فن الزواج 1

هند مناصرة - فلسطين

المقدمة:

يعتبر كثير من الناس، أن الزواج من الأمور الفطرية البسيطة، التي لا تستحق إشغال العقل بها كثيراً. فلا يعيره الاهتمام اللازم، بل يخضعه للمألوف من العادات والتقاليد التي تريحه من عناء البحث في هذا الموضوع.

متناسين بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" فكيف إذ كان ذلك العمل من أهم المشاريع التي تنعكس على حياة الإنسان سلباً أو إيجاباً.

مما يستدعي أن نُقبل عليه مستعينين بالكثير من التخطيط، والدراسة، والمنهجية العلمية المهتدية بنور الكتاب والسنة تارة، وبقواعد النجاح وخبرات المختصين تارة أخرى.

فلماذا نكتفي بالحد الأدنى من التوقعات والطموحات؟

ولماذا نخضع زواجنا لمنظومات المألوف والموروث في بيئتنا الاجتماعية؟

 ولماذا الركون إلى ثقافة لا تتجاوز هذه الحدود؟

فما أحوجنا إلى أن نتنسم عبير النجاح والسعادة، علّها تنعش القلوب الحائرة، وتأخذ بيدها إلى بر الأمان، كلٌ بقدر ما أوتي من عزم وهمة وجلد.

لماذا نحتاج إلى هذه التوعية؟

1.  إن أي مشروع تقدم عليه يخضع لدراسة مستفيضة، وتدريب كافي حتى يحالفنا النجاح فيه، فالتاجر يدرس التجارة، والطبيب يدرس الطب والمهندس وهكذا. غير أن مشروع الزواج يُقبل عليه الكثير من الشباب والشابات دون وعي، أو تصور واضح لطبيعة هذه الخطوة والتزاماتها.

ويفتقدون إلى الحكمة والاتزان، فيكون السلوك قائماً على مقتضى الحال، وتحكمه الأمزجة فيؤدي أحياناً إلى فشل التجربة. وحتى وإن لم يحدث الفشل فإن حياتهم تستمر وسط أمواج الحيرة والإرباك، والخلافات الزوجية المستمرة وانعكاساتها على حياة الأبناء ونفسياتهم وتحصيلهم العلمي........

2.  ارتفاع  نسب الطلاق في الآونة الأخيرة، تثير كثير من التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة الاجتماعية، والتي تعود في بعض حالاتها إلى عدم الاهتمام الكافي بالرابطة الزوجية واحترامها.

3.  تقصير المناهج الدراسية، والمؤسسات المعنية بالشباب، في طرح المواضيع الهامة والمؤثرة في حياتهم ضمن برامجها، ومقرراتها مثل الثقافة الجنسية، وتفاصيل العلاقة الزوجية, والحقوق المترتبة عليها لكل طرف، وفن إدارة الذات، وإدارة شؤون الأسرة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً... فهذا مما ينبغي أن يدّرس بشكل إلزامي وفق المراحل العلمية للطلاب، كل بقدر مستواه، وبالقدر الذي يحتاج إليه.

4.  يتزامن تقصير المقررات والمناهج مع مثيل له من جانب الأهل، فهم مقصرين في توعية أبنائهم بمسائل البلوغ والزواج والجنس، بدافع الحرج المبالغ فيه، مما يضطر الأبناء للبحث عن إجابة لتساؤلاتهم عن هذه الأمور خارج نطاق الأسرة.

وهذا بدوره قد يوقعهم في متاعب تفسد عليهم واقعهم، ومستقبلهم لأنهم يستقون المعلومة من مصادر مشوهة، تتفنن في إثارة الشباب وإغوائهم، وتصور الحياة أمامهم من زاوية الجنس والمتعة، وكأنها غريزة حيوانية مجردة من الرقي والتميز الإنساني.

5.  فن الزواج يأتي لتهيئة البيئة المحيطة بالأبناء، كي يولدوا في جو مستقر، يسوده الدفئ العاطفي المطلوب، والاحترام المتبادل بين الزوجين حتى ينشؤوا تنشئة سليمة، تفرز تلك النماذج المتميزة فتستعيد الأمة مكانتها  في المقدمة بين الأمم.

6.  لقد أدركت مؤخراً بعض الجهات القائمة على إجراءات الزواج، والمحاكم الشرعية ضرورة إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، لتفادي كثير من الأمراض، واشترطت ذلك لإتمام عقد الزواج وهذا جهد طيب لا بد وأن يكمّل بمجهود آخر، ولا يقل أهمية وهو ضرورة أن يخضع المقبلون على الزواج لدورات تدريبية، أو ورشات عمل مكثفة لتثقيفهم صحياً ونفسياً، واجتماعياً، ودينياً وتأهيلهم لدخول الحياة الزوجية بكفاءة،  ووعي وجاهزية عالية.

حاولت أن يكون هذا البحث مختصراً وواضحاً، وأن يكون في صلب الموضوع، فلم أتطرق للحديث عن الأسرة، والأبناء والطلاق والمسائل القانونية، والاختلافات الفقهية، كما هو الحال في بعض الكتب التي تناولت الموضوع.

أتمنى لهذا البحث أن يسهم في سد ثغرة من الثغرات الكثيرة، في بُنيتنا التربوية والأسرية والتعليمية في هذا الجانب .

وأن تتبناه المؤسسات، والمراكز التي تعتبر أماكن تجمع للشباب حتى يصل الجميع وتعم الفائدة، ولا نبقى ندفن رؤوسنا في الرمال، متعامين عن الحقائق المرة، والنتائج الوخيمة لعدم إحساسنا بالمسؤولية.

فليأخذ كل منا موقعه

أتوجه بالشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا البحث وإفادتي برأيه وتوجيهاته،ودعمه, فقد كان لها أثر بالغ في نفسي.  فجزاهم الله كل خير وأخص بالذكر:

الأستاذ تمام الشاعر

الدكتورة مريم صالح

الأستاذ عباس عز الدين مناصرة