الإبطال قهر الظلم والطغاة, ولكن على خلاف ما كان متوقَّعًا من تصحيح مسار هذا الوطن حدث احتقان بين القوى السياسية وتنازع كل منها على الوصول للسلطة، وأصبح الوضع الاقتصادي للبلاد مترديًّا إلى جانب الانفلات الأمن, وعادة ما يحدث هذا الاحتقان السياسي والتنازع على السلطة بعد قيام الثورات، ولكن الشيء المحزن هو موقف الإعلام المصري بعد الثورة الذي لم يختلف كثيرًا عمّا كان قبلها وهو الأكثر تأثيرًا في كل هذه الأحداث في المجتمع ومن خلاله تستطيع إمَّا التوجُّه إلى الأفضل من خلال التعبير عن الرأي بحرية ودخول مرحلة جديدة من الديمقراطية وإلى هدم هذا المجتمع وإجهاض هذه الثورة بالأكاذيب أو عدم المهنية وهو ما يحدث الآن بالفعل.

ولا أحد يعرف هل هذا عن عمدٍ أو دون قصد...؟

تغطية أحداث ماسبيرو

فُوجِئ المواطن المصري على وقوع اشتباكات دامية أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بشكلٍ غريبٍ وسريع دون سابق إنذار- وبصرف النظر عن من هو المسئول عن وقع هذه الاشتباكات- لكن الأغرب من سرعة هذه الأحداث هو طريقة تغطية الإعلام التي لم تختلف كثيرًا عن طريق تغطيته أثناء ثورة يناير, ما حدث من الإعلام المصري قبل وأثناء الثورة تكرَّر هذه المرة ولكن بعد قيام الثورة من نقل أخبار كاذبة وارتباك وتخبُّط وشحن مواطنين أبرياء في محاولةٍ للوقيعة بين أطياف الشعب المختلفة دون إيضاح دليل.

وهو ما دفع بعض المنظمات الحقوقية إلى المطالبة بالتحقيق مع وزير الإعلام على خلفية ما حدث بماسبيرو وفي الوقت نفسه أعلن عدد من النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" عن تنظيم وقفات احتجاجية أمام مبنَى الإذاعة احتجاجًا على سياسة الإعلام المصري التي تدعم بثّ الفرقة والإشاعات, مشددين على أنَّ مثل هذه الأفعال من الممكن أن تؤدِّي إلى فتنة وأعمال عنف, بالإضافة إلى إعلان عدد من الإعلاميين تنظيم مسيرة تضمّ إعلاميين وشخصيات عامة" تهدف إلى إدانة التغطية الإعلامية لأحداث ماسبيرو والمطالبة بتطهير الإعلام"

أخلاقيات الإعلام الغائبة

أخلاقيات الإعلام والصحافة بشكل عام هي عبارة عن مجموعة من المبادئ تتركز في المصداقية فبدونها يفقد الإعلام دوره في المجتمع, والضمير الإعلامي الحيّ يُحتِّم على كل من في هذا الوسط الالتزام والتقييد بأخلاقيات الإعلام وهي"الأمانة, والمصداقية, والدقة والموضوعية والحياد, والتسامح والمسئولية أمام القراء" ولابد من الالتزام بهذه الأخلاق حتى يستطيع الإعلام أن يكون مؤثرًا في الوصول إلى الحقيقة ونصر المظلوم على الظالم وليس العكس كما يحدث الآن وظهر هذا في تغطية أحداث ماسبيرو مؤخرًا من تضليل وعدم مصداقية وارتباك وهو ما دفع وزير الإعلام بالاعتراف بوجود أخطاء حدثت أثناء هذه التغطية وهي شجاعة منه في الاعتراف بالخطأ ولكن لا يكفي الاعتراف فقط فلابدّ من محاسبة المخطئين وإعادة تصحيح مسار الإعلام من جديد.

حلول جذرية

الواقع أنه لا مجال لوقوع كل هذه الأخطاء المهنية التي اعترف به وزير الإعلام مؤخرًا في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة وعالم الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة وسرعة هذه الوسائل في نقل الأحداث والأخبار في ثواني معدودة حول العالم, وأيضًا المواطن العادي لديه من الثقافة لمعرفة الصادق من الكاذب  لذلك لابدَّ من محاسبة المخطئين أولاً بتطبيق القانون بشكل حازم وقوي وتطهير الإعلام الذي لم يتغيّر بل واستمر في نفس الطريق في غيبوبته وكأنه لم يحدث ثورة أو حتى أي شيء, حيث مرّ على قيام الثورة المصرية أكثر من تسعة أشهر ولم يختلف الوضع كثيرًا عن ما كان عليه قبل الثورة بل ازداد سوء. وليس هذا على الإعلام المصري فقط بل على جميع المشاكل وعدم استعمال فكرة "المسكنات" أو الحلول الوسطية غير المجدية فهي أحد أهم أسباب استمرار الاحتقان والتفرق التي تهدّد المجتمع المصري ككل, فلابدَّ من تهديد الأهداف التي تستطيع انتشال هذا المجتمع من المستنقع الذي يقع بداخله والمصارحة وحل المشاكل من الجذور وليس الفروع, بالإضافة إلى تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي القائم على المصداقية واستحداث هيئات تقوم بدور الرقابة والمحافظة على سلامة ومصداقية العمل أمام الجماهير أو تحويل الإعلام إلى جهة رقابية تكون هي المسئولة عن هذا القطاع الهامّ والحيوي كما يحدث في الدول الديمقراطية المتقدمة حتى يتحقق مبدأ الحياد والمصداقية.