فقدان الأمومة..

فقدان الأمومة..

معاناة نسائية تستحق التوقف

إيمان سلاوي

 باحثة في القضايا النسائية 

[email protected] 

 تهدد المرأة تحديات نفسية جمة، قد تكون مظهرا من مظاهر هشاشة بنيتها السيكولوجية مقارنة بالرجل، ومن هذه التحديات نجد: العنوسة والترمل واليتم وفقدان أحد الأبناء، وتخلي الزوج عن دعمه ومساندته بالغياب الفعلي (السفر مثلا) أو المعنوي (كما هو الحال في واقعنا.. )

 كل هذه الظروف مما قد يصيب المرأة في مقتل، فيضطرب بسببها توازنها النفسي، ولكن فقدان الأمومة يستحق أن يكون على رأس هذه المواقف الإنسانية الصعبة، وذلك بالنظر إلى ما يلي:

. طبيعة علاقة المرأة بهذه الوظيفة "الأمومة": فقد كشفت الدراسات العلمية الحديثة أن الأمومة مطلب طبيعي ينطق به جسد المرأة، وتفصح عنه ميولها النفسية ومشاعرها الدفينة، فقد أثبتت "الدراسات العضوية الحديثة أن هناك إفرازات هرمونية لدى المرأة تثبت ميلها للأطفال ورعايتهم، وقد تم إجراء التجارب المعملية على الحيوانات والقردة، مما يدل على أن دافع الأمومة له ارتباط بجوانب عضوية بالإضافة إلى ما يمكن أن يكون من دوافع نفسية أو مكتسبة"1.

 ويرى محمد المهدي2 أن "الأمومة من أقوى الغرائز لدى المرأة السوية وهي تظهر لديها في الطفولة المبكرة حيث تحتضن عروستها وتعتني بها، وتكون أقوى من غريزة الجنس (..) ولما كانت الأمومة غريزة بمثل هذه القوة، كان الحرمان منها شديد القسوة على المرأة العقيم فهي تشعر أنها حرمت من أهم خصائصها كامرأة".

2. باقي التحديات النفسية المذكورة قد تكون أخف على المرأة من باب أنها قد تكون مؤقتة، كالعنوسة أو غياب الزوج، كما أنها يمكن أن تعوض بظروف أخرى فالزوج قد يخفف من حدة أثر الشعور باليتم، والأبناء قد يملأون فراغ الزوج، وبقية الأبناء قد يهون بهم المصاب في أحدهم، بينما العقم مشكلة لا يخفت من حدتها إلا الإيمان بالقضاء والقدر، خاصة مع مرور الزمن وتقدم المرأة في السن، وزيادة شعورها بأن حرمانها من الإنجاب قدر لا مفر منه –إلا إن شاء الله غير ذلك-.

 وقد لا نلتفت كثيرا لهذه المعاناة، فصخب الصغار وضجتهم تملأ الحواري والبيوت، وانشغال المجتمع بهم وبلقمتهم وبمستقبلهم يوهم أن هذه مشكلة عدم الإنجاب لا تقض المضاجع، ولا بأس بها إذا تأملنا أجندة المشاكل التي يغرق فيها مجتمعنا، والحقيقة غير ذلك فالمشكلة باتت تكبر وتعظم، يدل على ذلك ارتفاع نسبة العقم في العالم كله. فقد أوردت الشرق الأوسط على لسان الدكتور مازن بشارة أن نسبة العقم في العالم تبلغ 15%3، وأكد أحمد التاجي4 أن "ارتفاع نسبة التلوث في العالم خلال العقدين الأخيرين أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالعقم لدى الرجال من 20 إلى 50%".

 ما أن مشكلة فقدان الأمومة، بالنظر إلى أثرها النفسي البالغ على المرأة من شأنها أن تؤدي إلى تعطيل جزء مهم من طاقة النساء اللواتي يعانين منها، خاصة إذا هن تمادين في الانشغال السلبي بها متمثلا في إتيان الزوايا والسحرة والمشعوذين.

 والحق أننا يمكن أن نطلق –مجازا- على فقدان الأمومة وصف الإعاقة5 بما هي حبس ومنع وتأخير للمرأة عن الانطلاق في الحياة بنفسية مرتاحة وطاقة متجددة (هذا الوصف مناسب بما هو عليه الأمر في الواقع، وإلا فنساء كثر لم يكن فقدان الأمومة بالنسبة إليهن عائقا لأنهن تمكن من القيام بدور الأمومة الرسالية)- كما يؤكد ذلك تصريح العديد من النساء بكون الشعور بالأمومة قد زاد من طاقتهن على التحمل والصبر، والإنتاج والتفاعل مع المحيط الخارجي6.

