أيها المسافر في سنين الذكريات

أيها المسافر في سنين الذكريات

مهداة إلى الشيخ الشاعر المجاهد يحيى الزيود "أبو الربيع"

والذي يقضي حكماً بالسجن خمس سنوات ونصف

في سجن النقب الصحراوي / فلسطين

إبراهيم شكارنه

[email protected]

أيها المسافر في سنين الذكريات .... أيها العنيد الودود ... أيها العصي السهل .... يا بحراً من الكلمات ... ويا فيضاً من الذكريات .... أيها الراحل من ذل الراحة ... إلى جنة التعب ...يا جبلاً أشم ... تحدر منه الماء فراتاً فعَم ...

أحاول اليوم في هذه العجالة المتواضعة .... أن أبثك بعض نبضات القلب ... وفاءً وحباً ... ولكنها كلماتي تقف خجلى أمام أديبٍ ألمعي ... ومجاهد عنيد عصي .... يحمل ميراث الأخيار الأطهار ....الذين مروا في عمرِ محافظتك جنين " ولا نزكي على الله أحد " ..... فاعذرني على بساطة كلماتي ... ويشفع لي أنها دفقات قلبي ... وهمسات روحي ... التي تذوب عشقاً في العظام الكبار .

لله درك أبا الربيع حين كتبتَ لزوجِك من سجنك ، في إحدى ملاحم العشق والتربية والجهاد ... تحدثها عن انفعالات وعواطف الأسير... وتحثها على الصبر والثبات ... وهي الصابرة الراضية  :

" إن الأسير كتلةٌ من العزم تُذيبها لحظة احتدام العاطفة ، أو سيلٌ جارفٌ من العواطفِ يحد من اندفاعه ومضة العزم الراشد التي تصنعها انتباهة القلوب الراصدة "

ولما أردت أن تبين للناس من أنت ... وما وجهتك ... جاءت كلماتك حاسمة ...بلا تردد :

عشتُ للصدقِ وبالصدقِ مشـيتْ              وعلى إيقاعهِ شــبَّت ظنوني

 فأنا مــن أجـلهِ الدنيا أتـيتْ              وعلـى نجواهُ فتَّحْتُ عيونـي         

عرفَتْكَ مدارس المملكة العربية السعودية ، ومساجدُ جنين ، وكذلك السجون ؛ خطيباً وشاعراً وأديباً ومفكراً ومعلماً ... ومربياً ... ومجاهداً .... ولا زلت في سجنك توقد الشموع .... ليزهق الظلام .... فما أحببت رغد العيش هناك ... ولا شدك القرب من البيت ... وسنابك الخيل تدعوك شاباً مرفهاً ... وقد فتحت لك الدنيا ذراعيها ... فأبيت إلا عشق الوطن ... وتلبية النداء ....

لله دَرُّكَ أبا الربيع وأنت ترسلها من سجنك في ليلك لمن تحب ، نبضاتِ قلبٍ يحرقه الشوق :

ليتني أيها الســـاري معك     أرقبُ البدر أواســـي أدمعكْ

بتُّ والقلبُ على جمر الغضا      ليت شعري من تُرى بات معَكْ ؟

ولما تدافعت الذكرياتُ في رأسك ،وأنت مكبلٌ بالقيود .... خطها قلمك درراً :

وأرغب أن أكبلَ ذكـرياتي      لأخلص من تدافعها برأسـي

فيدفع رغبتي طول انتظاري     على أبوابها يومي وأمســي

وأني قـد حييت بها زماني       فكيف أفر من عمري ونفسي؟

كعهدك أبا الربيع .... تعشق الحرية ... تسعى لها .. لا تبالي بالرياح ولا العواصف ... تعشق العظماء ... وتغني لهم شعراً يزلزل أركان الظالمين ....

 وحين يرحل الكبار ... ينبري لرثائهم الكبار ... لذا كانت رائعتك  السداسية الملحمية ...

" الحل الوحيد" ... تستمد قوتها من دماء الشهداء العظام .... عياش والشريف وكل قوافل الراحلين نحو الخلد ....وكذلك من إيمانك الراسخ بعدالة خط الشهداء ....حيث رسمتَها بلون الدم والشمس والنخيل .... في لوحاتٍ ست ... لو فطن لها الأقدمون لعلقوها على ستار الكعبة ، تقول في مطلع لوحتها الأولى  :

إحمل سلاحك وانطلقْ .....

فجر ظلامك واحترقْ ....

كي ترجع الشمس التي قتلوا أشعتها بذّل المهزلة ....

كي تشرق القسمات فوق جبين اجمل قنبلة ....

ولتحترق .....

كل السياسات التي رسمت خريطتنا البديلة ....

كل المنافي والعواصم  ....

كل السماسرة الذين تسابقوا    

للغوص في وحل الرذيلة

         ***  

فتشتُ في كل الخرائط ...

فوق هذي الأرض جيلا بعد جيل.

حدّقتُ في كل العيون الحائرهْ ...

ونبشت في الأحزان ...

والأوجاع تشوي الخاصرهْ ...

وقرأت :

في الأحلام ...

في الآمال  …

في الآلام  …

حتى غُصْتُ في كل الصدور الثائرةْ ...

فلم أجدْ  :

حرفا يُقرُّ مرور جندي دخيلْ ...

سطراً يبارك صوت سمسارٍ عميلْ .....

فحلفتُ :

بالزيتون ...

بالدم ...

بالنخيلْ ...

وبجرحنا فوق الجليلْ ...

بطهارة الشهداء يستبقونَ ..

يختلطون ما بين القتيلة والقتيلْ  ...

ألاَّ أفكر بالرحيلْ  ...

أن أرضِع القسام أبنائي ..

واصطحب الشظايا الثائرة ......

كذا أنت أيها الشيخ  الشاعر .... المحب .... العاشق .... المجاهد ..... ترسم لوحاتك هماً ... وعشقاً .... وأملاً ....وشهباً تبطل سحر الظالمين .... و تنصبها شاراتٍ على طول الطريق ... تدل السالكين على صحة المسار.

عظيم أبا الربيع في ثباتك .... لم تنل منك سنين السجن القاسية .... ولم يصب قلبك الجفاف .... بل زاد نبضه بالحياة ... وفاض على من حوله حباً وهمة لا يَحُدُّها حَدٌّ ولا يُقيدها قَيد .... حتى حين جمعوك بأبنائك في سجنٍ واحد ....لم يفت ذلك في عضدك ... فوفيت بقسمك ...وأرضعتهم القسام بعمامته التي تحمل في طياتها وصفة التغيير والتحرير في هذا الزمان .

هي خُضرة الطريق إذاً ... لا يصيبها الجفافْ.

أيها الربيعي المورق أملاً وعزاً :

ما كان لقلميَ أن يحيط بالعظام .... لكنها شاراتُ وفاء .... ونبضاتُ ضياء .... أرسلها في مداراتِ الكبار .... علنا ننال من الله بذلك  قربة .

أسأل الله لك ولكل المظلومين فرجاً قريباً عاجلاً .... وأن يتقبل منكم جهادكم وثباتكم ونبض قلوبكم وصدى كلماتكم ... وصالح أعمالكم ...... وأن يجمعكم مع من تحبون ... في خير مكان تحبون .... على الوجه الذي تحبونْ .... إنه ولي ذلك والقادر عليه.