أحدثكم عن شاعر الأزهر/ صابر عبد الدايم

محمد عبد الشافي القوصي

محمد عبد الشافي القوصي

[email protected]

صابر عبد الدايم- يقول لكم:

اسمي: صابر

سنوات الصبار جهلتُ بدايتها أوْ حتى كيف تسافر عمري

بلدي: مصر- القرية- والموال الساخر

والمهنةُ: شاعر

وهواياتي: فك الأحجبة وهدم الأسوار

والبحث عن الخصب المتواري خلف الأمطار

والتنقيب بصحراء النفس عن الآبار

وقراءة ما خلف الأعين من أسرار!

  لعلَّ هذه القصيدة (الهويَّة) تكشف عن عمق انتماء (الشاعر) لأخلاق القرية؛ التي تحمل قِيَم التديُّن والبساطة والسماحة والمحبة والأصالة، وتكشف عن فلسفة الشاعر الحياتية!

*    *    *

    إذا كان (سعد ظلام) أشهر من تولى عمادة اللغة العربية بالقاهرة؛ فإنَّ (صابر عبد الدايم) أبرز من تولى عمادة اللغة العربية بالزقازيق! بلْ هو الامتداد الطبيعي لجيل الرواد؛ أمثال: أحمد حمروش، وحسن جاد، ورجب البيومي، وغيرهم ممن أفاء الله عليهم بنعمة البيان!

 يتمتع صابر عبد الدايم- بحس مرهف، وشاعرية عذبة، تجمع بين الواقعية والرمزية، ولا يتخلى عن الرؤية الإسلامية في معالجة قضاياه الشعرية، ويعمد كثيراً إلى تطوير قوالبه، والتجديد في شكل القصيدة، فتارةً يكتب القصيدة "الخليلية"، وتارةً يكتب قصيدة التفعيلة! 

ولعلَّ قصيدته (مدائن الفجر) من عيون الشِّعر المعاصر، وقد استشهدتُ بها سبق في كتاب (سقوط الحداثة) للرد على "أدعياء الحداثة"! إذْ يقول فيها:

مُعلّقٌ بين تاريخي وأحلامي
أَخْطو... فيرتَدُّ خطْوي دون غايته
تناثرتْ في شِعاب الحُلم أوردتي
مدائن الفجر لم تُفتحْ لقافلتي
والسيف والرمح في كَفَّيَّ من زمنٍ
تشُدُّني لمدار الجدْي أسئلةٌ
وتحتمي باستواء الريح أشرعتي
أدور منقسماً في غير دائرتي
ودورة الزمن المكتوب تلقفني
الأربعون تُوافيني وما بلغَتْ

 

 

وواقعي خنجرٌ في صدر أيامي
وما بأفْقي سوى أنْقاض أنْغَامِ
وفي دمائي نَمَتْ أشجار أوهامي
والخيل ... والليل .. والبيداء قُدَّامي
لكننَّي لمْ أغادر وقْع أقْدامي!
يشبّها سرطان الحيرة الدامي!
والموج يقذفني أشلاء أنْسام!
ولستُ أبْصرُ إلاَّ ظلّ آلامي!
وإنني في دجاها بَعض أرقام!
رُؤاي مَشْرق أسْفاري وأحْلامي!

 

  هذا؛ وتتجلَّى شاعرية صابر عبد الدايم؛ في قصائده الدينية، مثل قصيدة "مناجاة في ذكرى ليلة القدر". وقد أوردناها كاملة في كتاب (أسرار ليلة القدر)! يقول فيها:

هيَ الليلةُ الغراء أشرق قدرها
ففي روضة الأزمان يعبقُ ذِكرها
فلوْ لمْ تكن دنيا الورى غيرها .. كفى
فيا رُبَّ ساعاتٍ لها فضلُ أعصُرٍ
              *   *   *
أيا ليلةً غراءُ فيها تفتَّحتْ
أيا واحةً للتائبين .. أريجها
وأنتِ .. إذا ما الشمسُ تدخلُ خِدرها
أيا ليلةٌ غراءُ فيها تفتَّحتْ
بها الروح للمختار جاء براحه
وقال له: اقرأ، قال: وما أنا قارئٌ
خواطرُ فتاحٍ وآياتُ قادرٍ

