من كتاب اليهودية في العراء

بين الوهم والحقيقة

"أصل اليهود وإخفاء الحقيقة"

محسن الخزندار

[email protected]

 أصل اليهود

 من هم بنو إسرائيل-الفرق بين العبرية واليهودية عبر التاريخ

علاقة اليهود بالكنعانيين واحتلال العبرانيون لفلسطين (أرض كنعان)

اللغة العبرية واحدة من اللغات السامية (الكنعانية)

 تذكر بعض المراجع التاريخية أن العبرانيين من أصل سامي نزحوا من الجزيرة العربية بين 1500-1200 ق.م فهم من الناحية الجغرافية والجنسية أقرب نسباً للعرب وذلك برأي المؤرخ فيليب  وأن الشعب العبري القديم مزيج بين شعبين ساميين واحد قدم من مصر والصحراء السورية والثاني بقيادة سيدنا إبراهيم أتى من الشمال وقد دخل في هذا المزيج البشري عناصر غير سامية من الحيثيين والحوريين .

ووتشير الوثائق الأثرية الحديثة والدراسات على أن العبرانيين المذكورين في التوراة من جماعة العبيرو وأن نسبه الجنس السامي فيهم ويرى ويستبرج أن هناك صنفين من اليهود صنف نسبه الأرمن وهو أبيض اللون ضخم الأنف وصنف سامي ذو أنف رقيق ويقول والتر ميتشل أن تاريخ اليهود بدأ بين الشعوب التي تشغل البلاد الواقعة بين النيل وبين نهري دجلة والفرات .

ويقول نوث أن اليهود ظاهرة فريدة بين الأمم التاريخية وأنه لا يمكن إطلاق معنى الأمة عليهم وأنهم يرجعون إلى أصول متنوعة وهذا يوحد ما بين العبرانيين والعيبرو [1] .

رحلت تلك الشعوب من مواطنها الأصلية في آسيا الصغرى والهند وفارس إلى اليونان وإيطاليا وفرنسا في الغرب وكانت لمواطن الأصلية لشعوب الهند وأوروبة وأرمينا وشرق بحر قزوين وجنوبي روسيا وآسيا الصغرى وهذه الشعوب هي الهكسوس - الحيثيون -الحوريون والهكسوس هو الاسم الذي أطلقه المؤرخ المصري (مانثيون) من عهد البطالمة في القرن الثالث قبل الميلاد على الحكام الآسيويين الذين سيطروا على مصر من سنة 1730 حتى سنة 1560 ق.م. تقريباً وقد قال في غارة الهكسوس على مصر: لا أعرف لماذا هبت رياح الغضب الآلهي علينا حتى تجاسر فجأة أناس من أصل غير معروف جاؤوا من آسيا فأغاروا في عهد (الملك توتيمايوس) على بلادنا مصر واستطاعوا بسهولة ودون قتال أن يستولوا عليها وقد أسر هؤلاء القوم زعماء البلاد وأحرقوا المدن بصورة وحشية وهدموا معابد الآلهة وعاملوا السكان بمنتهى القساوة فقتلوا بعضهم وساقوا النساء والأطفال إلى العبودية.

 كان يطلق على جميع هؤلاء الغزاة اسم الهكسوس الذي يعني الملوك الرعاة لأن كلمة هيك في اللغة المقدسة تعني الملك وكلمة سوس يقصد بها في اللغة العامية الراعي ومن اجتماع الكلمتين تألف اسم الهكسوس.

إن ما يدعيه مانيثيون عن اشتقاق كلمة هكسوس ليس صحيحاً على الإطلاق فإذا كانت كلمة حيقا تفيد حقاً في اللغة المصرية القديمة الرئيس أو الأمير فإن الكلمة الثانية سوس لا ترجع في الأصل إلى شاسو أي البدو أو الرعاة بل هي مختصرة من كلمة خاسوت التي تعني البلاد الأجنبية ومما يؤيد ذلك أن تعبير حيقا خاسوت يطلق منذ عهد السلالة الثانية عشر (2000 ق.م.) على رؤساء القبائل الذين كانوا يعيشون في فلسطين وبادية الشام وكانوا يزورون الولاة المصريين في منطقة بني حسن ويقدمون إليهم الهدايا ولذلك يتفق الباحثون في تاريخ مصر على أن كلمة هكسوس تعني حكام البلاد الأجنبية.

وقد اختلف المؤرخون في أصل الهكسوس والبلاد التي قدموا منها فيرى يوسيفوس: أن هناك من كانوا يعدون الهكسوس من العرب وتقول رواية أخرى ينقلها لمانيثيون إنهم من الفينيقيين.

وقد حاول يوسيفوس نفسه أن يكتشف العلاقة ما بين الهكسوس وأجداد اليهود فقال إن كل الدلائل تشير إلى أن قصة يوسف وإخوته قد حدثت في عهد الهكسوس وأنه لا يستبعد أن يكون خروج موسى وبني إسرائيل من مصر بسبب طرد الهكسوس لهم من البلاد ولكن ليس هناك وثائق تؤيد مثل هذه الدعوى.

إن ما يمكن تأكيده بالاستناد إلى الشواهد التاريخية هو أن استيلاء الهكسوس على مصر لم يتم في شكل غارة بربرية مفاجئة كما يصفها مانيثيون فالتنقيبات الأثرية لا تشير إلى أعمال التخريب والإبادة ولا تدل على وقوع تغيير جوهري في تكوين المجتمع المصري من خلال السكان والعادات والتقاليد والطقوس الجنائزية والحقيقة أنه لم تكن هناك غارة بالمعنى الصحيح بل حدث تسلل بطيء وتغلغل تدريجي ومن المؤكد أن الغزاة الذين استولوا على مصر لم يكونوا ينتسبون إلى عرق واحد فجميع الظواهر تدل على أنهم كانوا خليطاً من أقوام مختلفة أكثرهم من الساميين: العموريين والكنعانيين ومن بينهم أيضاً الأقوام الآسيوية الأخرى وقد اعتاد المصريون مشاهدة أفراد وجماعات صغيرة من هؤلاء الآسيويين يتسللون إلى وادي النيل طلباً للرزق.

 وكان يطلق عليهم أسماء مختلفة مثل عامو وستيتيو ورتينو ويقصد بهم أحياناً البلاد وأحياناً أخرى القبائل ومن المعروف أن بلاد الشرق الأدنى تعرضت منذ الألف الثاني قبل الميلاد إلى هجمات القبائل الهندية الأوربية من الشمال والشرق وإلى هجرة جماعات منهم إلى الجنوب مثل الحثيين الذين استقروا في الأناضول ثم الكاشيين الذين استولوا على بابل وحكموها أكثر من خمسة قرون (1700-1175 ق.م.) فالحوريين الذين أسسوا فيما بعد مملكة ميتاني في الشمال ما بين النهريين ويبدو أن موجات من هؤلاء المهاجرين بلغت سورية وفلسطين دفعت قسماً من سكان هذه البلاد الذين اختلطوا بهم إلى دخول مصر معهم [2].

كانت مصر في حالة فوضى واضطراب بعد انقراض السلالة الثانية عشرة (حوالي 1785 ق.م.) وقيام السلالة الثالثة عشرة (1786-1633 ق.م.) التي تعاقب ملوكها بسرعة وكثرت فيها الفتن والثورات فتفككت أوصال المملكة واستقلت الدلتا الغربية تحت حكم السلالة الرابعة عشرة (1786-1613 ق.م.).

