شكيب أرسلان والقضية الفلسطينية

شكيب أرسلان والقضية الفلسطينية

خليل الصمادي

 [email protected]

  لم يكن شكيب أرسلان(1869 ـ 1946)" لبنانيا كما تشهد له شهادة الميلاد بل كان سوريا ومصريا وفلسطينيا وليبيا وجزائريا وسعوديا أي كان عربيا...... وحتى عثمانيا، وإن كان الانتماء العربي واضحا عند كثير من الأدباء والمفكرين والساسة العرب في بدايات القرن الماضي فإن الطرح العثماني الذي كان يصر عليه أرسلان كان غريبا في تلك المرحلة وربما سبب متاعب جمة إذ كانت الظاهرة الإنتمائية يومئذ معادية للعثمانية وربما للإسلام!!.

   وكما كان أرسلان غريبا في تبنيه الجامعة العثمانية فظل يؤكد أنه يفضّل الدولة العثمانية الشرقية الإسلامية على احتلال الفرنج الأعداء الغرباء.

لم يكن هذا الطرح الجريء في هذا الوقت بالذات بمنأى عن النقد والتجريح من كثير من المفكرين العرب الذين كانوا يرون أنَّ الدولة العثمانية هي سبب مشكلات العرب وأن الغرب فيه التنوير والحضارة والمساواة ، ولكن بعد مرور الأيام والسنين أثبتت الأحداث صحة ما ذهب إليه شكيب أرسلان.

" " فقد اكتشف الخطر مبكرا ، فنبهه عليه في مقالاته العديدة التي نشرت في أكثر من مجلة وصحيفة ولم يكتفِ بالمقالات بل شمر عن ساعديه وعمل بكل ما استطاع أن يعمله من أجل قضية فلسطين القضية الأولى بالنسبة للعرب والمسلمين، ولم ينتبه إليها إلا أصحاب البصائر إذ كانت الهجرات اليهودية فور خروج العثمانيين من القدس تتم بالخفاء وبعيدة عن أعين الإعلام ، فعقد المؤتمرات العديدة بين خلالها خطورة سياسة المستعمرين في فلسطين، وسعيهم إلى تقسيمها وإنشاء وطن قومي لليهود فيها.

ويعد الأمير من أوائل الذين تنبهوا للخطر الصهيوني قبل حلول نكبة 1948 بأعوام عديدة أي قبل وعد بلفورالمشؤوم 1917م.

وعى أرسلان مشكلات أمته منذ عهد مبكر فشهر قلمه وفكره وكتب مئات المقالات لفلسطين ولم يبخل بوقته فجال شرقا وغربا من أجل فلسطين والعروبة والإسلام.

ولم يكن موقفه هذا وليد حدس أو تخمين، فقد تجمعت لديه الأدلة والقرائن أن فرنسا وإنجلترا يسعيان لتقسيم سوريا وفلسطين.

وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى تبين للجميع صحة ما ذهب إليه  وبعد نظره.

انبرى في بلاد العرب والمسلمين مدافعا عن حقوق المسلمين وكرس جهده ووقته وجاهه من أجل ذلك ومارس النشاط السياسي في أكثر من موقع فانتخب سكرتيراً أولاً للوفد المنبثق عن المؤتمر السوري الفلسطيني عام 1921 وعضواً في لجنته التنفيذية ليكون سفيراً لهم في الغرب يدافع عن سورية وفلسطين ويسعى لتحرير هذين القطرين من  الاستعمار ويسعى لاستقلالهما أمام جمعية الأمم المتحدة بجنيف. لذلك انتقل عام 1925 إلى سويسرا مقر عمله وأقام في لوزان أولاً حتى عام 1930 قبل انتقاله إلى جنيف. وقد نجح وفد المؤتمر السوري الفلسطيني في إفهام القضية السورية الفلسطينية، وأثارها في العواصم الأوروبية، ونبه أنظار الأمم إلى جرائم فرنسا في بلده، وجرها إلى مراقبة أعمالها، وتحذيرها من مغبة فسادها، فنقل بذلك أصوات السوريين إلى جمعية الأمم في جنيف فأقضى بهذه المساعي السياسية مضجع المستعمرين.

وكان من أوائل الذين تصدوا لخطر الوجود اليهودي في فلسطين، وسعى مخلصًا إلى دعوة العرب إلى جمع الشمل والتصدي لتلك المؤامرة، وحذر أبناء فلسطين من الخلاف والشقاق، لأن ذلك مما يقوي آمال الإنجليز واليهود ويعظم أطماعهم في فلسطين.فقد تدخل أكثر من مرة للصلح بين زعماء فلسطين لرأب الصدع بينهم وللتفرغ لمقارعة الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية. حيث كان الصراع على أشده في عشرينات القرن الماضي بين السياسيين الفلسطينيين بسبب الزعامات ولا سيما بين آل الحسيني وآل النشاشيبي وكان الصراع يومها على منصب الإفتاء وعلى المجلس الإسلامي الأعلى ومن ثم السيطرة على الأحزاب الفلسطينية وغير ذلك من مراكز القيادة!!

ولما كان الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين مطاردا حط الرحال في ألمانيا في أربعينات القرن الماضي وفي هذه الأثناء أرسل عدة رسائل للزعماء العرب يشرح لهم ما آلت له حالة البلاد من ازدياد الهجرة اليهودية بتشجيع من القوات البريطانية التي لاحقت الحاج أمين وأمثاله من الوطنيين الأحرار الذين اعترضوا على السياسات البريطانية في فلسطين، وكان المفتي يعرف قدر أرسلان ومكانته عند العرب والمسلمين والدول الغربية فأرسل لها الرسائل والمذكرات شارحا له عما يحدث في فلسطين فما أن وصلت إليه رسائل الحاج أمين الحسيني حتى قدم له كل مساعدة وساعده في الوصول إلى كثير من الدول والمحافل الدولية، فنجح الحاج أمين في مرات عديدة وأخق مرات بسبب ملاحقته من بريطانيا وحلفائها ، وبسبب نشر الشائعات حوله من قبل اليهود بأنه معاد للسامية وحليف هتلر وغير ذلك!!

ولم يقتصر دوره في مساعدة مفتي فلسطين ومؤازرته، وعلى الاهتمام بقضية فلسطين وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.

ولم تكن فلسطين بمنأى عن الأمير المجاهد فيوم إعلان وفاته قامت سرادق العزاء في عدد من المدن الفلسطينية كما أقيم مهرجان خطابي كبير في مدينة يافا بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته تكلم القادة والزعماء والأدباء عن مآثر الفقيد وجهاده المتواصل في المحافل الدولية من أجل فلسطين التي أحبها وأحبته.