سكرات موت شاعر

سكرات موت شاعر

د. زينب بيره جكلي

إلى مَن أوجه خطابي وكل الناس يعرفون أهوال الموقف ... وجميعهم آذان صاغية ؟ ولكنها موعظة مدَّكر رأى مشهد وفاة شاعر فتاب إلى ربه وأناب ...

لقد ألحت ذبحة الصدر على جارنا الشاعر محمود، فضاق صدره ، واهتز بدنه ، وارتعدت فرائصه ... وغمره العرق ... كان الأطباء حوله لايملكون دفع الموت عنه، وكان محمود في شغل عنهم ، يستعرض في ساعة احتضاره شريط حياته المملوء بالأحداث  والذكريات ، والمثقل بالهموم والشجون ، فبكى من شدة الهول ، وتمنى لو يعود إلى الحياة ليتلافى ماكان بدر منه ، ولكن هيهات هيهات ...

ماكل مايتمنى المرء يدركه     تجري الرياح بما لاتشتهي السفن

    وهالت حشرجات الموت الحاضرين وهم ينظرون غير قادرين على استعادة الأنفاس واسترداد الروح ... وذكروا ماكان محمود يقوله من شعر ماجن وأدب خليع  يفتن به الناشئة كما فتن السامري بني إسرائيل ...

    لقد آن الأوان يا محمود أن تذوق لذعة الموت بعد لذة الدنيا ، لقد هيئ الكفن والتابوت ، فليس الموت عرسا ولا لهوا ... إنه قضاء محتوم ... شديد الأهوال ...شديد السكرات ... هادم اللذات ، مفرق الجماعات ...

    وأحس محمود وهو يحتضر كأن غصنا من شوك يجذب من قدمه إلى هامته فندم لأنه لم يستجب لنداء الله ، وأدرك حينذاك أن الموت إذا داهم أحدا فلا فرار ، ولا مال ينفع أو عقار ، ولا آداب ولا أشعار ... " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون " ...

     ويوم يأتي الموت " يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ... "

    ولا يبقى للصاحب إلا زفرات ولوعات ونشيج بعد أن شق الموت المهجة شقا

    وسواء أطال الطريق أم قصر فإن للموت موعدا لايتقدم أو يتأخر ، وبعده يساق صاحبه فتفتح له أبواب الجنة ، أو يكبل بالأغلال ، ويصفد في الحديد ، ويلقى في جهنم مذؤوما مدحورا ، وبئس المصير ، فلا تنفعه حينذاك شعارات أو هتافات أو أمسيات ، ولا يفيده رهج الدنيا وزيف الحياة ... فليس له يومذاك إلا ربه ، وربه غفار لمن تاب ...

ألا تجلـَّيْـــــتَ ياربــــــــي علـيَّ بمــــا     يزيــــــــل همي ويحبو الروح إشراقا

نفسي تثور على نفسي وتسألني     هدى يفوق سجايا الناس أخلاقا

     أيها الإنسان ...

     اتق الله ولا تتعد حدوده من أجل مال أو متاع ...

أنت تستعجل والأقدار تمشي بك هونا

فدع الأمر إلى ربك واطلب منــــه عونا

خل تدبـيـــــــر قضايــــــــاك لمَن دبــــَّـــــر كونا

    وحينذاك تلقى النعيم الخالد الأبدي