استفادت جماعات الهكسوس من ذلك الانقسام ويذكر أن الهكسوس قد تسللت واستقرت في مختلف أنحاء الدلتا الشرقية من ضعف الحكومة المصرية المركزية فاستولت على موقع المدينة القديمة (حت-وعرة) إي (آواريس) في الدلتا الشرقية وكان هناك معبد للإله سيت فقام الهكسوس بإعادة بنائه وتوسيعه لأنهم رأوا في هذه الإله المصري القديم وهو أخ وعدو لأوزيريس تجسيداً للإله بعل أو رشف عند الساميين وأخذوا يهتمون بطقوس عبادة سيت أو سوتخ ويعملون على تطويرها لعبادته.

وقد رافق هذا البحث إلى تحديد التاريخ الذي أعيد فيه بناء المعبد أواريس بعد أن عثر عليه في مدينة تانيس التي أنشئت مكان أواريس على السلة المعروفة باسم مسلة العام 400 أي المسلة التي يخلدونها بالاحتفال بذكرى مرور 400 سنة على إعادة بناء المعبد وقد نصبت المسلة بأمر من رعمسيس الثاني ولكن الاحتفال كان قد جرى قبل ذلك في عهد حرمحب سنة 1320 ق.م. ومن هناك يستنبط أن إعادة بناء المعبد من قبل الهكسوس تمت سنة 1720 ق.م. تقريباً.

وبعد الاستقرار في أوراريس استولى الهكسوس تدريجياً على أكثر المقاطعات الدلتا ومنها واستطاعوا بعد 46 سنة أن يدخلوا العاصمة ممفيس في سنة 1674 ق.م. وأن يجلس على العرش أحد زعمائهم اسمه مانيثون ساليتيس وسيأتي ذكره في بردية تورينو باسم (ما ايب رع شيشي) ومع هذا الملك بدأ حكم السلالة الخامسة عشرة إذ اعتد الهكسوس أنفسهم الملوك الشرعيين منذ ذلك التاريخ وبسطوا سلطانهم على بلاد مصر كلها وإن ظل أمراء طيبة يتمتعون في الجنوب بشيء من الحكم الذاتي.

يقول المؤرخ مانيثون: إن الملك ستاليتس (أي شيشي) أخذ يجمع الضرائب من الإقليمين الشمالي والجنوبي كما أنشأ ثكنات وقواعد عسكرية في أهم الأماكن وقام بتحصين المنطقة الشرقية خوفاً من أن يزداد الأشوريون قوة ويطمعوا في مملكته ويهاجموها ولذلك أقدم على إعادة بناء مدينة (حت-وعرة) ذات موقع ممتاز إلى الشرق من فرع النيل البوباسطي تسمى حسب التقاليد الدينية القديمة أي آواريس فحصنها بأسوار متينة جداً وأسكن فيها حوالي 240 ألفاً من الجنود المجهزين بأسلحة ثقيلة وكان الملك يأتي إلى هذه المدينة في الصيف لتوزيع القمح على الجنود ودفع رواتبهم والعناية بتدريبهم وإجراء الاستعراضات العسكرية التي تدب الرعب في نفوس الأجانب.

وقد تعاقب عدد من ملوك الهكسوس على عرش مصر إلا أن هناك اختلافاً كبيراً في الروايات التي تذكر أسماءهم وتدل الوثائق المصرية إلى عدد الأسماء التي عثر عليها منقوشة على قطع صغيرة من الأواني الفخارية والجعلان أو مكتوبة على بردية تورينو وغيرها إلى 23 اسماً وكان بعض هؤلاء الحكام يطلق على نفسه لقب ملك الشمال والجنوب وآخرون لقب حقا- خاسوت أو لقب الإله ايطب أو لقب ابن الشمس وقد ذهب الباحثون بعد مقارنة المصادر المختلفة إلى أن الأسرة الخامسة عشرة (1674-1567 ق.م.) تضم ستة ملوك اصطلح على تسميتهم الهكسوس الكبار في حين أطلق على الأمراء الآخرين الذين كانوا يحكمون في الوقت ذاته بعض المقاطعات اسم الهكسوس الصغار.

ويبين التدقيق في الأسماء المتناقلة أن بعضها سامي محض مثل يعقوب- هر أو يعقوب- ايل أو عناة- هر نسبة إلى الإلاهة عناة وينطبق ذلك على موظف كبير اشتهر ب الخازن وكان اسمه حور.

واشتهر بين ملوك الهكسوس الملك خيان الذي يطلق عليه يوسيفون اسم (يانناس) وقد بقى في الحكم حوالي خمسين عاماً([3]).

وهناك عدد كبير من الآثار نقش عليها اسم هذا الملك عثر عليها في مختلف أنحاء مصر وخارج وادي النيل كجزيرة كريت وبالاستناد إلى ذهب بعض المؤرخين إلى أن الهكسوس كانوا يحكمون إمبراطورية شاسعة تشمل الشرق الأدنى كله ولكن الباحثين تخلوا في الوقت الحاضر عن هذه الدعوى لأن الآثار المذكورة يمكن أن تكون قد انتقلت عن طريق التجارة.

وخلف خيان على العرش (أبوفيس الأول) الذي ظل في الحكم أكثر من أربعين عاماً وكان علاقاته حسنة بأمراء طيبة بل يبدو أنه زوج ابنته الأميرة حريت من أحد هؤلاء الأمراء.

وقد اتخذ ملوك الهكسوس ألقاباً مصرية ينسبون فيها أنفسهم إلى الإله رع فكان خيان يسمى سااوسران رع وأبوفيس يلقب عااوسررع وكان خمودي آخر ملوك السلالة الخامسة عشر يلقب عاسهر رع.

ولا يمكن وصف عهد الهكسوس بالانحطاط والهمجية كما فعل مانيثون لأن الهكسوس احترموا تقاليد المصريين واقتبسوا حضارتهم وعبدوا آلهتهم واستخدموا الكتابة الهيروغليفية واعتمدوا على الموظفين المصريين في إدارة شؤون الدولة ويبدو أن كثيرين من السكان المصريين كانوا يتعاونون عن طيب خاطر مع الهكسوس الذين اعتنوا بتشييد الأبنية والمعابر التي تنم عن ذوق فني، ويرجع الفضل للهكسوس في المحافظة على كثير من النصوص الأدبية والعلمية التي كان ملوكهم يشجعون على استنساخها ونشرها.

إن عهد الهكسوس في مصر لم يكن نكبة على البلاد بل أفادها من وجوه كثيرة فقد نشأت علاقات عائلية وتجارية وثقافية بين المصريين وسكان الشرق الأدنى ولم تنقطع  هذه العلاقات بعد خروج الهكسوس وقيام المملكة الحديثة بل ازدادت اتساعاً وقد ساعد الاختلاط بالآسيويين (الأجانب) على تحرير المصريين من مركب العظمة الذي جعلهم ينعزلون في وادي النيل ويستكبرون على جيرانهم وأضاف الهكسوس إلى مصر عنصراً مادياً جديداً فقد انتشرت الخيول في عهدهم والتي استخدموها في المركبات الحربية وشاع استعمال البرونز الذي ساعد على صناعة الأقواس المركبة والسيوف المقوسة والخناجر والحراب البرونزية واستخدام الشادوف في السقايه وكذلك عرفت طرق جديدة في النسيج و ادخل بعض الآلات الموسيقية الجديدة.

ولولا هذه الاختراعات العلمية والخبرات الحربية التي اكتسبها المصريون من الهكسوس في حرب التحرير مع الهكسوس لما تمكنت الملكية الحديثة من القيام بالفتوحات الكبيرة في فلسطين وسورية حتى الفرات.

