إيران في 2014 بين حلاوة الانفتاح الأمريكي ومرارة حرب النفط

إيران في 2014

بين حلاوة الانفتاح الأمريكي ومرارة حرب النفط

محمد المذحجي

كانت بداية عام 2014 حلوة ونهايتها مرّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حلاوة انفتاح «الشيطان الأكبر» على طهران تحت غطاء ملف النووي، ومرارة تفاقم أزمتها الاقتصادية الخانقة بسبب الحرب النفطية التي شنتها بعض دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

يمكن اعتبار تمديد الاتفاق النووي المؤقت بين إيران ودول مجموعة 5+1 حتى شهر تموز/يوليو المقبل أعظم إنجاز للسياسة الخارجية الإيرانية، الذي كان نتيجة مفاوضات سرية إيرانية أمريكية في سلطنة عمان دامت عدّة أشهر. ولاحقاً تحولت مفاوضات إيران مع مجموعة 5+1 إلى «مفاوضات 1+1» بين محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، بشكل علني لأول مرة بعد 35 عاماً، واعتراف واشنطن بجزء كبير من مطالبات طهران عملياً، الأمر الذي كان أكبر حُلم للنظـــام الإيراني ولم يتخـــيل الكثيـــرون تحــققه بهذه السهولة والبساطة.

إحدى الأحداث المهمة الأخرى هي الانتصارات الكبيرة التي حققتها «الدولة الإسلامية» في العراق والشام، وأربكت إيران بشكل كبير، وفي الوقت نفسه تسببت بزيادة التقارب والتنسيق السياسي والعسكري بين إيران وأمريكا. وتم الكشف عن القلق المتزايد الإيراني إزاء أحداث العراق على لسان بعض مسؤوليها، حيث صرح رئيس مكتب خامنئي أن «لو لا دعمنا لسوريا لخسرنا العراق»، وفي تصريحات كانت الأولى من نوعها أكد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أن «لعن الصحابة والاحتفال بمقتل الخليفة عمر أوصلنا إلى داعش»، وبدوره قال وزير الدفاع الإيراني «سندخل العراق براً وجواً إن تعرض داعش للمقدسات».

وحققت طهران إنجازاً مهماً آخر في اليمن وتمكنت الجماعة الموالية لها أي جماعة الحوثي، من أن تحتل صنعاء، وتصبح أحد اللاعبين المؤثرين في الساحة السياسية اليمنية، وهذا التطور النوعي تسبب بفرحة كبيرة لحكام طهران. ودفع الشعف المتزايد حسن روحاني إلى القول إن انتصارات أنصار الله هي جزء من «النصر المؤزر والباهر». وأضاف أحد مستشاري خامنئي في الحرس الثوري أن «الجمهورية الإسلامية في اليمن انتصرت وهو ما يفتح أبواب السعودية»، وبدوره أكد مستشار خامنئي للشؤون الدولية، علي أكير ولايتي، أن الطريق إلى فلسطين يمر عبر اليمن، في إشارة إلى الشعار الشهير «طريق القدس يمر عبر كربلاء» الذي أطلقه الخميني إبان الحرب الإيرانية العراقية.

ودخل متغير حاسم على خط اللعبة في المنطقة وخلط أوراق حكام طهران داخلياً وخارجياً وشلّ سياستهم الخارجية، فضلاً عن تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران، وهو حرب النفط الذي شنته المملكة العربية السعودية وانخفاض أسعار النفط بنسبة 100 في المئة خلال أشهر قليلة، بنية تقليم مخالب إيران وحلفاءها في المنطقة. وجاء الوصف الدقيق على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في مقابلته مع «فاينانشال تايمز» البريطانية، حيث قال إن «إيران والمملكة العربية السعودية دخلتا في حرب نفطية». وفي هجوم غاضب اتهم حسن روحاني المملكة العربية السعودية بالخيانة والوقوف خلف المؤامرة السياسية التي أدت بهبوط أسعار النفط، وهددها بردة فعل حتمية من قبل شعوب المنطقة. وأخيراً طالب موقع «فردا» التحليلي المقرب من الحرس الثوري باتخاذ إجراءات غير ديبلوماسية ضد السعودية.

وعلى الصعيد الداخلي، تشهد الساحة الإيرانية العودة إلى التشدد والتطرف السنوات الأولى من انتصار ثورة 1979، والحضور القوي لجماعة أنصار حزب الله المتشدة التابعة للقوات الباسيج في الحرس الثوري من جديد. وبدأ مجلس النواب الإيراني بدراسة قانون إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة الفخرية لإعطاء صبغة قانونية لإجراءات جماعة أنصار الله وقوات الباسيج. وبالتزامن مع ذلك، أثارت سلسلة هجمات بالحامض الحارق على النساء بحجة عدم ارتداء الحد اللازم من الحجاب الحكومي ضجة واسعة في مدينة أصفهان. وخرجت بعض المظاهرات على خلفية هذه الجرائم في طهران وأصفهان ومدن أخرى تطالب السلطات المعنية بتوفير الأمن ومنع تكرار حوادث مماثلة والقاء القبض على المنفذين. وعلى خلفية هذه الجرائم، حثّ آية الله محمد تقي مصباح يزدي، عضو كبير في مجلس خبراء القيادة، المتشددين على القيام بخطوات مؤثرة لأداء أفضل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكد أن «دمّ إمام الزمان يفور غضبا بسبب عدم التزام المرأة بالحجاب»، ومن جهة أخرى ألقت المعارضة الفارسية اللوم على الثقافة العربية والإسلام بسبب رش الحامض على الإيرانيات من قبل المتشددين.

وكان لوفاة آية الله محمد رضا مهدوي كني، رئيس مجلس خبراء القيادة السابق، تأثيراً مهماً على ترتيب الأوراق في عمق المراكز العليا لصنع القرار الإيراني وعلى وجه التحديد بين خامنئي وهاشمي رفسنجاني، ومن جهة أخرى بين المحافظين الأكثر إعتدالاً كعلي لاريجاني، رئيس مجلس النواب، وحسن روحاني، والمحافظين المتشددين. وحاول النظام الإيراني التكتم على الوضعية الصحية لرئيس مجلس خبراء القيادة لعدّة أشهر، لتفادي اتساع الخلافات الموجودة بين أطياف المحافظين وحصول انشقاقات جديدة ومنع تصاعد المنافسات السياسية والانتخابية.