وكثيرا ما يتحدث عن "حق الأمومة" بما هو حق المرأة في اختيار الإنجاب وعدمه، وحقها في أن تفعل برحمها ما تشاء، أو "حق الأمومة" بما هو حق المرأة في أن تتقاضى أجرا عن قيامها بوظيفة الأمومة، ولا نلتفت إلى حق المرأة بما هو حق المرأة في أن تعيش هذا الشعور، وحقها أن يكون المجتمع إلى جانبها ومساندا لها لتجاوز العوائق التي تحول بينها وبين أن نكون أما –إلا في ما كان فوق طاقة البشر التدخل فيه أو علاجه-. ومن المؤسف أن نرشق المجتمع الغربي صباح مساء باستهانته بالأمومة وبهذه الوظيفة، ونستعرض أمجادنا وبطولتنا في تكريم الأمومة انطلاقا من مرجعيتنا وأدبياتنا وتاريخنا، بينما الإحساس بالمرأة في حاجتها لأن تكون أماً حاضر في الغرب ويكاد ينعدم عندنا، ويكفي دليلا على ذلك: الكتابات في الموضوع، وجمعيات الدعم والمساندة والتوجيه، والفتوحات العلمية في موضوع العقم، ومراكز المساعدة الطبية وأدواتها المتقدمة، والمواقع المهتمة بالموضوع على الانترنيت...

 وكان الأحرى بنا الإقتداء بالغرب في مساندته للمرأة المحرومة من الأمومة، لأننا أولى منهم بذلك لأن ذلك من تكريم المرأة الذي ينص عليه ديننا، ولأن في ذلك استجابة للدعوة النبوية في تكثير النسل الطيب. وأما التأكيد كل يوم على أهمية الأمومة والتحذير من الانسياق وراء الغرب في الاستهتار بها، هو انزلاق منهجي في متاهات من الاحتجاج على مفاهيم وسلوكات شاذة وبطبيعتها لم ولن تصمد أمام قوة الفطرة والغريزة حتى في الغرب نفسه7. إذ لا توجد امرأة سوية زاهدة في الإنجاب. ففي دراسة ميدانية تم القيام بها في تونس حول ظاهرة انعدام الأمومة تبين "أنه لا يوجد إطلاقا امرأة واحدة متزوجة وعديمة الأمومة –من ضمن العينة المدروسة- مهما كان سنها ومدة زواجها وبقطع النظر عن الحالة الخصوبية لها، وقدراتها الفيزيولوجية لا ترغب في الإنجاب".

 وبعد هذا كله، ما هو المطلوب من المجتمع لمساندة المرأة المحرومة من الأمومة:

1. ارتفاع نسبة الوعي بالموضوع:

 أ. عند المرأة نفسها: ومن ذلك تحصينها بالإيمان والرضا واليقين في قدرة الله تعالى التي تفوق كل قدرة وكل أخذ بالأسباب، ثم تحصينها بالثقافة الطبية المطلوبة لفهم حالات العقم المفترضة وأساليب علاجها الممكنة، ومن مظاهر الوعي المطلوبة في هذا الصدد تسلح المرأة بالإرادة القوية والإصرار على الأخذ بالأسباب إلى أبعد مدى ممكن..

 ب. عند الزوج: وذلك بتفهم الزوج أن علاقة زوجته بالموضوع ستكون ذات طبيعة انفعالية مختلفة عنه، وبذلك فالمطلوب أن يكون خير سند لها في تحقيق ما سبق ذكره..

 ج. عند الأهل: وذلك بتعويض حالة المحاصرة والإحراج في الموضوع –عدم الإنجاب- بحالة من التفهم والعطف الفاعل، لا الشفقة المحزنة، ووعي الأهل من شأنه أن يجعلهم عنصرا داعما ومشجعا للمرأة للصبر على تتبع الخطوات العلاجية الممكنة..

 د. من المجتمع: وذلك بتأسيس الجمعيات المحسسة والموجهة والمدعمة في الموضوع، ولا بأس أن نظهر نوعا من التكافل في هذا الباب، لا سيما أن علاج العقم في بلداننا مكلف جدا، والإنفاق في هذا الباب من خير وجوه الإنفاق. فما أعظمها من نعمة أن يكون أحد المسلمين سببا في إكساب الأمة ذرية طيبة صالحة مصلحة.

 2. تحسين الخدمات الصحية في الموضوع: ويمكن اختزال هذا التحسين في أمرين اثنين:

 أ. المجانية: فإذا كان الموضوع بطبيعته مكلفا جدا من الناحية النفسية، فما أقسى أن يزيد على ذلك الكلفة المادية التي لا يطيقها المواطن المغربي العادي الذي بالكاد يستطيع أن يفتح بيتا، إن هو استطاع ذلك.

 ب. الرأفة: إذ يعترف الأطباء أنفسهم أن نسبة من الغموض كبيرة لا زالت تحيط بموضوع العقم، وأن محاولتهم هي اجتهادات في حدود ما توصل إليه العلم، وتبعا لذلك فأولى بهم تقدير الحالة النفسية للمرأة التي تلجأ إليهم آملة أن تصل بمساعدتهم إلى أعظم شعور تتوقف عليه حياة البشر.

