مفاهيم قرآنية حبّذا لو تُطبَّق

صبحي غندور*

[email protected]

أجمل ما يُتقرَّب به للّه تعالى في شهر رمضان المبارك قراءة القرآن الكريم الذي يعود المسلمون من خلاله إلى النبع الأصلي لكلّ ما تفرّع عنه فيما بعد من أفكار ومذاهب ومعتقدات.

فقراءة القرآن الكريم في هذا الشهر الفضيل تعني ضرورة الجمع بين تنقية العقل والفكر وبين ترويض النفس والجسد وتهذيبهما. غير أنّ قراءة القرآن دون التفكّر والتعمّق في معاني ومرامي آياته هي كالصوم عن الطعام والشراب دون إدراك الحكمة منه ومن غاياته في تهذيب الذات وفي الحثّ على فعل الخير مع الآخرين. ولذلك قيل إنّ شهر رمضان هو شهر الخير والعطاء والكرم كما أنّه شهر القرآن الكريم.

صحيحٌ أنّ هناك الكثير من الآيات والسور التي تحوج العودة إلى كتب التفسير (الموروث بعضها منذ مئات السنين رغم إمكان التفسير المختلف ببعض المواضع في عالم اليوم وعلمه) لكن أيضاً هناك العديد من الآيات الكريمة الواضحة تماماً في معانيها ومراميها ولا يتمّ التوقّف عندها كثيراً لدى عموم الناس وهم يقرأون القرآن في هذا الشهر الفضيل، أو في غيره من الأوقات، ولا يقارنون أيضاً مضمونها مع واقع حالهم وفي سلوكهم مع الآخرين.

ففي أكثر من آية قرآنية يؤكّد الله سبحانه وتعالى أنّ الحساب للناس هو على أعمالهم بشكل فردي: "يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها .." (سورة النحل/الآية 111)، ""من عمل صالحاً فلنفسِه ومن أساء فعليها .." (سورة فصّلت/الآية 46)، "كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينة .." (سورة المدّثر/الآية 38) الخ .. لكن معظم الناس يتجاهلون الحكمة في هذه الآيات وغيرها بأنّ الله عزّ وجلّ يقاضي الناس ويحاسبهم على أعمالهم بشكل فردي فلا تُظلَم جماعة لا ذنب لها بأسرها إن كانت عائلة أو قبيلة أو طائفة لأنّ فرداً منها أساء، وبأنّه لا يجوز أن ينظر الناس إلى بعضهم البعض من مواقع عائلية أو قبلية أو طائفية، فيتمّ تكريم أشخاص أو ظلمهم تبعاً لانتمائهم وليس بسبب كفاءتهم أو أعمالهم.

وقد كانت هذه الحكمة الإلهية جليّة واضحة في قوله تعالى" "ولا تزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى".

للأسف، فإنّ الكثير من العادات والتقاليد في بلدان إسلامية ما زالت بعيدة تماماً عن مغزى هذه الآيات الكريمة، فالناس يحاسبون بعضهم على أساس جماعي لا فردي، بل يقتلون أحياناً أنفساً بريئة لأنّها تنتمي فقط لجماعة أخرى، كما هو الحال في جرائم الثأر أو ما يحدث في الحروب الأهلية، وفي بعض ممارسات النظم والحركات السياسية.

****

أيضاً، فمشكلة البعض في العالم الإسلامي الآن أنه لا يتوازن في أساليب عمله مع نصوص قرآنية تقوم على رفض الإكراه في الدين:

 - "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (سورة النحل/الآية 125).

 - "أفأنتَ تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين" (سورة يونس/الآية 99).

 - "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" (سورة الحجرات/الآية 13).

 - "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" (سورة الفرقان/الآية 63).

 - "وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين" ( سورة الأنبياء /الآية 107).

- "إنّا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنما يضلُّ عليها وما أنتَ عليهم بوكيل" (سورة الزمر - الآية )39.

* * * *

على صعيد آخر، فإن عدالة قضايا المسلمين لا تكفي وحدها لاستقطاب الرأي العام الغربي (بل حتى الرأي العام الإسلامي)، فلا فصل بين الدعوة وبين الدعاة، بين الرسالة والرسول.

