عمر مضى

حشاني زغيدي

تمضي الأيام و يمضي معها زهرة عمرنا فتطوي أوراق دفترنا و قد حوى في طياته عمر تبدد و أجل يتقدم و لا يدري أحدنا متى يحصل الوداع فتنتهي تلك الرحلة و احدنا لا يدري كيف تكون النهاية ؟ و لسنا ندري ما تحمل النهاية أأفراحا نستبشر بها ام أحزانا تفجعنا فيعزي أحدنا نفسه قبل الوداع .

تمضي الأيام و المرء يجهد نفسه في عراك الدنيا الفانية و دقات ساعات العام تجري خلفه تهمس في اذنيه دقق حساباتك و اجرد مدخراتك فلا تدري متى يكون الرحيل فالعمر قصير . و إ ن السفر له مستلزماته و مطالب غايته لأن المرء يعلم أنه صائر لأجله و أن عمره و ساعاته معدودة و أن الليل و النهار و الأيام و الشهور و الأعوام عوامل و أن رحلة السفر منتهية فالمجتهد من حصل زاد رحلته .

و إن زاد الرحلة حلاوة إيمان و طعمه الذي يسري في كيان الجسد و نور يشرق في القلب فيطيب به اللسان و تتحرر به الجوارح فيعيش المرء عيشة السعداء في الدنيا قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] أما في الآخرة قال سبحانه: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصف: 12]..

و أن زاد الرحلة ثبات في السير و صبر على الطريق و صبر على العقبات و المتاريس و الأشواك المزروعة هنا و هناك فلا بد من يقين ينير لنا طريق الرحلة فاليقين في الغاية الكبيرة يقين بالله تعالى فالله غايتنا و يقين في دليل الرحلة فيكون الرسول قدوتنا و يقين في المنهج الموصل فيكون القرآن دستورنا و متى وصل اليقين بهذه اليقينيات امتلأ القلب اشراقا و انتفى عنه كل خوف لأنه بات مشغولا بحب الله تعالى و الخوف منه و التوكل عليه .

و ان زاد الرحلة إخلاص لله تعالى و هو زاد ثمين يحتاجه صاحب الرحلة يقول الله تعالي فيه "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" البينة-5 و هذا الإمام حسن البنا يبين حاجة المسلم لهذا الزاد فيقول : " وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته , وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر, وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة. يقول اله تعالى " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "161الانعام وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم "الله غايتنا " .

وأن زاد الرحلة عمل يقدمه المؤمن لوجه الله تعالى يرجو به الجنان و هو تمرة من تمار الإخلاص و لا يتحقق إلا إذا أصلح المسلم نفسه و عمل على تكوين البيت المسلم و أسهم في ارشاد مجتمعه و ساهم في إصلاح أوضاع وطنه و اهتم بهموم أمته إلى عيرها من الواجبات العمل . يقول الله تعالى " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " التوبة:105 و أن يبذل المسلم وسعه لتحقيق هذه الواجبات و أن لا يترك طريقا لليأس يحول دون تحقيقها لأن الأجر عظيم " أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " (136) آل عمران.