عشر سنوات فقط!!

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

كانت سورية على الدوام واحة للتعايش السلمي بين مواطنيها بكل نسيجهم العرقي والديني والطائفي والمذهبي والفكري، لا يحتكر السلطة فيها طيف سياسي أو ديني أو طائفي أو عرقي دون آخر، ولا فرق في ذلك في تبوء أعلى المناصب وأخطرها أو أدناها، في تداول سلس وسلمي وشفاف للسلطة، وفق قاعدة (الاختلاف لا يفسد للود قضية.. مصلحة الوطن فوق الجميع).  

فهذا فارس الخوري يتولى رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم، وهو رجل مسيحي ولا يجد الآخرون من المسلمين - وهم الأكثرية (80%) – غضاضة في ذلك.. وقد علقت الصحف في حينها على تسلمه ذلك المنصب الخطير (رئيس مجلس الوزراء) بقولها: (... وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة). وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.

وقابل فارس الخوري ثقة المسلمين وكل الأطياف السورية الأخرى به بالتجرد في أحكامه، فكان عميقاً في تفكيره، صائباً في نظرته، وقد جره هذا الإنصاف لأن يقول عن (الإسلام) الذي درسه وتعمق فيه أنه محققاً للعدالة الاجتماعية بين بني البشر. فمن أقواله في الإسلام: (.. يمكن تطبيق الإسلام كنظام دون الحاجة للإعلان عنه أنه إسلام). ـ (… لا يمكننا محاربة النظريات الهدامة التي تهدد كلاًّ من المسيحية والإسلام إلا بالإسلام). ـ (… لو خيرت بين الإسلام وبين الشيوعية لاخترت الإسلام). ـ (… هذا هو إيماني. أنا مؤمن بالإسلام وبصلاحه لتنظيم أحوال المجتمع العربي وقوته في الوقوف بوجه كل المبادئ والنظريات الأجنبية مهما بلغ من اعتداد القائمين عليها. لقد قلت ولازلت أقول، لا يمكن مكافحة الشيوعية والاشتراكية مكافحة جدية إلا بالإسلام، والإسلام وحده هو القادر على هدمها ودحرها). ويؤثر عنه كثير ممن عاشره حبه للإسلام وتعلقه به عقيدة وشريعة، وكثيراً ما أسر باعتقاده هذا إلى زائريه ومخلصيه.

وعلى كواهل أمثال شكري القوتلي وفارس الخوري وسعد الله الجابري وعبد الرحمن الكيالي وجميل مردم بك وخالد العظم وليون زمريا وحسن الحكيم وسعيد الغزي ومعروف الدواليبي وأدمون رباط ورشدي الكيخيا وناظم القدسي وغيرهم من النخب الوطنية والفكرية، أرست سورية (الدولة الفتية) قواعد الديمقراطية والاحترام المتبادل بين أحزاب ورموز الوطن ورسختها، إلى أن جاءت الانقلابات العسكرية الحمقاء متتابعة تنقض غزلها!!

وللذكرى نقول – حتى تعي الأجيال السورية الشابة – أن الفترات التي نعمت فيها سورية بالديمقراطية والعيش السلمي المشترك، وتفيأت ظلالها في وحدة وطنية فريدة، هي الفترات التي امتدت ما بين عامي (1945 وحتى 1949) تلتها ثلاث انقلابات عسكرية متتالية قادها على التوالي: حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي.. ثم من عام (1954 وحتى 1958) قيام الوحدة السورية المصرية غير المدروسة، التي فرضتها مجموعة من الضباط السوريين بانقلاب غير معلن، ومن عام (1961 وحتى 1963) فانقلاب الثامن من آذار الذي قادته مجموعة من الضباط البعثيين بدعم من بعض الضباط الناصريين.. ومجمل سنوات الرخاء التي عاشتها سورية في ظل الديمقراطية والوحدة الوطنية الحقيقية والتعايش السلمي بين كل أطياف المجتمع السوري هي عشر سنوات من مجمل سنوات الاستقلال الذي هو 65 سنة...!