كبرياء مشوهة

هنادي نصرالله

مع يقيني أن خيركم من بدأ بالسلام؛ إلا أن كثيرين لا يُلقون بالاً لتطبيقِ الأخلاق الرفيعةِ لديننا الإسلامي الحنيف..

حتى أننا أصبحنا لا نحبُ أن " نتصبحَ" في وجوهِ بعضنا البعض؛ لأننا لا نُريد أن نؤذي حواسنا وشخصياتنا المرهفة وشديدة التأثر حتى من الهواء الهادئ والعابر في الجو الحار أو حتى الماطر..

" أغرابٌ " نجدُ أنفسنا في أماكن كثيرة، نعبسُ في وجوهِ من لا نتواصل معهم؛ ونحنُ نعلم أن " ابتسامتنا في وجوه إخواننا صدقة" لكننا نتفننُ في التنظير نفشلُ فشلاً مدويًا في التطبيق..!!

نضعُ في حسباننا أن من يبدأ في الكلام أو السلام يتنازل عن كبريائه، فنتعمدُ في تجاهلِ النداء السامي لديننا الحنيف؛ ونتناسى لأجل كبريائنا أن أجر الصابرين عظيم، فلا نصبرُ على مرارةِ كتم غيظنا بداخلنا، ولا نعفو العفو الجميل، ونتمادى من يلوي زراع صديقه أو زميله أو قريبه أو حتى شقيقه بالتجاهل أكثر وأكثر؟؟! من يشد الحبلَ حتى ينقطع كل الود؟؟

لأننا نشأنا على ثقافةٍ عرجاء وعلى عاداتٍ مريضة؛  تُفيدُ بأن المتساهلين مع البشر يدفعون دومًا الثمن باهظًا، وأن كرامتهم ستكون دومًا معرضة للإهانة؛ فأصبحتْ أخلاقنا في مأزقٍ خطير بعد أن خلطنا خلطًا عجيبًا بين تهذيب النفس وقهرها وإرغامها على الصفح الجميل وبين ذهاب كبريائنا لصالحِ خصومنا..

وأسقطنا من حساباتنا بأن الكبرياء الحقيقية هو أن تعفو؛ فمن يعفو هو القوي بحق..

تعاملنا مع أنفسنا بمنطق " الأنا" المريض، " الأنا" الذي يحقُ له أن يثأر لنفسه ولو عبر تشويه الصورة الحضارية للمسلمين؛ فباتَ كثيرون يشتمون المسلمين؛ لأنهم أبعد ما يكونوا عن تطبيق الدين، لأنهم مرةً أخرى نسوا أو تناسوا بأن الدين" المعاملة"..

نسوا أن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على خلقٍ عظيم، وأن الله خاطبه في محكم التنزيل" لو كنت فظًا غليظ القلب لنفضوا من حولك" .. ونسوا أيضًا أو ربما تناسوا بأن الله لا يُحب كل مختالٍ فخور..

كل ما رسخوه في قناعاتهم بأن من يُعامل الناس بخلقٍ عظيم؛ فيتغاضى عن سلبياتهم ويتعامى عن أخطائهم المتكررة بحقهم هو إنسانٌ مسكينٌ يذبح نفسه بسكينِ طيبته مليون مرة في اليوم..

ويبقى الإنسانُ مطالبٌ دومًا لأن يكونَ أفضل من غيره؛ ولن يكون كذلك إلا إذا راجع تعاليم دينه؛ وعرفَ مقدار نفسه أمامها؛ وأدركَ كم هو ملتزمٌ بها وكم هو مقصرٌ بها..

ويبقى الخلق الحسن هو من يُهيأ للمسلم سبلَ التقدم والرخاء.. هو وحده من يجعله في مقدمةِ الصفوف..

وعلينا أن نتذكر موقف رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من جاره اليهودي الذي كان دومًا يُلقي بقمامته أمام بيته؛ وفي يومٍ من الأيام خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ير قمامة جاره أمام بيته؛ فاستغرب؛ فما كان منه إلا أن زاره في بيته؛ فوجده مريضًا؛ فأسلم اليهودي..

فهل أسرنا قلوب العالم بأخلاقِ ديننا؟ مازلنا بحاجةٍ إلى الكثير من التدريبات العملية، ومازالتْ نفوسنا بحاجةٍ ملحة إلى اختباراتٍ حقيقة، تمحصُنا هل نحن مسلمون بحق؟ أم أن إسلامنا مجرد صلاة وصيام وزكاة.. وأعود وأذكر بأن الدين" معاملة"..

المسلم أخ المسلم لا يشمته ولا يبغضه ولا يحسده..