 ج. المكافأة والتكريم للمرأة التي أبت إلا أن تكون أما رغم فشل محاولاتها في مواجهة العقم، ولنا في القرآن الكريم في بيان إكرام الله لنساء حرمن من الأمومة، فأحسن إليهن وأكرمهن بالذرية كزوجة إبراهيم وزوجة زكرياء أو وجه آخر من وجوه الإكرام هو تمكين بعضهن الآخر من فضل الأمومة الراعية، وخير مثل في ذلك "أمهات المؤمنين" اللواتي كان لهن شرف الأمومة للأمة كلها لفضلهن في التبليغ والتوجيه.

 وكم من نساء باءت جهودهن بالفشل في طلب الولد، فلم يثنهن ذلك عن إمامة الناس وعن تربية الأجيال والإحسان إلى من ولدته غيرهن.

 وهذه الفئة تستحق من المجتمع تكريما خاصاً، وتستحق من أبنائها الذين كان لها الفضل في تربيتهم والإحسان إليهم براً ظاهراً تهدأ به نفسها وتقر عينها في حدود معينة.

 والخلاصة أن الظلم الذي تعيشه المرأة المحرومة من الأمومة، هو وجود حلول لمشكلتها بينما لا تستطيع الاستفادة منها، إما لجهل أو لفقر أو لقهر اجتماعي مفروض، فإذا كان 15% من سكان العالم يعانون من العقم فإن 8% من الحالات يمكن علاجها. ومن العيب أن تكون المرأة المسلمة الصالحة عاجزة عن الاستفادة من الممكن، ومن العيب أن يكون المسلمون في غفلة عن الموضوع فلا يحققون الفتح بالبحث عن الحل للنسبة الباقبة ممن تعاني من مشكلة الإنجاب في العالم كله. بهذا يتم إكرام المرأة، وبهذا نقدم الدليل على حسن عنايتنا بمشاكلها.

ــــــــــــــــــــــ

1/ عبد الرحمن المطرودي، "الإنسان: وجوده وخلافته في الأرض في ضوء القرآن والسنة"، ص276، مصر، ط1.

2/ استشاري في الطب النفسي.

3/ وأكد ذلك أن 8% من هذه النسبة قابلة للعلاج، وسنعود في نهاية المقال إلى دلالة هذا الأمر.

4/ أستاذ أمراض النساء والعقم بجامعة الأزهر.

5/ في المعجم الوسيط: "عاقه عن الشيء عوقا أي منعه منه، وشغله عنه، فهو عائق".

6/ أوردت إحدى المواقع النسائية على الانترنيت كلام إحدى النساء متحدثة عن أثر الأمومة عليها فقالت: "الأمومة أشعرتني بالوجود الحقيقي في هذه الدنيا، وإنني كائن قادر على العطاء أكثر من أي وقت مضى".

7/ يكفي النظر إلى حجم النقاش ونسبة المهتمات بموضوع العقم في مواقع طبية ونسائية عربية على الانترنيت، فعلى سبيل المثال: في موقع Gyneweb الفرنسي 310823 رسالة في أحد فروع المنتدى المتخصص في مناقشة موضوع العقم

              
 

الإسم الشخصي: إيمان

الإسم العائلي: سلاوي

تاريخ ومكان الازدياد: 17/07/1974 بمدينة فاس  المغرب

الوظيفة: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي

العنوان: ثانوية أبي القاسم الزياني  خنيفرة  المغرب

الهاتف: 067082480 / 055588941

البريد الإلكتروني: [email protected] أو [email protected]

2 الشهادات المحصل عليها:

 الإجازة: من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة الدراسات الإسلامية، سنة 1995م

 دبلوم الدراسات المعمقة: من جامعة محمد الخامس بالرباط، شعبة الدراسات الإسلامية، تخصص الفكر الإسلامي،سنة 1996م

_ شهادة الدكتوراة من جامعة محمد بن عبد الله ، شعبة الدراسات الإسلامية ، وحدة القرآن والحديث ,سنة 2006م .

3 المهارات:

 شهادة الأهلية التربوية للتدريس: محصل عليها من المدرسة العليا للأساتذة بفاس، سنة 1999م

 سنوات من الممارسة الميدانية في التدريس

 اللغات: التحدث والكتابة باللغة العربية بمستوى جيد جدا، التحدث والكتابة باللغة الفرنسية بمستوى متوسط، الإلمام ببعض مبادئ اللغة الإنجليزية

 تجربة في العمل الجمعوي تسييرا وتأطيرا

4 المنجزات:

 البحوث:  بحث مقدم لنيل شهادة الإجازة حول"الحركة النسائية بالمغرب: جذور  حاضر  آفاق"

  بحث مقدم لنيل شهادة الدرسات المعمقة حول "نحو معالجة واقعية لمشكلات الأسرة المسلمة"

  بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراة حول "الوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة"

 المقالات: عدة مقالات منشورة بعدد من المنابر (مجلة الفرقان،مجلة الخطوة...)

 مشاركات إذاعية وتلفزية: ( إذاعة طنجة ، قناة اقرأ)

 محاضرات ومشاركات في ندوات حول المرأة والأسرة

 مواعظ ودروس مسجدية

5 العضويات:

 عضو مؤسس لجمعية " منتدى الزهراء للمرأة المغربية"

 رئيسة جمعية" إفسان للتكافل والتنمية".