وقد اتحدت مصر وفلسطين وسورية تحت حكم الهكسوس وتوطدت بينها العلاقات الحضارية ولاسيما التجارية واستمرت هذه العلاقات بعد إخراج الهكسوس واستيلاء المصريين على فلسطين وسورية.

ويتناقل المصريون مختلف القصص والأساطير عن حرب التحرير التي بدأها أمراء طيبة من السلالة السابعة عشرة بقيادة كاموس الذي ثار على الهكسوس وتابعها أخوه (أحموس الأول) الذي أسس السلالة الثامنة عشرة وحكم خلال الفترة 1570-1546 ق.م. وقد استطاع الاستيلاء على اواريس وإخراج الهكسوس من مصر ومطاردتهم إلى ما وراء الحدود الشرقية ثم دخل فلسطين وحاصر مدينة شاروحين (تل الفراعنة) الواقعة في وادي غزة فسقطت في يده بعد ثلاث سنوات([4]).

و الهكسوس لم يكونوا أبداً مخربين بدائيين بل كانوا جماعات متعددة تقودهم جماعة من العموريين حمعوا الارث الثقافي والديني لبلاد ما بين النهرين وسورية ولقد نشروا ما لها من كنوز على طول شاطيء البحر المتوسط ولم تكتشف التنقيبات الأثرية فيما يخص عبورهم أرض كنعان في القرن السادس عشر ق.م عن أي تخريب للثقافة أو ديانة الكنعانيين في القرن الثامن عشر والسابع عشر ق.م لقد حملوا معهم إرث أجدادهم إلى مصر التي عرفت بعد قرنين إزدهاراً سريعاً قصير الأمد في عهد أخناتون الذي واجه رفض طبقة الكهنة لمبدأ التوحيد العومري ، ولقد بلغ انتشار النهضة الكنعانية درجة أنها وصلت معها إلى مصر دون قتال والراجح أن الهكسوس الذين ملكوا مصر مدة من الزمن تقدر قرن ونصف من.(1700-1550) ق.م وتبنوا النظام المركزي في الحكم قد وفدوا من أرض كنعان.

وقد عُرف الهكسوس (حقاوخاسوت أي حكام البراري) وعرفوا أيضاً باسم الملوك (الرعاه) وكان المصريون يسمون كل الآسيويين بالسكان على الرمال وعرف منهم جماعة العامو أو بدو الرمال.

أسسوا إمبراطورية مترامية الأطراف في فترة محدودة من النيل إلى الفرات ولم تستمر هذه الإمبراطورية أكثر من 150 عام ويرجح إلى تواجد الهكسوس في هذه النواحي لأكثر من 1800 عام وجاء وصفهم بالبطش والوحشية فقد كان حكمهم له مظاهر من الحضارة والتمدن وكانوا خليط من القوقاس ومن جماعات العيبرو (السيتو والعامو) في الهلال الخصيب .

بنى الفراعنة سوراً بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط في عهد سنوسرت لرد هجمات الآسيويين وقد جدد بناء السور عدة مرات وكان له بوابات على طول برزخ السويس وذلك بغية التحكم بحركة الدخول إلى مصر وكان يوجد قلعة عند مدينة بلبيس حالياً الهدف منها حماية الدلتا شرقاً وبهذه الوسيلة استطاعت مصر منع قبيلة السيتو من دخول مصر والسيتو هي قبيلة من البدو شديدة الشغب والعنف وسمحت لقبائل العامو المسالمة الدخول إلى مصر وقد تمكنت إحدى الغزوات الآسيوية والتي عرفت بالهكسوس من السيطرة على مصر لمدة 150 عام واسم الهكسوس يوناني هو تحريف لكلمة حقاو خوسوت أي حكام البراري الذين سيطروا على الشام لأكثر من 1800 عام .

وحكام البراري هم ملوك الرعاه والمؤرخون يسمونهم (اليونان الهكسوس) أما العرب الأقدمون يقولون أنهم هم العمالقة أو العرب البائدة ويقول يوسيفوس: أن معنى كلمة هكسوس -الملوك الرعاه و أنها مؤلفة من (هيك) ومعناها الملك وسوس ومعناها الراعي أما بروكش فيقول أنها مؤلفة من هيك ومعناها الملك وشاسو ومعناها البادية أو البدو وهؤلاء المؤرخون يجمعون على أن العمالقة عرب وأنهم هم الشاسو الذين جاء ذكرهم في تاريخ مصر القديم كما جاء في كتاب (العرب قبل الاسلام) لجرجي زيدان.

وكان القسم الأكبر منهم كنعانيين أموريين ودخل معهم الحوريون الذين أصبحوا في هذه المنطقة أي فلسطين جاليةٌ وشعب عظيم وأصبح اسم فلسطين في تلك الفترة خوري وكذلك دخول القبائل الآرية إلى فلسطين الأمر الذي دفع الكنعانيين والعموريين والقبائل الآرية السابقة سبباً في الاقامة بفلسطين إلى الهجرة إلى مصر وقد أدخل الهكسوس فنوناً بارعة في القتال منها عربة القتال التي تجرها الخيول والمنجنيق والدرع والرماح وأدوات الحرب المصنوعة من البرونز الذين برعوا في صناعتها وسلب الهكسوس ديانة وحضارة الكنعانيين([5]) .

كان الشاسو ينتقلون في بادية مصر الشرقية بين النيل والبحر الأحمر ويرحلون إلى سيناء وما وراءها وكان المصريون يخافون بأسهم وبطشهم فكانوا مشهورين بالشدة والشجاعة كان الفراعنة يستعينون بالهكسوس في حروب بعضهم على بعض وسنحت الفرصة للشاسو فوثبوا على مصر وذلك في زمن سيدنا إبراهيم وملكوها مدة خمسة قرون وكونوا فيها مملكة عربية وتشير الدلائل والوثائق المصرية أن سيدنا يوسف قد استوزر فيها وقد اتخذ الهكسوس شرق الدلتا عاصمة لملكهم وعبدوا الاله سوع كما جاء في كتاب (ديانة مصر القديمة) للدكتور أدولف أدمان .

وعبد جزء من الهكسوس وهي قبائل العامو البدوية (الإله ست) إله الشر والصحراء ، وبعد انتهاء حكم الهكسوس وطردهم من مصر خرج من تبقى من الآسيويين وبقايا الهكسوس مع سيدنا موسى عددٌ لا يستهان به من العبيد والذين حاربوا مع يشوع وداوود وهم من ضمن جماعات الهكسوس المطرودة من مصر [6]

و يكاد الباحثون يجمعون على أن العبرانيين الذين تشير إليهم التوراة هم من (العبرو) وقد دلت الوثائق والإشارات التي أشارت إليهم رسائل تل العمارنة ووثائق أوغاريت وماري وغيرها من وثائق الدول والممالك.