 

 

وما ليلة هذي، ولكن سنا يسري
وفي كل وادٍ فضلها منبعُ الخيرِ
بها الخيرُ فيَّاضٌ ولا وجهَ للشَّرِّ
كفضل عُيون الماء في شاسع القفرِ
             *   *   *
نوافذُ غفرانٍ .. وأخرى من اليُسرِ
أتى من جِنان الله ملآنَ بالبِشرِ
سلامٌ وإيمانٌ إلى مطلع الفجرِ!
نوافذ غفرانٍ وأخرى من اليُسرِ
شذا آي رحمنٍ تضوَّعَ بالطهر
فقال له: اقرأ باسم ربِّكَ في بِشْرِ
لها الكونُ قد أصغى وأذعنَ للأمرِ

 

  وفي ميدان المدائح النبوية، فهو فارس هذا الميدان، إذْ يبلغ الإبداع الفني عنده أقصى مداه ... فاستمع إليه في قصيدته (أين الطريق إليك؟) وهو يناجي "الرسول الأعظم" ولعلها من أروع ما جادت به قريحته، وقد نشرتها في كتاب (بستان المدائح النبوية) يقول فيها:

يا سيدي، والشمسُ بعض ضياكا
لا، فأنتَ المصطفى والمجتبى
بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزُيِّنتْ
تتسابق الأقمارُ في أفلاكها
أين الطريق إليك في زمنٍ تنا
لكنها في الأرض أصلٌ ثابتٌ
خطرت على السيف المشع محبة
فإذا الحياة –كما أردتَ- حديقة
وإذا العقول –كما بنيتَ- منارة
تمضي القرونُ وأنتَ أنتَ مُحمَّدٌ
أنتَ الحبيبُ المصطفى والمجتبى

 

هلْ تطفئ الريح العقيم سناكا؟
والكون قاع صفصفٌ لولاكا
والأرض تخطر في ضحى بشراكا
 سعياً إليكَ، وتحتمي بحماكا
فسَ كل ما فيه لمحو خطاكا
وفروعها تتبوأ الأفلاكا
للعالمين وقوّضتْ أعداكا
وثمارها غرس سقته يداكا
وإذا النفوس –كما هويتَ- فداكا
تهب الوجود المر فيض شذاكا
واللهُ ينصرُ كل من والاكا

(صابر عبد الدايم) ليس مجرد أستاذ فحسب؛ بلْ هو مبدع أصيل، وناقد كبير! ساهم في تأسيس كثير من الجمعيات والأندية الأدبية، وأشرف على كثير من الرسائل العلمية، وشارك في عشرات الندوات والمؤتمرات، وحاز على كثير من الجوائز والنياشين! 

كما أثرى المكتبة بكمٍ وافرٍ من النتاج الأدبي المميز، فهو أكثر الأدباء عطاءً وتأليفاً؛ في الإبداع الشِّعري له عدة دواوين، منها (نبضات قلبيْن، والمسافر في سنبلات الزمن، والحلم والسفر والتحول، والمرايا وزهرة النار، والعاشق والنهر، ومدائن الفجر، العُمر والريح). وله مسرحية شِعرية بعنوان: النبوءة! كما ألَّفَ عدداً كبيراً من الدراسات النقدية، منها: الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، من القيم الإسلامية في الأدب العربي، مقالات وبحوث في الأدب المعاصر، الحديث النبوي رؤية فنية جمالية، تاج المدائح النبوية، وشعراء وتجارب، التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث، محمود حسن إسماعيل بين الأصالة والمعاصرة، موسيقى الشعر العربي بين الثبات والتطور، أدب المهجر، الأدب الصوفي، الدليل إلى أهدى سبيل في علمي الخليل، إلى غير ذلك.