هنيئاً لأسرانا

ولا عزاء للمثبطين

وعلى الصهاينة انتظار المستقبل الأليم

م. محمد يوسف حسنة

خمس سنوات مرت منذ أن نجح مقاتلو كتائب الشهيد عز الدين القسام وجيش الإسلام ولجان المقاومة الشعبية في اقتحام موقع عسكري صهيوني، حيث خاض المقاتلون في حينه معركة شرسة ليحطموا فيها أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ويبددوا وهماُ رافق الصهاينة بأنهم قوة لا تُقابل، عملية حُق لمنفذيها ومخططيها أن يفخروا بها، عملية الوهم المتبدد التي بددت أحلام يهود وأعادت نافذة الأمل لأحلام أسرانا بالحرية من زنازين الموت وقبور السجون.

خمس سنوات مضت كلما زاد فيها العدو من شراسته تمترس مقاتلو المقاومة خلف مطالبهم، فلا تراجع ولا تنازل، والمطلب موحد وواضح الإفراج عن الأسرى في السجون، وتحقيق وعد الصادقين للأحرار خلف قضبان السجون.

وكيف يتنازلون أو يتراجعون ورفقاء درب الجهاد والمقاومة في الأسر قابعون، صُودرت حريتهم، ووقعوا في قبضة السفاح، عرضة للعزل والإهانة، لا لذنب لهم سوى أنهم كانوا أحراراً رفضوا الخضوع والتنازل عن الحقوق ودفعوا بالنفس والنفيس في سبيل نُصرة عدالة قضيتهم وانتصار أمتهم.

وكيف لمن قطع الوعد بتحرير العاني وفك أسره وإنفاذ العهد أن يتخلى وهو يسمع رفقاء دربه يسألون أين هم أهل الملاحم يطلقون سراحي أين الرجال أما لديكم نخوة يا مسلمون فقد تأججت أتراحي.

فكان الوعد، وكانت عملية الوهم المتبدد وها نحن اليوم نرى صفقة وفاء الأحرار، ليُتم الله بفضله عهد قُطع وأمر أُبرم فهنيئاً لأسرانا ولا عزاء للمثبطين وعلى الصهاينة انتظار القادم من مستقبلهم الأليم.

والحديث عن الأسرى يطول، وتناول موضوع أسرهم هو حزن لا ينقطع، في ظل انتهاك فاضح من قبل قوات الاحتلال لأدنى حقوق الإنسان، وتعمد قتلهم أحياء، عبر عزلهم وإرهابهم وتعذيبهم وقطع أي قناة تواصل مع أهاليهم ومنعهم من الزيارة، إلا أن ما يميز حديثنا اليوم أنه مطعم بانتصار غير مسبوق كسرت فيه المقاومة خطوط العدو الحمراء وفتحت الباب على مصرعية أمام أمل لن ينقطع بتحرير كافة أسرانا من مقاتلي الحرية في سجون الصهاينة.

صحيح أن الثمن كان باهظاً ودفعته غزة حصاراً ودماً وشهداء وجرحى إلا أن ذلك يهون في سبيل تحرير الأسرى الذين ما بخلو بالجود بالنفس والمال والأهل في سبيل أن تحيا غزة بل أن تحيا فلسطين حياة كريمة عزيزة، بل أن الثمن المدفوع هو ثمن شرعي حيث أوجب الإسلام القتال إن أمكن وفداء أسرى المسلمين بالمال إن تعذر القتال .

وصحيح أن الصفقة لم تشمل بعض كبار قادة الأسرى إلا أن هذا لا ينقص من قيمتها ولا يقلل من شأنها كما يحاول البعض تنغيص الفرحة وقتل البهجة وتحقير الانجاز، فالذين سُيطلق سراحهم لا يقلون شأناً عن كبار القادة ومنهم من هو محكوم بالمؤبدات وساهم في عشرات العمليات الفدائية ضد الكيان، ومن الصعب الحصول على انجاز يُقارب المائة في المائة لأي من الصفقات أو المفاوضات فمفهوم التفاوض أنه يجرى بين طرفين للوصول إلى أرضية مشتركة يمكن التوافق عليها ولذلك يصعب أن يحقق طرف كل مطالباته على حساب الطرف الأخر.

وقد شارك الأسرى المفرج عنهم بقتل أكثر من 559 صهيوني، وهو ما يُعتبر كسر للقاعدة الصهيونية القائمة على عدم إطلاق أي من المقاتلين " الملطخة أيديهم بدماء إسرائيلية".

كما مثل الإفراج عن أسرى الداخل والقدس والضفة الغربية إلى بيوتهم انجاز كبير للصفقة وهو ما لم يكن متحققاً في أي من الصفقات السابقة التي تمت بين فصائل المقاومة والكيان.

وأبعاد أقل من 50 أسير إلى الخارج وفق قرارهم الشخصي لا يُقلل من شأن المفاوضين، أو من شأن الأسرى الذين اختاروا الإبعاد أو حتى من شأن الصفقة نفسها، ولا يمكن بحال المزاودة فالإبعاد أفضل وأجمل من أسر لا يُطاق وأهانه متكررة ويومية.

أما والحديث عن توقيت الصفقة والاعتبارات السياسية خلفها، فحق للآسرين وللمقاومة أن تكتسب نصر سياسي وأن تُرسل من خلال تصرفاتها وأفعالها الرسائل التي تُريد طالما أنها التزمت بالثوابت الفلسطينية ولم تتنازل عن القضية، ولقد كان هنالك على الدوام حاجة أن تكون البندقية موجهة وفق سياسة وضوابط مرعية تُرعى الظرف وتُحسن استغلال البيئة والظروف المحيطة.

عملية الوهم المتبدد وما أعقبها من صفقة وفاء الأحرار لتُدلل بشكل قاطع أن الطريق إلى التحرير يمر عبر البندقية، وأن خلاص أسرانا لا يمكن أن يتم إلا بأسر المزيد من الجنود الصهاينة، وأن ضريبة الدماء لابد وان تُدفع من قبل الشعب الفلسطيني فلا يقبل حر وصاحب ضمير حي أن يتمتع برغد الدنيا وفسحة من العيش ولدينا أكثر من ثمانية آلاف أسير خلف قضبان العدو، نشد على أيدي مقاومتنا وندعوها لمزيد من عمليات الأسر فلديكم شعب يعرف الحق فيلزم ولديكم شعب لا يهاب سماء تنصب رصاص مصبوب ولا يخشى أرض تتفجر حمم بركانية اللهم يسألكم الثبات على المبادئ وتحرير البلاد والعباد من شر الصهاينة الذين استحلوا الأرض والعرض.

رحم الله شهداء عملية الوهم المتبدد من المنفذين والمخططين فقد قدموا الدماء في سبيل تحرير الأسرى وتخليص الأسود الرابضة في سجون الاحتلال، صدقوا الله فصدقهم، شكراً كتائب الشهيد عز الدين القسام، شكراً جيش الإسلام، شكراً لجان المقاومة الشعبية جهاد وجهد مشكور وعمل معجل في مقابل أجر مؤجل بإذن الله.