وتقول الدكتورة كينون:إن ترادف كلمة (عبراني) و (عبيرو) أو (خيبرو) و (هيبرو) وتطابقها في المعنى لا يثير أي اعتراض لغوي وأن العيبرو في رأي معظم العلماء لا يمكن الاعتراف بهم كجماعة تنسب إلى عرق أو جنس واحد لأنه ليس لهم أسماء خاصة تدل عليهم ولا يحترفون حرفة محددة فأحياناً يكونون جنوداً محترفين وأحياناً عمالاً عاديين وأحياناً عبيداً مستخدمين والصفة الوحيدة المشتركة بينهم أنهم أجانب وأغراب وأن أنسب ما يمكن أن ينطبق عليهم من التفاسير أنهم عصابات مغامرة وجنود تسعى وراء الكسب وأنهم يظهرون في الأماكن المضطربة غزاه للمدن غير المحصنة ويتجندون كمرتزقة في جيوش الدول القوية وأنهم في أيام السلم يبيعون خدماتهم كعمال وعبيد للحكومات القوية وهذه الجماعات أتت من مصادر متنوعة:

أ‌-                   من الأشخاص الذين لا مأوى لهم.

ب‌-               من العصابات المغامرة التي تفتش عن أرض خصبة وتغزوها مثل الحوريين.

ت‌-               من العصاة الخارجين على القانون ممن أخرجوا من ديارهم.

ث‌-               جماعات من البدو الفقيرة والمهاجرة من الجزيرة العربية وهذه الجماعات ذات أصل مختلط وتتشابه قصة اليهود والمنطقة التي تجولوا فيها وتنقلوا فيها مع قصة العيبرو وتنقلاتهم وتحركات العيبرو جاءت إلى فلسطين ومنطة الهلال الخصيب بجماعات من أجناس مختلفة كالهكسوس والحيثين والحوريين

ويقول البروفيسور جون برايت أن مصطلح عيبرو مهما كان مصدره لا يرجع الأصل إلى وحدة عرقية وإنما إلى طبقة في المجتمع دون مكان في تركيب المجتمع القائم.

وتعيش جماعة العبيرو حياة شبه بدوية تخلد أحياناً إلى الاستقرار والسلم وتعيش أحياناً حياة قائمة على الغزو.

ورد اسم  الخيبرو لأول مرة في الكتابات المسمارية من عهد الملك الأكدي نرام سن في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد وكان السومريون أحياناً يكتبونه بعلامات تمثل كل منها كلمة فيأتي على شكل سا كاز .SA. GAZ وظهر الاسم في رسالة من مدينة ماري من القرن الثامن عشر قبل الميلاد وفي الوثائق الحثية من القرن السابع عشر قبل الميلاد وفي مدونات نوزي مركز الحوريين الحضاري في العراق في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وكان الخابيرو في عصر العمارنة يثيرون القلق والفزع في فلسطين وورد عنهم في رسالة من عبد خيبا ملك القدس إلى أخناتون: أن الخابيرو يدمرون كل بلاد الملك. وانصاعت بلاد الملك للخابيرو.

بالرغم من تعدد الإشارات إليهم في فترات مختلفة ومناطق متباعدة فإن الآراء ما زالت مختلفة حول تحديد هويتهم القومية ويرى عدد من المؤرخين أن لفظ خابيرو ومرادف للفظ عبيرو  apiruالذي ورد في المصادر المصرية وأن اللفظين مرادفان لتعبير ثالث وهو عبري الذي ورد في التوراة لقباً لإبراهيم الخليل ودليل أصحاب هذا الرأي هو التشابه اللفظي الواضح بين الألفاظ الثلاثة وخاصة إذا اعتد بما هو معروف في الكتابة المسمارية من عدم وجود علامة لصوت العين فكانت الخاء تحل محلها عادة (خابيرو= عبيرو)  أما وجود صوت الباء  pفي اللفظ الذي ورد في النصوص المصرية بدلاً من الباء في خابيرو وعبيرو وهو أمر لا يحدث عادة في اللغة المصرية فقد فسر بأنه حدث بتأثير من اللغة الأوغارتية المتأثرة باللغة الحورية أذ كانت الپاء p تحل محل الباء بديل أن عبد خيبا كان يكتب في نصوص أوغاريت أحياناً عبد خيپا بحرف  pيضاف إلى ذلك أن العلامة المسمارية bi كانت تقرأ أيضاً pi فيجوز قراءة كلمة عبيرو بالباء أو الپاء p.

وإذا كان أغلب الذين تناولوا الموضوع متفقين على ذلك فإن الاختلاف مازال حاداً بشأن ما يقصد بهذه التعابير فهناك من يرى أنها تشير إلى اليهود الإسرائيليين (العبرانيين) فهم يدعون الانتساب إلى إبراهيم الخليل الذي لقب بلقب عبري في التوراة إشارة إلى عبور الصحراء أثناء هجرته من العراق إلى المناطق الغربية.

ومما يزيد المشكلة تعقيداً من خلال الاعتقاد بأن الجموع التي كان يشار إليها باسم خابيرو لا تنتمي إلى أصل واحد ولا تربط بين أفرادها أواصر قومية لأنها كانت تجمع بين الساميين والحوريين وأقوام أخرى ذات أصول مختلفة استنتاجاً من اختلاف أسمائهم الشخصية وكانت تعزوهم  الرغبة في العمل لتحقيق مكاسب مادية عن طريق النهب والسلب وشن الغارات على المجتمعات المستقرة هي التي تجمع الطرفين وتوحد بينهما وإذا ما تعذر على الخابيرو القيام بأعمال النهب والسلب فإنهم كانوا يتحولون إلى جنود مرتزقة في خدمة من يجزل لهم العطاء وقد يتحولون إلى عمال مسالمين أو حتى إلى عبيد عندما تدفعهم الحاجة إلى ذلك وهذا ما دعا الكثير من المؤرخين إلى الاعتقاد بعدم دلالة قومية للتعابير الثلاثة: الخابيرو والعبيرو والعپيرو بالپاء p وإلى اعتبار تعابير اجتماعية تشير إلى طبقة من الناس جمعت بينهم المصلحة الإقتصادية وكان أفراد هذه الطبقة من المغامرين الذين خرجوا على مجتمعاتهم لأسباب مختلفة وكان لديهم متسع لكل هارب أو طريد.

وبعد بحث في رسائل تل العمارنة يلخص ق.ف بروس موضوع الهيبرو فيقول : نستطيع أن نرى العبرانيين الذي تصفهم التوراة جماعة من العيبرو نربط بينهم أواصر دينية قوية وقد تخلوا عن حياتهم البدوية السابقة ونزلوا في كنعان مع جماعات أخرى ملتحقة بهم ) في نهاية العصر البرونزي الأخير وتصادف نهاية العصر البرونزي الأخير الفترة التي هاجم فيها يشوع أريحا وقد وردت إشارة حديثة إلى جماعات العبيرو في ألواح عثر عليها .في الحفريات التي تقوم بها بعثة ألمانية تحت إشراف الأستاذ رودلف إيخمان في قرية كامد اللوز في سهل البقاع بلبنان إذ اكتشفت ثلاث لوحات من الطين المحروق تحمل كتابات بالحرف المسماري كما عثر على جزء من لوحة رابعة وبين هذه اللوحات الأربع رسالتان هما من ضمن مراسلات تل العمارنة وتشير إلى أن قبائل الخيبرو هي قبائل كان أفرادها من جنسيات مختلفة اعتبروا بصورة عامة جنوداً يدفع بهم للحرب أحياناً والقيام بثورات ضد أسيادهم والاستيلاء على الحكم في المدن أحياناً أخرى.

يبدو واضحاً مما مر أن المشكلة المتعلقة بدلالة اسم خابيرو والتعبيرين المرادفين مما سبق أن المشكلة المتعلقة بالصلة بينهما وبين الإسرائيليين الذين عرفوا باسم العبرانيين([7]).

حسب العرف التوراتي لم يكن بنو إسرائيل وحدهم العبرانيين بل إن من العبرانيين حسب التوراة شعوباً أخرى غير بني إسرائيل ومن هؤلاء أجداد عرب الشمال وعرب الجنوب في الجزيرة.

والعبريون بحسب التاريخ والاكتشافات الأثرية الجديدة فقد وُجد  تاريخ العبريون في آثار (نارعم سن) يبتديء بعشيرة من تلك العشائر التي انتشرت خلال الفترة التاريخية لبلاد ما بين النهرين على حافة الهلال الخصيب وهذه العشيرة عرفت تحت اسم عيبرو تارةً وتارةً أخرى تحت اسم (عبريو) وتارةً تحت اسم (عبران) وذلك نسبة إلى جدها الأعلى عابر وكان أول ظهور لأفرادها مع التاريخ في مدينة أور على ضفاف الفرات الأدنى من منطقة المستنقعات المعروفة باسم أرض البحر

وكان يمكن في الأحوال المضطربة أن يُوَحِّدوا أنفسهم كجماعة غير منتظمة لأي مصلحة تعود عليهم بالفائدة وكان العيبرو إذا أبرموا عهداً حلفه بآلهة العيبرو وهو متفق كل الاتفاق مع التعبير في التوراة(اله العبرانيين) ([8])

و من الجدير ذكره أن صفات الذين اجتمعوا مع سيدنا داوود هي من صفات العبيرو ففي سفر صموئيل الأول من التوراة (فذهب داوود إلى مغارة عدلام فلما سمع اخوته وجميع بيت أبيه نزلوا إلى هناك واجتمعوا إليه كل رجل متضايق وكل من كان عليه دين وكل رجل مر النفس فكان عليهم رئيساً وكان معه نحو أربعمائة رجل([9]).

ويقول نوث في هذا المعنى ( قلما تستطيع الشك بأن العبيرو الذين أشارت إليهم رسائل تل العمارنة في استتنجادات عبد-حيبا هم )أنفسهم الذين تدل عليهم كلمة العبرانية التي تستعملها التوراة وأننا لعلى علم بوجود هؤلاء العبرانيين في نواحي الشرق القديم كله.

اننا لنعرفهم من وثائق مدينة ماري ومن مدينة نوزو في الفرات منذ القرن الخامس عشر ق.م ومن الحيثين في آسيا الصغرى خلال القرن الرابع عشر ق.م ومن مصر في القرن الخامس عشر ق.م ومن سوريا وفلسطين في القرن الرابع عشر ق.م باسم عبر وعندما يذكر اسم العبرانيون نجد شعباً من إصول متنوعة جداً وتشير التسمية بخاصة إلى وضع اجتماعي وقانوني معين وإننا لنجد التسمية في التوراة بصورة تدل على هذا الوضع([10])أي أنهم ذو مستوى وضيع وموارد ضئيلة في وسط البلاد المتمدنة في الشرق القديم وأنهم يؤدون الخدمات في المكان المطلوب وبالصورة المبتغاه ويمثلون عناصر متنقلة قلقة لا جذور لهم في الأرض  وأن أسماءهم أغلبها سامي ولكن هناك أسماء حورية وكانت جماعات من العبيرو لها أسماء غير سامية وذلك على حسب أماكن نشوئها وتجوالها .

وبعض هذه الجماعات من العبيرو دخلت مصر بأعداد كافية بحيث قلبت نظام حكم الامبراطورية الوسطى وأقامت هناك حكمها إما بالتدريج وإما بالغزو الفعلي وقد عرفهم المصريون على أنهم هكسوس أجانب آسيويون وتستمر كينيون هنالك نقطة جانبية لها أهمية خاصة بالنسبة لتاريخ التوراة أن العبرانية في نظر أكثر الثقاة هي تشكيلات (العبيرو) وعند المصريين العبر وكان سيدنا ابراهيم يدعى عبرانياً وفي فترة تحركات عصابات العبيرو تقع تحركات الآباء العبرانيين وهذه التحركات شملت أراضي ما بين النهرين إلى مصر وهي البقاع التي وجدت فيها جماعات العبيرو ويضاف إلى ذلك أنه كان هناك اتصال وثيق بين عبرانيي التوراة وبين الحوريين إذ أن كثير من العادات الاجتماعية والقوانيبن العرفية التي أوردها العهد القديم وقد اكتشفت في آثار الحوريين بماري و تجول الآباء أولاً كجماعات نصف بدوية في الأراضي الكنعانية شأن كثير من العيبرو الآخرين ثم استقر أبناؤهم في البلاد مع الزمن والكنعانيون الذين وقعت في أيامهم هذه التحركات ينتسبون إلى العصر البرونزي المتوسط والموجودات الأثرية في مواقع أريحا وأمثالها تشير إلى نوع المدن التي رآها العيبرو والحضارة التي شاهدوها.ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن أصل أسباط إسرائيل هو سبط بنيامين قد صنف مع العيبرو وذلك بناءً على الاكتشافات الحديثة في ماري التي ازدهرت فيها حضارة العموريين منذ 3000 سنة ق.م وتضيف هذه الاكتشافات إلى ذلك ( إن ذكر البنياميين في ألواح ماري يدل على أن جماعة من البدو كانت معروفة باسم البنياميين قبل سيدنا يعقوب الذي لا يمكن أن يكون قد وجد قبل القرن السابع عشر ق.م في ألواح ماري المشار إليها تقول للقرن التاسع عشر ق.م .

وقد ظهر مثل هذا الخطأ في أسباط إسرائيل الإثني عشر الذين ذكرتهم التوراة أو تبين أن (نصوص.(أوغاريت)المسمارية الحروف تشير إلى أن قبائل دان واشير وزبولون كانت في أرض كنعان خلال القرن 15 ق.م أي قبل خروج اليهود من مصر "أوغاريت ص 281) ، ويقول أندريه بارو أن الألواح المكتشفة ترسم صورة لا مجاملة فيها للعبيرو والبنياميين معاً وتصف كل منهما بأنه "سراق ، نهاب" ويؤيد هذا الوصف نص ورد في التوراة يقول ( بنيامين ذئب يفترس في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهباً([11]) وهناك نص آخر ينسجم مع هذا المعنى فيقول عن البنياميين (رجال حرب ، مخترطي السيوف يرمون الحجر بالمقلاع على الشعرة ولا يخطئون ([12]) وهنالك نص ثالث يقول (مساعدون في الحرب نازعون في القسي يرمون الحجارة والسهام باليمين واليسار من إخوة شاول من بنيامين ([13]).

ولا يشك بارو في هذا السبط (أو القبيلة) هو نفسه السبط الوارد ذكره في التوراة بعدئذ وورد في ألواح ماري أن البنياميين كانوا موزعين في قرى متعددة حول المدينة.

ويورد كيلر في كتابه (التوراة كتاريخ) بعض محتويات طريفة لألواح صلصالية من ماري تخاطب البنياميين بشارات النار مؤيداً لما ورد في التوراة (اهربوا يا بني بنيامينوعلى بيت هكاريم ارفعوا علم نار([14]) وكتب موظف أمن (شرطي) من ماري للملك في القرن التاسع ق.م يقول : (سيدي إني تركت ماري أمس وأمضت الليلة في زوريان لقد كان البنياميون يرسلون شارات بالنار ، وكانت قرى البنياميين في مقاطعة طرقة تجيب على ذلك بشارات النار أيضاً ولست أدري للآن ما تعني هذه الشارات من الضرورة تدعيم حرس المدينة وعلى سيدي أن لا يخرج من البوابة) .

وفي ألواح ماري ترى أصول بمعنى النبوءات الاسرائيلية ومنها الفكرة عن إله معبود وبخاصة الاله دجن وكانت معابدهم تقام على أشكال المساكن التي يقطنونها ومنها عبارة (بيت الرب) القديمة وعبارة (جبل البيت )التي يستعملها الصهيونيون الآن للتدليل على الجبل الذي كان يقوم عليه الهيكل عندهم .

فإذا أعدنا النظر إلى جملة المصادر التاريخية والحفريات الأثرية نجد أن قسماً من العبيرو قد دخل إلى فلسطين مع سيدنا إبراهيم سنة 1900 ق.م وبقى فيها وقسماً ارتحل إلى مصر مع غزو الهكسوس 1700 ق.م وقسماً كبيراً جاء مع سيدنا موسى سنة 1300 ق.م ، وجماعة سيدنا موسى هذه هي التي يمكن اعتبارها أصل ما أصبح بعدئذ إسرائيل ، هذا وجماعة يشوع الذين هاجموا أريحا سنة 1260 ق.م هم أيضاً من العبيرو وليس العكس فإن جماعات من العبيرو ظهرت واختفت دون أن يكون لها علاقة بالإسرائيليين وفي جميع هذه الحالات بما فيها غزوة فلسطين لا نستغرب العنف والهمجية والشراسة التي اتصفت بها سائر غزوات العبرانيين ويبدو لنا أن الذين كتبوا التوراة بعد نهاية أحداث الغزوات بوقت طويل (في القرن الثامن  إلى الخامس قبل الميلاد ) رأوا أو أحبوا أن يروا أن ذلك إنما تم بأوامر من ربهم يهوه ولا شك أنه كان لنصوص التوراة أثر كبير على أجيالهم المتعاقبة التي آمنت بها كابراً عن كابر حتى انحدرت إلينا في هذا الزمان كما رأينا.

والعبراني هو المنحدر من سيدنا إبراهيم واسحاق أو يعقوب (الآباء) والتوراة تدعو إبراهيم العبراني وعلى هذا انطلقت الكلمة على الاسرائيليين واليهود على السواء  .

والإسرائيلي هو المنحدر من إسرائيل وهو سيدنا يعقوب بن اسحاق ولكن الكلمة تصرف تجاوزاً إلى غير أنسال يعقوب من العبرانيين.

اليهودي هو العبراني أو الاسرائيلي الذي كان تابعاً لمملكة يهودا ولكن استعمالها بعدئذ شمل الجميع ([15]) .

الفرق بين العبرية واليهودية عبر التاريخ

اعتاد الناس منذ زمن طويل بتأثير الكتابات التوراتية أن يفهموا أن العبرية واليهودية كلمتان بمعنى واحد وهذا خلاف الواقع فالعبرية في القرن العشرين قبل الميلاد كانت كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحل في صحراء الشام وبهذا المعنى وردت كلمة العبري والابري والعبيرو والهبيري والخبيرو وما قاربها لفظاً في كتابات تل العمارنة وفلسطين وآسيا الصغرى والعراق وجاءت بهذا المعنى أيضاً في الكتابات المسمارية والفرعونية ولم يكن لليهود وجود في ذلك الحين ولما وجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل كانوا هم أنفسهم يقولون عن العبرية أنها لغة كنعان ثم انطوت العبرية في الآرامية التي غلبت على القبائل جميعاً بين فلسطين والعراق مع اختلاف يسير بين الآرامية الشرقية والآرامية الغربية ويقول أونغر E.M.Unger  في تسمية سيدنا إبراهيم الخليل بالعبراني في التوراة: ((إن البينات كلها تتراكم أمامنا لتفيد أن العبرانيين القدامى كانوا بطريقة ما مرتبطون بصلة وثقى مع العبيرو والخبيرو وحتى لو أردنا أن نتجنب تسمية سيدنا إبراهيم بالعبراني أو العبري فهو مع ذلك يعد في الأساس من سلالة هذه الجماعة ذاتها (جماعة العبيرو))) ويعترف درايفر G. R. Driver أستاذ اللغة العبرية في جامعة أكسفورد في مقاله المنشور في دائرة المعارف البريطانية أن كلمة (عبري) عبريت وعبراي بالآرامية قد صاغها حاخامو إسرائيل في وقت لاحق.

ومجمل القول أن الحاخاميين اليهود وجدوا أن أحسن طريقة يمكن إتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور وجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة هو استعمالهم مصطلح عبري أو عبيرو للدلالة على اليهود بوجه عام وبذلك يكون تاريخ فلسطين تاريخاً واحداً متصلاً ومرتبطاً منذ أقدم العصور بالشعب اليهودي وقد تمسك الباحثون بالنظرية القائلة إن العبرية بمعنى اليهودية والتي أطلقوا عليها اسم العبرية التوراتية وهي أقدم لغة سامية معروفة متجاهلين وجود الكنعانية القديمة قبلها بعدة قرون وظل الأمر على ذلك حتى توصل المنقبون مؤخراً إلى اكتشاف أقدم لغة سامية معروفة وهي أم اللغات السامية في مغائر مملكة إيلا السامية جنوب حلب وقد صرح خبير اللغات الإيطالي كلوفاتي بيتيناتو وهو أحد المكتشفين لهذه اللغة القديمة (لغة إيلا) بأنها الكنعانية القديمة مؤيداً بذلك الرأي الذي كان قد ذهب إليه خبير اللغات دايرنجر قبل هذا الاكتشاف الجديد.

ولكل ما تقدم فقد دحضت إدعاءات الكُتَّاب اليهود على أن العبرية بمعنى اليهودية .

وهكذا لم يتبق بعد اكتشاف اللغة الكنعانية القديمة أم اللغات السامية أي مجال لترويج الإدعاءات الصهيونية التي تزعم أن اللغة العبرية موجودة منذ أقدم الأزمنة وأنها أقدم اللغات السامية([16]).

بنو إسرائيل

أ‌-     الرواية الدينية :

تعود كلمة إسرائيل إلى سيدنا يعقوب الملقب بإسرائيل، وهو حفيد سيدنا إبراهيم من ولده إسحاق . وأبو هذه الأمة، وُلد سيدنا إبراهيم في أور الكلدانيين وقد وصل من بلاده إلى أرض كنعان نحو القرن الحادي والعشرين أو العشرين ق.م . وقد غادر سيدنا إبراهيم بلاده مع بعض أفراد عائلته ليعبد الله عملاً بما أنزل عليه من الوحي فعشيرته كانت تعبد الأصنام، وهو كان مؤمناً موحداً .وكانت حاران (حران) وتقع في الشمال الشرقي لما بين الفرات  وخابور ،أول محطة له ،وفيها مات أبوه  تارح فأكمل السير بعد وفاته حتى وصل إلى شكيم (نابلس) .

حدث جوع شديد في أرض كنعان ،فرحل سيدنا إبراهيم وأهله إلى مصر ،ولما عاد وقع بينه وبين ابن أخيه لوط نزاع ،فرحل لوط إلى الأردن ووصل سيدنا إبراهيم إلى حبرون(الخليل) .لكن لما أغار بعض الملوك القادمين من جهة ما بين النهرين على لوط وأسروه مع أهل بيته، سلَّح سيدنا إبراهيم غلمانه وعبيده وانتصر لابن أخيه وتمكن من استرداد الأسرى والسبايا، وأبى أن يأخذ لنفسه شيئاً من الغنائم حتى التقى مِلْكي صادق، ملك ساليم وهو عائد فأعطاه عُشر الغنائم.

إن سيرة سيدنا إبراهيم بحسب ما وردت في التوراة أشبه ما تكون بسيرة شيخ قبيلة عربية،فقد كان اعتماده في المعيشة على مواشيه وقطعانه الكثيرة ،يضرب بها طول البلاد وعرضها ،بحثاً عن الكلأ والماء ،وما عرف عنه كان من عادات العرب ،كإكرام الضيف والألفة والنجدة وشدة البأس والكرم وحفظ الجوار ( [17]).

رزق سيدنا إبراهيم من جاريته هاجر بابنه الأول سيدنا إسماعيل،ثم رزق بابنه الثاني سيدنا اسحق من زوجته سارة ،ويعتبر سيدنا إسماعيل جد العرب ،كما يعتبر أخوه اسحق جداً لليهود ،وقد وُلد لسيدنا اسحق  عيسو ويعقوب وهو الملقب ب"إسرائيل" وقد وُلد لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولداً ،يعتبر كلٌ منهم أباً لسبط من أسباط اليهود ،ومن أولاده كان سيدنا يوسف الذي نقم عليه اخوته وحسدوه فباعوه إلى تجار مصر وادعوا لأبيهم أنه قتل ،وفي مصر سُجن سيدنا يوسف ظلماً ،ثم أُفرج عنه ودخل في خدمة فرعون وأصبحت له سلطة واسعة فأرسل وراء أبيه وإخوته وهكذا انتقلت أسرة سيدنا يعقوب إلى مصر .

أقطع فرعون مصر سيدنا يعقوب وبنيه جزءاً من الدلتا فعاشوا هناك عيشاً رغداً نحو أربعمائة سنة . ولا يعرف متى انقلب فرعون مصر –أو أي فرعون بالذات –ضدهم فكرهوا الإسرائيليين وأذلوهم واستخدموهم بقسوة بالغة ،وأمر فرعون بقتل الذكور من الأطفال حين يولدون ،ونجا سيدنا موسى "الرضيع" على يد ابنة الفرعون فاتخذته ابناً لها ونشأ في قصر أبيها نشأة أبناء الملوك ودرس علوم المصريين وآدابهم .

ولما كبر سيدنا موسى ورأى ما يحوق ببني جنسه من الظلم وشاهد استعباد الفراعنة لهم وإرغامهم على مختلف الأشغال الشاقة ،أخذ يفكر في النزوح . وكان يوم رأى فيه سيدنا موسى مصرياً يضرب واحداً من بني قومه فثارت كرامته وقتل المصري ،ولما شاع الأمر فر إلى أرض مديان التي تقع قرب خليج العقبة ،وعلى جبل الطور أوحى الرب إلى سيدنا موسى بأن يعود إلى مصر وينقذ بني قومه فيخرجهم  من مصر "أرض العبودية" ،وقد عاد سيدنا موسى فعلاً مع أخيه هارون وأخرج بني قومه وابتدأت رحلة التيه ،وكان ذلك نحو 1227 ق.م. وفي التيه ارتد قوم سيدنا موسى عن دينهم إلى عبادة العجل وهناك نزلت " الوصايا العشر" وبقى بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة حتى يخرج جيل صلب شجاع .

أرسل سيدنا موسى الرسل أكثر من مرة لاستطلاع الأوضاع في أرض كنعان، وعاد الرسل فأخبروه أن أرض كنعان خيِّرة وهي تجود لبناً وعسلاً، غير أن سكانها أشداء ولا قدرة للإسرائيليين على محاربتهم، وغضب الرب عليهم لجبنهم، وقضى عليهم بالبقاء في التيه حتى يموت الجيل المتردد الجبان، وينشأ الجيل القوي.

ولما عزم الإسرائيليون دخول أرض كنعان قاومهم سكان الجنوب بعنف فاضطروا إلى التوغل شرقاً وإلى عبور شرق الأردن أولاً، وهناك توفي سيدنا موسى عليه السلام، وتولى القيادة من بعده يوشع (أو يشوع) بن نون، وكان قائداً صلباً عنيفاً، وقد صمم على إبادة سكان البلاد بكاملهم، ولما كانت أريحا أول مدينة وطئها بنو إسرائيل القادمون من شرقي النهر، فقد لقيت الأهوال إذ حاصروها وأحرقوها وقتلوا سكانها ثم استولوا على معظم جنوب فلسطين، وبقى الكنعانيون في قسم منها، كما بقى الفلسطينيون في القسم الغربي. ومنذ عهد القضاة، وهو العهد الذي ابتدأ بعد وفاة يوشع عاش الأقوام الثلاثة مئات السنين، تخللتها سلسلة من الحروب الفلسطينية –الإسرائيلية والحروب الكنعانية-الإسرائيلية.

امتد عهد القضاة قرناً ونصف قرن من الزمن حكم خلاله اثنا عشر قاضياً كان آخرهم صموئيل، واتفق الإسرائيليون بمشورة صموئيل نفسه على تعيين شاول بن قيس ملكاً عليهم لتوحيد قبائلهم، غير أنه قتل في إحدى حروبه مع الفلسطينيين، وجاء بعده الملك داوود ( [18]).

ب - ملوك إسرائيل :

على الرغم من أن عهد الملكية قد ابتدأ بالملك شاول، فإن مملكته لم تتعد كثيراً عشيرته بنيامين، وكان مسكنه خيمة، وقد انتهى أمره بتغلب الفلسطينيين عليه،وقتلهم ثلاثة من أبنائه وإصابته بجروح بليغة، ولم يحتمل شاول كل هذه المآسي ،وخصوصاً أنه كان يتصف بضعف الشخصية والسوداوية، فأقدم على الانتحار.

ابتدأ حكم سيدنا داود من بعده (1010 ق.م. -971 ق.م.) على الوجه التقريب وعلى الرغم من أن سيدنا داوود كان في بداية عهده خاضعاً لنفوذ الفلسطينيين، فإنه في نهاية عهده تمكن من أن يحكم أوسع رقعة من الأرض عرفتها المملكة الإسرائيلية .

ولوقت طويل كانت نظرة الفلسطينيين حيادية تجاه سيدنا داوود وذلك في أثناء الصراعات الإسرائيلية الداخلية، فسيدنا داود كان قاد التجأ إلى مؤاب عندما أراد كسب حليف له ضد شاول، وأبرم اتفاقاً مع الفلسطينيين، وبناء عليه أقطعه الفلسطينيون مدينة صقلغ،فأصبح بطبيعة الأمر خاضعاً لهم، ولم يكن هذا الموقف سهلاً على سيدنا داوود، فهو موقف يناقض بصيرته الثاقبة في الشئون السياسية والدبلوماسية، لكن يبدو أنه كان مرغماً عليه، والدليل على ذلك أنه لما عاد وتمكن من القضاء على سكان صقلغ بالذات (أي المدينة التي آوته) أمر بقتل سكانها جميعاً، نساءً ورجالاً وأطفالاً لئلا يبقى منهم من يخبر.

حكم سيدنا داوود أربعين سنة، منها سبع سنين في حبرون(الخليل)، والباقي في أورشليم أو يبوس (القدس) بعد أن أخذها بالحيلة من اليبوسيين .

وقد تمكن في عهده من إخضاع العديد من القبائل والشعوب، فتخلص من هيمنة الفلسطينيين وأخضعهم، كما أخضع آدوم مؤاب وعمّون وجزءاً من سوريا الآرامية .

واستقر سيدنا داوود في قصره في يبوس بعد أن أخضع الأمم المجاورة، وكان قصره من حجر منحوت من خشب الأرز، وقد ساهم في بنائه العمال والمهرة من مدينة صور الذين أرسلهم الملك حيرام صديقه، وبنى أيضاً مكاناً مقدساً لعبادة يهوه، وقد جل دين يهوه دين بني قومه جميعاً في المملكة الواحدة. ومما لا شك فيه أنه كان ملكاً مثالياً لبني إسرائيل، ومن أبرز صفاته المعروفة أنه الملك المحارب والسياسي والشاعر والموسيقي، وهو صاحب المزامير الشهيرة بمزامير داوود، وما زالت تقرأ وترتل من التوراة أناشيد خالدة .

جاء من بعد سيدنا داوود ابنه الملك سيدنا سليمان (971 ق.م.-931 ق.م) على وجه التقريب ( [19]) وعلى العكس من أبيه فعهده كان عهد سلام لا عهد حرب، وقد تقلصت المملكة في عهده، ومن الذين استرجعوا ملكهم في عهده كان ملك آدوم الذي هرب إلى مصر في أثناء حكم سيدنا داوود ،ثم عاد في عهد سيدنا سليمان فاسترجع جزء من بلاده في الجنوب، ولم يفعل سيدنا سليمان شيئاً ضده، وما كسبه سيدنا سليمان لم يكن بالحرب كما فعل أبوه ،بل بسياسته الخارجية التي ارتكزت على المداهنة والمصاهرة، فقد استنجد بفرعون مصر شيشنق وتزوج ابنته، وما كان من الفرعون إلاّ أن ساعده فانتقم له من الكنعانيين وأحرق مدينة جازر ، ثم أهداه إياها هدية الزواج . وهكذا عاد إلى الفراعنة شيء من النفوذ في عهد سليمان .

ومن الشعوب المجاورة التي استرضاها سيدنا سليمان بالمصاهرة :المؤابية والعمونية والآدومية والصيدونية والحثية  وقد جاء في التوراة([20])" أنه كانت له سبعمائة من النساء وثلاثائة من السراري ، مما أغضب الرب عليه،لأن نساءه بقين يتبعن آلهتهن ".

كانت الحكمة أكثر الصفات التي اشتهر بها سيدنا سليمان، فعرف بسليمان الحكيم، وقيل أنه تكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفاً وخمسا، وما من مؤرخ إلاَّ ووقف إزاء حكمة سيدنا سليمان وقد وقف المؤرخ برستد أيضاً إزاء صفة أخرى لا علاقة وثيقة لها بالحكمة ،فقد ذكر أن سيدنا سليمان مثل حمورابي أصبح من التجار الأوائل في الشرق، فقد أطلق أسطولاً بحرياً (عبر البحر الأحمر) وقوافل برية بالمشاركة مع صديقه الملك حيرام الفينيقين ملك صور .

ولم يساهم حيرام مع صديقه في بناء التجارة فقط وإنما أيضاً في بناء الهيكل المشهور بهيكل سليمان، فقد أرسل له العمال المهرة لبناء الهيكل، وهكذا انتقل بنو إسرائيل من عبادة يهوه في خيمة متنقلة إلى عبادته في الهيكل الحجري.

استغرق بناء الهيكل سبع سنوات وقد عمل فيه ثلاثون ألفاً من العمال فكانوا ينقلون خشب الأرز من لبنان عبر البحر إلى شاطيء يافا، ومرة أخرى جاء المهندسون والبناءون المهرة والنجارون الحاذقون من صور لبناء الهيكل، وهكذا كان الإشراف على البناء فينيقياً، وجُل العمال الثلاثين ألفاً كان من الكنعانيين، وداخل الهيكل كان التصميم وكانت النقوش كنعانية وفي الصلوات كانت الطقوس كنعانية، وكلمة هيكل في الأصل كلمة كنعانية أخذت عن السومرية، أما الهيكل نفسه فهو هيكل إسرائيلي !! وهو رمز الحضارة الإسرائيلية الأولى !!

ولقاء المساعدات الضخمة التي قدمها حيرام إلى سيدنا سليمان لبناء الهيكل وقصره الذي إستغرق بناؤه ثلاث عشرة سنة أن تنازل سيدنا سليمان لصديقه عن عشرين مدينة كنعانية تقع في الجليل الأعلى شرقي عكُّو (عكا)( [21]).

ولما مات سيدنا سليمان كانت الضرائب الباهضة التي فرضها بسبب البذخ الشديد الذي اشتهر به عهده تنوء بالبلاد، ولم تكن القصور التي شيدها أكثر من شاهد على ذلك البذخ، وبموته انتهت المملكة الواحدة. 

ج- الانقسامات ونهاية المملكتين:

انقسمت المملكة بعد موت سيدنا سليمان إلى دولتين متناحرتين ضعيفتين، وأصبحت شكيم (نابلس) عاصمة للدولة الشمالية (وقد عرفت بمملكة إسرائيل)،التي يتبعها عشرة أسباط يهودية، وبقيت أورشليم عاصمة للدولة الجنوبية (وقد عرفت بمملكة يهوذا) التي يتبعها السبطان الباقيان، وهكذا لم تبق أورشليم عاصمة للدولة الواحدة إلاَّ في عهدي داوود وسليمان .

حكم مملكة إسرائيل الشمالية (931 ق.م-724 ق.م) تسعة عشر ملكاً طوال القرنين،ثم اندحرت على يد الآشوريين وتمكن سرجون الثاني سنة 722 ق.م من سبي وجوه المملكة ونخبة الشعب، وكان عددهم 27280 نسمة، وكان عدد الإسرائيليين إجمالاً 400000 نسمة، وزالت المملكة الإسرائيلية من الوجود بعد ذلك، فهرب قسم من سكانها إلى المملكة الجنوبية، ودفع الباقي الجزية ..

دامت مملكة يهوذا الجنوبية (931ق.م-586ق.م) نحو 138 سنة بعد خراب الشمالية و هي مدينة بتأخير سقوطها للثورات التي قامت في الدول المجاورة وقد حكمها عشرون ملكاً، قُتل ستة منهم بأيدي شعبهم .

وكان السبي الثاني على يد نبوخذ نصَّر الكلداني بعد أن حلَّ الكلدانيون محل الأشوريين، فقد حاصر أورشليم وسبى الملك وعائلته وسبعة آلاف رجل وألف عامل وأرسلهم إلى العراق .

ولما رفض الباقون من اليهود دفع الجزية هاجم نبوخذ نصَّر أورشليم من جديد، فحاصرها لسنة ونصف السنة وأحرق هيكل سليمان ونقل خمسين ألفاً منهم أسرى إلى بابل، وهكذا حكم الكلدانيين فلسطين ( [22]).

بقى اليهود في بابل سبعين سنة وهناك تعلموا الآرامية وأصبحت لغتهم المحكية التي تطورت بعد ذلك إلى العبرية، وبهذه اللغة المقتبسة من الآرامية وفي طورها الأول وضع الكهنة اليهود في الأسر البابلي توراتهم، وليس من شك في أن هذه اللغة ليست لغة سيدنا موسى المصرية التي نزلت بها توراة سيدنا موسى الأصلية، هذا،فضلاً عن أن اليهود استمروا يتكلمون الأرامية فقط، وانحصرت اللغة العبرية في كتب التوراة وكانوا في مختلف أنحاء العالم يتكلمون بلغات البلاد التي سكنوها ويقرءون التوراة من دون أن يفهموا معناها .