 إن الخلط في الغرب بين الإسلام - كدين وحضارة - وبين ممارسات بعض الجماعات الإسلامية، يقابله أيضاً، عند الكثير من المسلمين، عدم تمييز بين حكومات الدول الغربية وبين شعوبها.

نعم، إن العالم الإسلامي هو اليوم ضحية مشكلة الغرب بأنه لا يتوازن في سياسته الخارجية مع طبيعة مجتمعاته الداخلية القائمة على شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه السياسة الخارجية غير المتوازنة التي تظهر في مجلس الأمن وفي المؤسسات الدولية وفي سياسات وممارسات الدول الغربية مع دول العالم الثالث، ومنها الدول الإسلامية والعربية، حيث حفل ويحفل تاريخ الغرب مع هذه الدول، بالسيطرة والاستغلال والهيمنة، كما هو أيضاً حاضر السياسة الأميركية في العراق وغيره...

.. نعم إن الإرهاب يحدث عملياً على العرب والمسلمين في الأراضي العربية المحتلة، بينما - في الإعلام الغربي- يرتبط الإرهاب بالإسلام والمسلمين... لكن في السنوات القليلة الماضية، لم تعد هذه مشكلة سوء النية فقط في الغرب، بل أيضاً معضلة سوء فكر وعمل بعض الجماعات الإسلامية التي استباحت أسلوب العمليات الإرهابية ضد المدنيين الأبرياء، وتقوم بتحريض المسلمين على بعضهم البعض، وتطرح مفاهيم فكرية لا تتوافق مع النصوص القرآنية الكريمة أو السيرة النبوية الشريفة.

 فأين هذه الجماعات من قول الله تعالى في كتابه الكريم:

 - "من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" (سورة المائدة/الآية 32).

- "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (سورة فاطر/الآية 18).

- "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" (سورة البقرة /الآية 143).

***

فالتطرف الديني والفكري هو السائد الآن في مجتمعات الغرب والعالم الإسلامي، وكل تطرف من جهة يخدم التطرف على الجهة الآخرى.

وليست حجة مقبولة دينياً أو إنسانياً التذرع بوجود حالات تفرض الخلط بين حق المقاومة وباطل أسلوب الإرهاب. فالعمليات العسكرية ضدّ الاحتلال في الأراضي المحتلة حصراً، هو حقٍّ مشروع لأي شعب يقاتل من أجل تحرير أرضه والدفاع عن نفسه.

 وقد نجحت في السابق فيتنام (الشيوعية) بتحرير أرضها وباستقطاب الرأي العام العالمي إلى جانبها من خلال حرصها على حصر معاركها في أرض فيتنام، والتمسك بالطابع الوطني التحرري لقضيتها ضد الوجود العسكري الفرنسي أولاً ثم ضد الوجود العسكري الأميركي، رغم حدّة الحرب الباردة آنذاك بين المعسكرين الدوليين والتعبئة الغربية ضدّ كل ما هو شيوعي، ورغم قدرة الشيوعيين على الوصول لأهداف مدنية فرنسية وأميركية، وعدم وجود محرمات دينية تمنعهم من ذلك!.

***

فهل يتنبّه العرب والمسلمون إلى أن ليس كل من رفع شعار الإسلام، يعني بالضرورة التزامه بالمفاهيم القرآنية الإسلامية؟! وهل يتذّكر المسلمون والعرب ما قامت به إسرائيل وأميركا من اختراقات لجماعات ومنظمات عربية وإسلامية؟ وهل يتّعظ المسلمون من حكمة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الذي أمر بهدم جامع ضرار الذي بناه اليهود في المدينة؟ وهل يربط العرب والمسلمون بين الحملات الصهيونية في الغرب عن الإسلام والإرهاب وبين ما يحدث من عمليات إرهابية باسم جماعات إسلامية؟ وهل انتهى فعلاً مشروع إسرائيل لبناء دويلات طائفية ومذهبية في المنطقة العربية لتقوم الإمبراطورية الإسرائيلية في الشرق حيث تكون الدولة اليهودية هي الأقوى والمسيطرة على باقي الدويلات؟

              

*(مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن)